بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    أول تعليق من بايدن على قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال القادة الإسرائيليين    مراقبون: قرار مدعي "الجنائية الدولية" يشكك في استقلالية المحكمة بالمساواة بين الضحية والجلاد    إبراهيم عيسى: حادثة تحطم طائرة الرئيس الايراني يفتح الباب أمام أسئلة كثيرة    المقاومة الإسلامية في العراق تستهدف هدفًا حيويًا في "أم الرشراش"    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    المجلس الدولي لحقوق الإنسان: نتنياهو لن يستطيع الخروج من إسرائيل    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    حسين لبيب: زيزو سيجدد عقده وصبحى وعواد مستمران مع الزمالك    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء في الدوري المصري    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    بعد الفوز بالكونفدرالية.. لاعب الزمالك يتحدث عن أداء وسام أبو علي مع الأهلي    رئيس نهضة بركان: ما يحزنني هو تعامل مسؤولي الزمالك.. وظلمنا الحكم بعدم احتساب ركلة جزاء    حريق يلتهم شقة سكنية في طنطا (صور)    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    قتلها وحرق الجثة.. ضبط قاتل عروس المنيا بعد خطوبتها ب "أسبوعين"    كيفية الاستفادة من شات جي بي تي في الحياة اليومية    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    حدث بالفن| حادث عباس أبوالحسن وحالة جلال الزكي وأزمة نانسي عجرم    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن مصير الكوادر الطبية بالمستشفيات الحكومية (فيديو)    طريقة عمل ماربل كيك بالفول السوداني، فاخرة ومذاقها لا يقاوم    باتباع نظام غذائي متوازن، إنقاص الوزن الزائد بدون ريجيم    «تنظيم الاتصالات» يتعاون مع «MCS» لتبادل الخبرات العالمية ونقل التقنيات الحديثة لمصر    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    ضحية جديدة لأحد سائقي النقل الذكي.. ماذا حدث في الهرم؟    حقيقة ما تم تداوله على "الفيس بوك" بتعدي شخص على آخر وسرقة هاتفه المحمول بالقاهرة    جهاز تنمية القاهرة الجديدة يؤكد متابعة منظومة النقل الداخلي للحد من التكدس    مصطفى أبوزيد: تدخل الدولة لتنفيذ المشروعات القومية كان حكيما    بعد تعاقده على «الإسترليني».. نشاط مكثف للفنان محمد هنيدي في السينما    مشيرة خطاب تشارك مهرجان إيزيس في رصد تجارب المبدعات تحت القصف    أفلام صيف 2024..عرض خاص لأبطال بنقدر ظروفك الليلة    المجلس التصديري للملابس الجاهزة: نستهدف 6 مليارات دولار خلال عامين    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    لميس الحديدي تعلق على طلب اعتقال نتنياهو وقادة حماس : مساواة بين الضحية والجلاد    خفض الفائدة.. خبير اقتصادي يكشف توقعاته لاجتماع البنك المركزي    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    غادة عبدالرازق أرملة وموظفة في بنك.. كواليس وقصة وموعد عرض فيلم تاني تاني    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    «حماني من إصابة قوية».. دونجا يوجه رسالة شكر ل لاعب نهضة بركان    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    متى تنتهي الموجة الحارة؟ الأرصاد الجوية تُجيب وتكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء    على باب الوزير    شارك صحافة من وإلى المواطن    "عبد الغفار": 69 مليون مواطن تحت مظلة منظومة التأمين الصحي    أزمة الطلاب المصريين في قرغيزستان.. وزيرة الهجرة توضح التطورات وآخر المستجدات    بشرى سارة.. وظائف خالية بهيئة مواني البحر الأحمر    المصريين الأحرار بالسويس يعقد اجتماعاً لمناقشة خطة العمل للمرحلة القادمة    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أقباط شمال سيناء .. بين الخطف والذبح والتهجير
نشر في البديل يوم 01 - 10 - 2014

وديع رمسيس: الشرطة "جبناء" في مكاتب مكيفة .. ولم يكن لهم دور في تحريري
أمير وديع: فدية والدي مصدر تمويل للإرهابيين .. وأعتذر لأهالي الضحايا
"المجرم الرئيسي والمحرض الأول علينا هو الجهاز الأمني"، هكذا قالها الدكتور وديع رمسيس في لقاء على الهواء على قناة CTV القبطية بعد يومين من إطلاق سراحه مقابل مليون ونصف مليون جنيه دفعتها أسرته لخاطفيه في شمال سيناء. أما نجله، أمير وديع، فقد اعتبر نفسه شريكاً في قتل أفراد الجيش والشرطة بالفدية التي دفعها مقابل عودة والده، والتي يراها تمويلاً للجماعات الإرهابية في شمال سيناء. "أعتذر لأهالي الضحايا، لكن لم يكن أمامي سبيل آخر، لن أترك والدي في أيديهم"، أضاف أمير.
لم تأت هذه الاتهامات من فراغ، فالدكتور وديع هو الضحية القبطية الثامنة للخطف في شمال سيناء خلال أقل من سنتين، وقد تحدى التهديدات بخطفه طيلة هذه الفترة واستمر في عمله بمستشفى رمسيس في مدينة العريش، الذي أسسه منذ عام 1986. تعتز عائلة الدكتور وديع كثيراً بدوره الوطني في تنمية سيناء بتأسيس أول مستشفى خاص في العريش، حيث أجرى مئات العمليات الجراحية بنفسه وباستقدام أساتذة الطب من جامعات القاهرة الكبرى، كما أجرى كثيراً منها مجاناً مراعاة لأحوال غير القادرين. وفي مجال التعليم، أنشأ أول مدرسة للغات عام 1996 لتشجيع المستثمرين على الإقامة مع عائلاتهم في العريش لدفع الحراك التنموي في سيناء. وفي مقابل ذلك، يرى الدكتور وديع وأسرته أن تاريخه الطويل في خدمة سيناء قوبل بالخذلان من قبل الشرطة التي كان طبيبها الأول في المحافظة طيلة ثلاثة عقود، وكان المعالج الأول لمصابيها خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
قبيل منتصف ليل السبت الموافق 14 يونيو الماضي، هاجم مسلحون سيارة الدكتور وديع رمسيس أثناء عودته من المستشفى إلى منزله، فأطلقوا النار على المحرك وأجبروه على النزول. حاول الإفلات من بين أيديهم، فكان جزاؤه كسر ذراعه ب "دبشك" إحدى بنادقهم. اقتادوه إلى مكان مجهول، معصوب العينين، وكبّلوا قدميه ب "الجنازير" لمدة 92 يوم، حتى إطلاق سراحه فجر الإثنين الموافق 15 سبتمبر الجاري. عاد الدكتور وديع إلى منزله الثاني بالقاهرة، وحكى تفاصيل مأساته قبل أن ينتقل للعلاج في مستشفى المعادي على نفقة القوات المسلحة ..
خلال فترة اختطافه، أجبره الخاطفون على إجراء عَشر مكالمات تليفونية بابنه الأكبر، أمير، ليتفاوضوا حول الفدية. في البداية طلبوا عشرة ملايين جنيه، ثم خفضوها إلى خمسة ملايين، واستمر التفاوض حتى وصلوا إلى مليون ونصف. يتهم أمير وديع الشرطة بالتخاذل، مدلّلاً على ذلك بأن المكالمات التسع الأخيرة كانت باطلاع الداخلية، وأن إحدى هذه المكالمات استغرقت ساعة ونصف، ومكالمة أخرى استغرقت ساعتين وربع، دون أن يتخذ الأمن أي إجراء يستفيد به من تتبع المكالمات. يؤكد الدكتور وديع اتهام نجله للشرطة، ويضيف أن مكان الاختطاف كان ثابتاً طوال الفترة، وأنه من المرجح أن يكون مقراً دائماً للمخطوفين الأقباط، حيث انضم إليه ضحية جديد اسمه "مينا ماهر ميخائيل عازر" يوم الإثنين الموافق 11 أغسطس المنصرم، وظل الأخير في المكان نفسه بعد الإفراج عنه. ولا يرى الدكتور وديع تخاذل الشرطة عن حمايته أو الإيقاع بخاطفيه منفصلاً عن سوء المعاملة التي يتلقاها القبطي في المعاملات اليومية في الأجهزة الأمنية، بحسب دعواه عن التمييز ضد الأقباط في شمال سيناء وعن الصعوبات التي واجهها مع الجهات الإدارية في وزارتي الصحة والتربية والتعليم أثناء ترخيص مستشفاه ومدرسته.
خطف ممنهج للأقباط في سيناء
على غرار حوادث الخطف للمواطنين الأقباط في نجع حمادي وجنوب الصعيد، يرى أقباط شمال سيناء أن حوادث الاختطاف تستهدفهم بشكل طائفي لكونهم الطرف الأضعف اجتماعياً في المحافظة. فالمسيحيون في شمال سيناء كلهم من الوافدين من محافظات وادي النيل بعد تحرير سيناء، باستثناء حالات نادرة من مسيحيي غزة الذين استقروا في سيناء أثناء الاحتلال الإسرائيلي. الغالبية الساحقة من أقباط شمال سيناء من الموظفين الحكوميين، وكثير منهم منكفيء على نفسه وغير مختلط ببقية المسيحيين. فعلى الرغم من كونهم أقلية عددية، إلا أن توزيعهم الجغرافي الواسع على ثلاث كنائس في العريش وكنيسة واحدة في رفح قد جعل منهم جزراً منعزلة نسبياً، وحول كل أسرة محيط محدود من الجيران والزملاء المسيحيين والمسلمين، عدا الوافدين القدماء المختلطين بالمجتمع المحلي بانفتاح واسع مثل الدكتور وديع رمسيس.
ليس لأقباط شمال سيناء ظهير اجتماعي قبلي أو عائلي، ولم ينظموا أنفسهم كما يفعل أقباط جنوب الصعيد الذين يتعاملون مع المحيط القبلي باعتبار الطائفة الدينية قبيلة ضمن قبائل المجتمع المحلي. فالمسيحيون في الصعيد، حتى الكاثوليكيين منهم، من سكان الأرض الأصليين، إن صح التعبير، وهو ما لا ينطبق على حالة شمال سيناء. كان من المفترض أن توفر الدولة وأجهزة سلطتها الحماية والأمان للأقباط في شمال سيناء باعتبارهم مواطنين على قدم المساواة مع سائر المواطنين من أهل سيناء والوافدين المسلمين، لكن ذلك لم يحدث. وهو ما دفع الدكتور وديع بقصر توجيه الاتهام إلى الدولة وأجهزتها البيروقراطية قبل الأمنية. الحقوق غائبة والتمييز ضد الأقباط موجود والسبب هو الدولة، يقول الدكتور وديع، لكنه يؤكد أيضاً أن الأمر لا يخلو من تطرف ديني وتعمّد لاستهداف الأقباط في شمال سيناء بدوافع طائفية.
"لا شك أن الخاطفين جماعة دينية. كانوا يواظبون على إقامة الصلاة في وقتها، حتى إني عرفت – لأول مرة – أن لصلاة الفجر أذانين، أولهما للإيقاظ والثاني للصلاة"، يقول الدكتور وديع في بداية المقابلة التليفزيونية. ويضيف بأنهم لا يخطفون سوى الأقباط، حاكياً عن ماهر مينا ميخائيل، ذلك الشاب العشريني الذي ضمّه الخاطفون إليه في 11 أغسطس، بأنه قد عرف من استجوابهم له بأنه الابن الذكر الوحيد لأبيه وأنه لم يكمل تعليمه كي يُعين والده على تربية أَخَواتِه الخمس. اختطفوه أثناء قيادته لسيارة "ثلاثة أرباع" نقل، وطلبوا منه فدية مليون جنيه، وحين أجابه أبوه بأنه لا يملك ألف جنيه كان رد الخاطفين عليه بأن عليه طلب المال من "تواضروس" أو "ساويرس"، قاصدين بذلك نيافة الأنبا تواضروس ورجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس.
وعلى الرغم من أن حوادث الخطف الجنائي لطلب فدية قد وقعت في العريش ضد أبناء بعض العائلات العرايشية الكبيرة من المسلمين، مثل عائلة القصاص التي اضطرت لدفع الفدية ولم تستطع الانتقام من الخاطفين أو الوصول إليهم، إلا أن وصف الخطف بأنه اعتداء طائفي لا يعدّ من قبيل الحساسية. بخلاف الدكتور وديع والشاب مينا ماهر، فقد تم خطف جمال شنودة في يونيو الماضي، وكلاً من مينا متري وشنودة رياض في العام الماضي وقد أفرج عنهما بعد دفع الفدية، وذلك وفقاً لحصر ائتلاف أقباط مصر ومنسقه، فادي يوسف.
ليس صحيحاً أن حوادث الخطف ضد أقباط سيناء قد بدأت بعد سقوط الرئيس المعزول محمد مرسي، فأول ضحايا الخطف كان التاجر القبطي سامح لطفي عوض الله، 46سنة، صاحب البار الوحيد بمدينة العريش الملحق بمطعم "جراند شو" بشارع الفاتح (شارع البحر). وهو المشروع الذي افتتحه عقب قدومه إلى العريش من محافظة الشرقية قبل ما يقرب من 15 عاماً. وبحسب رواية المعتدى عليه، فإنه بتاريخ 1 فبراير 2013 فوجيء بسيارة "تويوتا تايلاندي" ذات دفع رباعي تستوقف سيارة الأجرة التي كان يستقلها في طريق عودته من المحل إلى المنزل حوالي الساعة 11 مساءً، وقد ترجل منها ملثمون مسلحون أمروه بالنزول من السيارة، فحاول أن يقاومهم، فجرحه أحدهم بخنجر في يده التي تشبث بها في السيارة. ثم توالوا الضرب عليه واختطفوه إلى مكان صحراوي بالقرب من قرية الجورة جنوب مدينة الشيخ زويد شرقي العريش، سالكين به طريق "الشكاربة" الخلفي بعيداً عن الطريق الرئيسي.
نام الخاطفون كلهم صباحاً فحاول الهرب من العشة التي ألقوه فيها مخاطراً بحياته، وركض في اتجاه الشارع الأسفلتي حيث كان أقرب منزل إليه على بعد سبعة أو ثمانية كيلومترات، فقابله بدويان يركبان دراجة بخارية وطلب منهما سيارة تعيده إلى منزله مخبراً إياهماً أنه فر من خاطفيه. سأله البدويان عن سبب الاختطاف وعما إذا كان "شغال مع الحكومة" (أي يعمل لصالح الجهات الأمنية) فنفى، وتبادل الطرفان الشك فلم ينتظر كما طلبا منه حتى يأتيا بسيارة تعيده إلى منزله، فلجأ إلى منزل مجاور مملوك لمواطن بدوي يدعى عمر أبو داود طالباً الحماية. وقد وقع ما خشي منه، فأتى الرجلان بخاطفيه ثم لحقهم سيارة تحمل عدداً من الملتحين، الذين صنفهم سامح لطفي بأنهم تكفيريون، وطلبوا من صاحب البيت تسليمهم سامح فرفض، ورفع الأمر للشيخ أحمد أبو داود، أحد المشايخ المحليين. فلما علم الخاطفون بقدوم الشيخ أحمد أبو داود انصرفوا. وسأله الأخير عن سبب اختطافه فأخبره أنه مسيحي وأنه صاحب مطعم في العريش، فطمأنه الشيخ وأمّنه ومكنه من الاتصال بزوجته لطمأنتها وطلب إرسال سيارة تقله إلى البيت، فوفر له الشيخ الحماية حتى غادر المنطقة بأمان. وفي هذه الأثناء كان أهله قد قدموا من محافظة الشرقية وحرروا محضراً برقم 151 لسنة 2013 إداري ثالث العريش.
بعد ثلاثة أسابيع قضاها في الشرقية ليتعافى من الجروح في يده، عاد إلى العريش ليستأنف حياته. ومساء يوم عيد القيامة، الموافق الأحد 5 مايو 2013، تم إطلاق النار على المحل، ما أسفر عن إصابة أحد العاملين المسلمين بالمحل يدعى رامي، وهو ما دفع سامح إلى إغلاق المحل نهائياً والرحيل من العريش ليقيم حالياً في القاهرة.
وفوق الخطف .. ذبح وقتل وتهجير
لم يستهن الدكتور وديع أو أسرته بتهديدات الخاطفين، الذين هددوهم بأن التأخير في الدفع يسبب الذبح، وهو ما يأخذه أقباط شمال سيناء على محمل الجد. ففي صبيحة الخميس الموافق 11 يوليو 2013، وجدت جثة التاجر القبطي مجدي لمعي، 63 سنة، مفصولة الرأس في منطقة المقابر شرق مدينة الشيخ زويد. كان لمعي قد اختطف أثناء عودته من محله التجاري قبل مقتله بأسبوع، يوم الجمعة الموافق 5 يوليو 2013، من أمام منزله في قلب مدينة الشيخ زويد. وقد صرحت مصادر كنسية رفضت الإعلان عن أسمائها بوجود مساومات من قبل من ادعوا أنهم وسطاء بين الخاطفين والكنيسة للحصول على فدية مالية تم تقليصها بعد التفاوض إلى 250 ألف جنيه. وفي التقرير الطبي الصادر عن مكتب صحة ثان بالعريش، والذي حصلت "البديل" على نسخة ضوئية منه، يقرر مفتش الصحة الآتي: "بتوقيع الكشف الطبي على جثة المتوفي إلى رحمة مولاه / مجدي لمعي والبالغ من العمر حوالي ثلاثة وستين عاماً، تبين إصابته بفصل للرأس عند مستوى الفقرة العنقية السابعة، وتبين وجود سلسلة حديدية بيضاء حول ذراعي المتوفى بقيد خلف الصدر، وتبين إصابته بسجحات شديدة وتورم حول المعصمين مع سجحات وكدمات متفرقة بالصدر والبطن والساقين. وتبين وجود الرأس المفصولة بجانب الجسد وبفحصها تبين عدم وجود أي كسور أو كدمات بالرأس. وحدثت الوفاة إثر الإصابة المباشرة لشرايين العنق الكبرى والحبل الشوكي مما أدى إلى نزيف خارجي جسيم أدى إلى هبوط بالقلب والدورة الدموية. ويرجح أن فصل الرأس عن الجسد تم بآلة حادة ذات نصل () ومر على الوفاة فترة لا تزيد عن اثني عشرة ساعة"، وقد وقعه مفتش الصحة بمكتب صحة ثان العريش بتاريخ 11 يوليو 2013.
ورغم وضوح الشق الجنائي في القضية، إلا أن سكاناً محليين يؤكدون البعد الطائفي في الجريمة. فالمواطن المذبوح مجدي لمعي كان معروفاً ومحبوباً في مدينة الشيخ زويد، ويتردد أنه كان تاجر الأجهزة الكهربية الوحيد الذي يبيع بالأقساط المؤجلة تخفيفاً عن كاهل البسطاء، كما يحبه السكان المحليون لأصله الفلسطيني وإن كان مقيماً في سيناء منذ عام 1967، ويحمل الجنسية المصرية هو وعائلته. وفي الوقت نفسه معروف بنشاطه الديني، حيث ينسب إليه الفضل في السعي وراء بناء كنيسة رفح التي أغلقت بعد حادث تهجير الأسر القبطية في سبتمبر 2012، وكان يتردد بين السكان أنه يسعى لبناء كنيسة أخرى في مدينة الشيخ زويد، وذلك وفقاً لما أدلت به مصادر محلية ل "البديل". وبرأي سكان محليين في كل من مدينتي الشيخ زويد والعريش، فإن البعد الطائفي مرتبط بالبعد القبلي. فأقباط شمال سيناء ليسوا من عائلات أو قبائل تحميهم وتذود عنهم. كما يفتقدون للظهير الأيديولوجي البديل عن الانتماء القبلي وهو ما يتاح لنظرائهم من الوافدين المسلمين من وادي النيل الذين قد يحتمون بالجماعات الدينية المختلفة. وقد استدلوا على ذلك بحوادث الاختطاف الجنائي التي وقعت لأبناء عائلات ثرية من مدينة العريش حيث عاد المخطوفون بسلام بغض النظر عن دفع الدية من عدمه.
قبل أيام قليلة من ذبح مجدي لمعي، وقع حادث التصفية الشهير الذي راح ضحيته القس مينا عبود شاروبين، 39 سنة، كاهن كنيسة مارمينا، بحي المساعيد غرب مدينة العريش. التقت "البديل" (م. الكاشف)، صاحب كشك تجاري قريب من موقع الجريمة وأحد المتصلين بالإسعاف لنقل جثمان الضحية بعد محاولات فاشلة لإنقاذه، وقد شهد ابنه (13عاما) الحادث من بدايته ثم لحق به عدد من الجيران الذين أطلوا على موقع الحادث من نوافذ بيوتهم بعد سماع إطلاق النار. ويقول شهود العيان على الجريمة أنهم قد سمعوا صوت ألعاب نارية رمضانية كثيفة يعتقدون أن الجناة قد استخدموها للتغطية على صوت إطلاق الذخيرة الحية على الضحية، وأن القس مينا شاروبين رفض التوقف بسيارته فضية اللون ماركة "دايو" (تحمل لوحة معدنية ر ع د 965)، فاستدارت سيارة الجناة بيضاء اللون موديل "فيرنا"، وأطلق الجناة الملثمون النار على الضحية فأصابوه وتوقفت سيارته. ثم نزلوا إليه وسحبوه عنوة إلى خارج السيارة وأعادوا إطلاق النار عليه مجهزين عليه تماماً. ثم استقل أحدهم سيارة المجني عليه وفر بها إلى الطريق الأسفلتي المتجه إلى منطقة "السبيل" حيث وجدت السيارة لاحقاً مغروزة في الرمال، في حين فرت سيارة الجناة من طريق آخر.
أما رواية زوجة القس وأصدقائه من الأقباط فقد أكدوا فيها أنه كان خارجاً من بيته بزيّه الكهنوتي، وقاد سيارته متوجهاً لقضاء مصلحة شخصية في منطقة الإداري بحي المساعيد غربي العريش حيث وقع الاعتداء. ولم يكن معه أكثر من 250 جنيهاً – بحسب زوجته – وقد وجدت النقود في حوزته بعد نقله إلى المستشفى. ونفت زوجته حيازته لمبلغ عشرة آلاف جنيه الذي يردد الأهالي سرقتهم منه بعد قتله. أما التقرير الطبي الصادر عن مستشفى العريش العام برقم مسلسل (5660) بالتاريخ نفسه (6 يوليو 2013) فقد نص على الآتي: "بتوقيع الكشف الطبي على الجثة اتضح وجود طلقات نارية – فتحة دخول وخروج بالساعد الأيمن – وثلاثة فتحات دخول بالعضد الأيسر وفتحتي خروج بالعضد الأيسر أيضاً – وعدد ثلاث فتحات دخول بالظهر وفتحة دخول بالرأس من الناحية اليسرى…".
وبخلاف القس مينا عبود والتاجر مجدي لمعي، فإن القتيل القبطي الثالث، ويدعى هاني سمير، قد وجد مع جثمانه رسالة تهديد لبقية الأقباط في شمال سيناء بهدف رحيلهم عن المحافظة. وهو ما أكده سامح لطفي منذ الاعتداء الأول عليه في فبراير 2013، كما روى لنا عن عدة حوادث استهدفت سيارات بعض المواطنين الأقباط بإطلاق النار، وروى (مينا ن.) عن المنشورات التي تم توزيعها في صيف 2013 في حي الصفا بمدينة العريش لتهديد الأقباط ومطالبتهم بالرحيل. وهي منشورات شبيهة بما تم توزيعه على أقباط مدينة رفح في 15 سبتمبر 2012 على أيدي ملثمين يستقلون دراجات بخارية، قبل أن يهاجم ملثمان يقودان دراجة بخارية المحل التجاري المملوك للمواطن ممدوح نصيف مساء الثلاثاء 25 سبتمبر 2012، حيث بدأت موجة تهجير أقباط رفح تحت سمع الدولة وبصرها.
تحذيرات قديمة .. والسلطة لا تستجيب!
أصدرت المنظمات الحقوقية المصرية، مثل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والعالمية، مثل "هيومان رايتس ووتش"، بياناتها الإعلامية في عامي 2012 و2013، على الترتيب محذرة أجهزة السلطة من الأخطار الطائفية التي يتعرض لها الأقباط في شمال سيناء. وقد سجل بيان "المبادرة المصرية" رد سكرتير عام المحافظة على المستغيثين بالمحافظ من أقباط رفح في سبتمبر 2012 بمطالبتهم بمغادرة رفح، قائلاً إن كل ما يستطيع عمله هو إصدار قرارات ندب للموظفين الأقباط للعمل بالعريش بدلا من رفح. وعندما اشتكى الأهالي من عدم وجود سكن لهم وأن نفقات المعيشة في العريش أغلى من رفح أجابهم: "شوفوا الكنيسة يمكن تساعدكم". وقد أتى ذلك بعد أن قام أفراد من أقباط رفح وقادة دينيون مسيحيون بمحافظة شمال سيناء بإبلاغ القيادات الأمنية العسكرية والشرطية وتم تسليم المنشورات التهديدية لهم قبل تنفيذ محتواها. إلا أن الأجهزة الأمنية رفضت تحرير محضر بذلك، وقلّلت من خطورة مضمون التحذيرات المكتوبة في المنشورات، على الرغم من أن الاعتداء على كنيسة "مارجرجس والعائلة المقدسة" قد بدأ يوم السبت الموافق 29 يناير 2011 ولعدة أيام متتالية، تعرضت فيها الكنيسة لاعتداءات مسلحة، وعمليات نهب وسرقة وحرق وطمس للرموز الدينية.
وفقاً لبيان "المبادرة المصرية"، فإن بعض شهود العيان قد أفادوا بأن كاهن الكنيسة توجه فور وقوع الأحداث إلى مديرية أمن شمال سيناء وحاول تقديم بلاغ رسمي بما حدث، وطالب بقوات أمن لحماية ما تبقّى من الكنيسة، لكن المسؤولين الأمنيين رفضوا تحرير محضر بواقعة الاعتداء على الكنيسة، قائلين إن المديرية وأقسام الشرطة مهددة في أية لحظة بقدوم الملثمين والهجوم عليها، وبالتالي فلا مجال للإبلاغ عن مثل هذه الاعتداءات. ثم توجه كاهن الكنيسة إلى مقر المخابرات العامة طالباً الحماية، فظهرت مدرعات تابعة للجيش أمام بقايا الكنيسة بعد وقوع الاعتداءات بعشرة أيام ثم رحلت بعد فترة. وقد تقدم الأنبا قزمان أسقف شمال سيناء بعدة طلبات للمسئولين بالمحافظة لإعادة ترميم وتجديد الكنيسة والصلاة فيها، إلا أن طلباته ووجهت بالرفض بحجة ضعف الوجود الأمني.
وعلى الرغم من مطالبة المنظمات الحقوقية لأجهزة النيابة العامة والشرطة بالقيام بمهامها المنوطة بها لحفظ سلامة المواطنين الأقباط وتقديم الجناة للعدالة، إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث. فبعد أكثر من ثلاثة سنوات من الاعتداء على الأقباط ومنشآتهم الدينية وممتلكاتهم الشخصية والتجارية، لم يقدم متهم واحد إلى المحاكمة، ولو غيابياً، وهو ما يؤكده كل أبانوب جرجس، منسق ائتلاف أقباط مصر في شمال سيناء، وفادي يوسف، المنسق العام للائتلاف. كما لم تصرف أية تعويضات من قبل الدولة للكنيسة حتى الآن، فضلاً عن المضايقات التي يتعرض لها السيدات المسيحيات في الشوارع والأطفال في المدارس.
دخلت كنيسة رفح عامها الثالث من الإغلاق في الشهر الجاري، أما كنائس العريش الثلاث فلا تقيم سوى قداس واحد صباح يوم الجمعة يتم اختصاره والتبكير بموعد انتهائه والانصراف منه خشية حدوث أي احتكاك مع المتوجهين لصلاة الجمعة. وفي الوقت الذي نزحت فيه بعض الأسر القبطية من رفح إلى العريش، فإن أقباط العريش يتطلعون إلى الرحيل من سيناء والهجرة العكسية إلى وادي النيل، كما حدث مع سامح لطفي عوض الله. وبعض الأسر القبطية تنتهز أي فرصة لعمل أبنائها خارج البلاد كلها لأغراض أمنية بغض النظر عن المكافيء المالي أو الوضع الوظيفي. وهو الأمر الذي أكده عدد من شباب أقباط العريش وعدد آخر من المسلمين ذوي العلاقة الحسنة مع الأقباط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.