"إن دمى من دمكم وهو لكم وسأعيش حتى الموت مكافحاً فى سبيلكم من أجل حريتكم ومن أجل كرامتكم وعزتكم أنا أفخر دائما بأنى واحد من أهالى بنى مر وأفخر أكثر وأكثر من هذا بأنى واحد من عائلة فقيرة نشأت فى بنى مر وأنا أقول هذا لأسجل أن جمال عبد الناصر نشأ من عائلة فقيرة وأعاهدكم أن جمال عبد الناصر سيستمر حتى يموت فقيرا فى هذا الوطن". كلمات أطلقها الزعيم ليجسد فلسفة جعلت منه زعيما أسطوريا صعب تكراره,لقد عاهد شعبه أن يعيش فقيرا كما ولد فقيرا بأحد المنازل البسيطة الكائنة فى 13ش القنواتى بحى باكوس بالإسكندرية فى 15 يناير عام 1918 حيث عمل والده موظفا بمصلحة البريد فهو سكندرى الميلاد صعيدى الأصل ينتمى لقرية بنى مر بأسيوط . بدأ نضاله مبكراً فخرج فى أول مظاهرة وكان عمره لم يتجاوز الثانية عشرة ,فأصيب فى رأسه على إثر ضربة وجهها له أحد رجال الشرطة ,حصل على البكالوريا عام 1936 ثم التحق بكلية الحقوق بعد رفض أوراقه مرتين بالكلية الحربية لأنه كان من عامة الشعب ,لكنه لم ييأس وقدم أوراقه للمرة الثالثة فالتحق بها عام 1937 .جمع الزعيم فى شخصيته بين القوة والعزيمة التى لا تلين والقلب الذى يفيض رقة بكل معانى الإنسانية الدافئة . فى حياته جوانب انسانية خفيه قد لا يعرفها الكثيرون جمعها الأديب أحمد ماضى فى كتاب بعنوان (عبد الناصر أمير الفقراء)أوضح فيها حقيقة الحياة البسيطة التى عاشها زاهداً مظاهر الأبهة والعظمة رافضاً لها محروماً من التمتع بالحياة فى مقابل الحلم الأكبر حلم الحرية والعدالة والعزة والكرامة .يسوق المؤلف الكثير من المواقف ,على سبيل المثال كان عبد الناصرلايتحرك إلا بين شيئين أوراقه واجتماعاته يقضى الساعات الطوال بين الملفات قارئاً,موقعاً ,موجهاً وشارحاً بالقلم الأحمر لاتفوته ورقة حتى الثانية صباحاً لذا لم يتسن له رؤية القاهرة بجمالها الأخاذ سوى مرة واحدة فى أواخر الستينات عندما قبل لمرة غير مكررة حضور حفل زفاف على سطح أحد الفنادق المطلة على النيل فأخذه المنظر الخلاب الذى يشاهده لأول مرة فإذا به يتمتم معقول الدنيا حلوة كدة! والتقط شهقة الإعجاب بالدنيا الصحفى سعيد فريحة الذى بادره قائلا:ياريس لنا الدنيا ولك التاريخ. وفى إحدى زياراته للجنوب كان يطل من القطار ملوحاً للناس فوجئ بشئ ثقيل قذف من شباك القطار ليستقر تحت قدميه فحدث هرج بين مرافقيه ولم تهدأ الحركة إلا بعد فتح الصرة التى تحوى كسرة خبز جاف وبعض من البصل والجبن القديم وراح رفاق التشريفة يفسرون الواقعة كل بطريقته,لم تجد تفسيراتهم ارتياحاً لدى الرئيس الذى بادرهم قائلا: إنها رسالة من أناس أعرفهم لقد أراد عمال التراحيل أن يقولوا لى إننا مازلنا نأكل الخبز الجاف والبصل والمش رغم ثورتك التى فجرتها من أجل الفقراء ,واتضح له فيما بعد أن الأجر اليومى للعامل لا يتعدى القرشين ونصف فزادها الى خمسة ثم سبعه ونصف. كان طعامه بضع ملاعق من الفول وكوبا من الشاى فى الصباح,وطبق الخضار وبعض اللحم والأرز فى الغداء وقطعة جبن مع الخبز الجاف فى العشاء .حاول صديقه هيكل إقناعه بتجربة المطبخ الحديث لافتا أن صغار الموظفين يتمتعون بطعام أفضل منه, لم يغره حديث صديقه وكان يصر على أخذ بعض أنواع من الجبن المصرية أثناء رحلاتة للخارج,كما سئم عبد الناصر مظاهر الأرستقراطية التى أحيط بها عندما اضطر أن يسكن وأولاده قصر القبة عدة أسابيع لحين الإنتهاء من أعمال التجديد بمنزله فقدم إليه طاقم الخدمة والطهاة مايقومون بتقديمه لضيوف الدولة ,فأصابه الفزع من شكل الحياة الموسره قائلاً لا يمكنني تناول أشياء لا أعرفها معلقاً أسرعوا بى إلى منزلى فأنتم ستفسدون الأولاد. في ذكراه الرابعة والأربعين نتذكر كيف عاش عبد الناصر ومات أميراً متوجاً للفقراء.