أود القول، بداية، أننى لم يتصادف أن تقابلت يوماً مع الناشط السياسى أحمد دومة فى أى مناسبة من المناسبات، وحدود معرفتى به ترجع لطبيعة متابعتى للشأن العام فى مصر، ولهذا فشهادتى حوله غير مجروحة. ولهذا أنا لا أشك فى وطنيته، ولا فى حبه لمصر. قد تختلف معه فى بعض المواقف والتصريحات، وهذه سنة الحياة. ومشكلة دومة فى تصورى تكمن فى صدقه وصراحته الشديدة، وهذا ما يسبب له بعض المشاكل والأزمات. وبطبيعة الحال، أتابع صحة دومة بقلق شديد، خاصة بعد إضرابه عن الطعام، وغياب الرعاية والعناية الصحية له فى مثل هذه الظروف الصعبة، التى تفرضها طبيعة السجن، ناهيك عن التعنت فى تلبية مطالب زوجته الشابة فى نقله لمستشفى خاص تتوافر فيه الرعاية الطبية الواجبة لحالته. تجلى ذلك بكل وضوح فى الجلسة الأخيرة لمحاكمته فيما بات يعرف "بقضية مجلس الوزراء"، وعدم قدرته على الحركة، ورفض إدارة السجن، والمحكمة، السماح له بالحضور على كرسى متحرك، بل إنه اشتكى من البقاء داخل هذه الجلسة فى القفص، وهو "مكيف" الأمر الذى يفاقم من معاناته الصحية، حيث من المعروف أن جسد المضرب عن الطعام لفترة طويلة ليس بمقدوره القدرة على التكيف مع هذه الظروف، وتوفير الدفء بصورة طبيعية . وعلى النقيض من ذلك، وفرت محكمة القرن للرئيس المخلوع، حسنى مبارك، كما لكثير من حتشيته ورموز حكمه ،كل الرعاية الطبية والتواجد بالمركز الطبى العالمى، التابع للقوات المسلحة، كما يتم نقله بطائرة خاصة، ويتواجد على سرير طبى خاص، بقاعة المحكمة. والتساؤل هنا، ومن الناحية القانونية، أليس مبارك مسجوناً على ذمة قضية؟ ولماذا التفرقة بين المسجونين؟ على الرغم مما اقترفه مبارك من جرائم بحق البلد، من أموال منهوبة ومهربة للخارج، وتجريف للحياة السياسية وغيرها. ولا شك فى كون أحمد دومة من طليعة ثورة 25 يناير، أدى دوره فيها كما اتيح له، وشارك فى فعاليات عديدة بعدها، ثم تم سجنه عدة مرات وهو مازال فى مقتبل العمر، وحديث الزواج. وعليه، أليس من حقه توفير رعاية طبية لازمة، خاصة مع توالى وتواصل اضرابه عن الطعام؟!! ومما له صلة، وحسب تصريحات منسوبة لأحمد دومة ، فقد طالب برد هيئة المحكمة لشعوره ، كما هو حال بقية رفاقه، بأنها مبيتة النية للتنكيل بهم ، كما لا توفر لهم ما سبق ووفرته محاكمات سابقة للمتهمين. وبالتالى لا يشعر بكونها محاكمة عادلة، ناهيك عن التهم "سابقة التجهيز" الناجمة عن خصوم بمؤسسة الشرطة. وهذا ما عبر عنه دومة، بكل صدق ووضوح أمام هيئة المحكمة، بكل ما يترتب عليه من تبعات، من شأنها أن تزيد من شعوره بعدم الحيادية. المحصلة، أن صحة أحمد دومة فى تدهور مستمر ومتواصل، ولا أحد، يحرك ساكناً، من الجالسين فى مواقع السلطة والقرار، هؤلاء الذين لولا ما قام به أحمد دومة، وكافة شباب الثورة، ما كان أحد من هؤلاء "يحلم" أن يكون فى موقع السلطة واتخاذ القرار، وهكذا يكون رد الجميل!!. إن تجربتى الشخصية مع السجن، ولعدة مرات، فى السبعينات، تجعلنى على يقين من أن لا شئ يمكن أن يعوض تقييد حريتك، ولو للحظة واحدة، فالسجن تجربة صعبة وقاسية، لكنها فى ذات الوقت تزيد مما انت مقتنع به، وتجعلك أكثر إصراراً على مواصلة المسيرة. وكما يقولون "عمر السجن ما غير فكرة". ولن أمل من تكرار أنه من المضحكات المبكيات ، فى ذات الوقت أن يكون مصير من مهدوا وشاركوا فى الثورة "من خيرة الورد اللى فتح فى جناين مصر" هو السجن، بينما الكثير ممن ثاروا ضدهم يتمتعون بكامل الحرية ويتواصلون فى التمتع بترف ورغد العيش، سواء فى مصر، أو خارجها!!. وفى التحليل الأخير، لا يتوجب توقف الدعوات والمطالبات بإطلاق سراح هؤلاء الشباب، وليس فقط على "ذمة القضية" والنظر إلى أن الشباب فى مصر هم مستقبلها الواعد، كما هم حاضرها الزاهر، والذين لم يقصروا فى التضحية لهذا الوطن الغالى، بكل مرتخص وغال، بالروح، والدم، والحرمان من الحرية لفترات طويلة. وفى السياق نفسه، فإن صحة وحياة أحمد دومة، وغيره من شباب الثورة، مسئولية كل من تسبب فى سجنه، ولم يحرك ساكناً حيال هذه الوضعية، والتواطؤ على استمرارها، بل والمشاركة فى التلفيق وتزييف الحقيقة. لكم الله ياشباب مصر، وحتماً لن يرضى شعبكم عما يدبر بليل ضدكم.