كتب: مي محمود سليم و شريهان أشرف و هند غنيم كان العام الدراسي الماضي بمثابة ماراثون من المواجهات المستمرة بين طلبة الجامعات وقوات الأمن، ما ألحق أضرارًا وخيمة من إصابات متكررة وحالات وفاة متعددة، إلى جانب تهديد حياة سكان المناطق المحيطة بالجامعات. قررت "البديل" نقل مأساتهم قبل بداية العام الدراسي الجديد للوقوف على آخر الاستعدادت الأمنية لإيجاد حل جذري لهذه التظاهرات. قضبان جديدة لجامعة القاهرة.. وأصحاب المكتبات: حصنا أنفسنا بأبواب حديدية أسوار عالية طوقتها وزارة الداخلية بحواجز حديدية مغلقة، حتى لا يرى الداخل من هو بالخارج، وحراسة مُشددة، تقف أمامها العربات التابعة للشرطة مصدرة فوهتها للمارة، استعدادات مكثفة من الجميع لاستقبال عام دراسي جديد بجامعة القاهرة، سواء من ناحية الباب الرئيس لجامعة القاهرة المؤدي إلى كوبري الجامعة أو باب كلية تجارة المؤدي إلى منطقة بين السرايات أو باب كلية الإعلام المؤدي إلى محطة مترو جامعة القاهرة. فالجميع على أهبة الاستعداد لاستقبال عام دراسي جديد، خالي من التظاهرات وعنف طلاب الجماعة الإرهابية، وخاصة بعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بعدد كبير من المحيطين بالجامعة خلال العام الماضي. تجولت "البديل" بين الأهالي والبائعين حول جامعة القاهرة، للوقوف على إجراءات استعداداتهم لعام دراسي جديد، فور الوصول عند الباب الرئيس جامعة القاهرة، تجد الكثير ممن يفترشون الأرض يبيعون الكتب الخاصة بالعام الدراسي الجديد، وكتبًا أخرى قديمة تعد مراجع قوية لطلاب بجامعة القاهرة؛ لرخص أسعارها، وقال محمد خالد، أحد البائعين: كان العام الدراسي الماضي مليء بالاشتباكات التي كانت تجعلنا نجمع كل تلك الكتب في أقل من دقيقين ونفر هاربين إلى أي مخبأ حتى تنتهي الاشتباكات، ما ألحق بنا خسارة تقارب ال100 ألف جنيه، موضحًا أنه في الأحداث الخاصة ب"يناير" الماضي بلغت الاشتباكات أوجها، فتركت الكتب وفررت هاربًا من شدة إطلاق النيران، وبعد توقف الاشتباكات عدت فلم أجد كتابًا واحدًا على الأرض. وتابع: إن هذا الكشك له ترخيض، لكن عند حدوث الاشتباكات يقبض جنود الأمن المركزي على الجميع دون التفرقة بين طالب أو بائع أو غيره، مستدلًا بوفاة بائعة غزل البنات العام الماضي في الاشتباكات عند باب محطة المترو. وفي شوارع "بين السرايات " لم يختلف الأمر كثيرًا، التي امتلأت عن آخرها بالمكتبات الخاصة بكليات جامعة القاهرة، ولا يزال البعض منها زجاجه مهشم، منذ أحداث الجامعة الأخيرة، حيث قال هيثم محمد مدير مكتبة القبة: إن الاشتباكات التي تحدث بالجامعة تؤثر على كل المناطق المحيطة، وليست المحلات فقط والطلاب، ولكنها تسبب شللًا بحركة المرور قد تصل ال4 ساعات، موضحًا أن الاحتياطات التي اتخذها استعدادًا للعام الدراسي الجديد، عمل باب حديدي ثم الباب الخرساني الذي يغلق به المحل، وتابع: سنكون على استعداد لغلق الأبواب علينا من الداخل لحين الانتهاء من الاشبتاكات، مشيرًا إلى أن الأحداث في العام الماضي ألحقت الخسائر بالمكتبات كافة المتواجدة بين السرايات. واستطرد: "الطلاب كانوا يفرون من ضربات قوات الأمن، هاربين إلى شوارع بين السريات؛ لأنها ضيقة، ولن تستطيع مدرعات الشرطة دخولها، ويحاولون كسر أي شيء أمامهم ليكون سلاحهم في مواجهه الشرطة، ما يلحق الضرر بكل المحلات التي سرقت منها ماكينات تصوير، وغيرها التي كسرت". ولم يكن الوضع مختلفًا بالمدينة الطلابية الخاصة بالطلاب جامعة القاهرة، فقد طوقتها إدارة الجامعة بأسوار خرسانية حتى لا يرى أحد ما بداخلها، وربما كان ذلك خوفًا عليهم، وربما احتياطات أمنية من قِبَل الداخلية، ورفض أفراد الأمن الإداري التصوير بداخلها أو مع أحد الطلاب المتواجدين بها. وعلى الجانب الآخر قال العقيد ياسر محمد مدير الأمن الإداري بجامعة القاهرة: إن هناك خطة موسعة من قِبَل الأمن الإداري وإدارة الجامعة بالتعاون مع وزارة الداخلية؛ لمنع حدوث اشتباكات هذا العام داخل أسوار الجامعة، مشيرًا إلى أن هناك قرارًا بحظر النشاط الطلابي والسياسي داخل الجامعة وبالتالي، فور قيام تظاهرة، يتم تحرير محاضر فصل لطلاب، ولن تتطور الأوضاع إلى العام الماضي، وما حدث من اشتباكات. وأكد أن الاشتباكات العام الماضي أضرت بإدارة الجامعة ومنشآتها، خاصة وأن الطلاب حرقوا أكثر من مرة مكتب الأمن الإداري، فضلًا عن تحطيم مكاتب عمداء الكليات. محيط جامعة عين شمس: أضرار اقتصادية وصحية ارتبط الحراك السياسي للطلاب بعودة الدراسة بالجامعة، فهم منجم الحماس الذي يعزز موقفهم في الصراع مع قوات الأمن. تجول البديل بالأماكن السكنية المحيطة بالجامعات، ومنها منطقة منشية الصدر المحيط بالمدينة الجامعية لجامعة عين شمس؛ لرصد معاناة الأهالي وأصحاب المحال التجارية المتواجدة هناك. قال وحيد محمد، 21 سنة صاحب محل أغذية بمحيط مدينة الطلبة بجامعة عين شمس: إن التظاهرات الطلابية التي تخرج من الجامعات توقع عليه ضررًا كبيرًا بتجارته بشكل يومي؛ فعند انطلاق المسيرات تغلق المحلات؛ تفاديًا لأي خسائر متوقعة نتيجة لأحداث العنف والاشتباكات، وويتكبد أصحابها خسائر مادية فادحة، وخاصة أن تلك المحال إيجار وليست ملكهم. و أضاف أنه يتضرر نتيجة الغازات المسيلة للدموع التي تطلقها قوات الأمن؛ لفض تلك التظاهرات، وكل هذا الضرر لا ذنب لهم فيه سوى أن أعمالهم بمحيط الجامعة، وأنه يرى أنه لا جدوى منها سوى تعطيل مصالح الناس، لتسببها في خسائر، حتى أن الفكرة التي ينادى بها المتظاهرون تنعدم بوقوع تلك الخسائر للبعض؛ لتحولها من مظاهرات للتعبير عن الرأي إلى اشتباكات وأحداث عنف. من جانب آخر أعربت سهام محمد 59 سنة ربة منزل وإحدى السكان بمحيط المدينة الجامعية عن استيائها نتيجة للأضرار التي تقع عليها، كونها من سكان منشية الصدر؛ لأنها تعتبر حياتها مهددة وتفتقد عنصر الأمان نتيجة؛ لتظاهر الطلاب ضد قوات الأمن، وعند فض المسيرات يحاول الطلاب الاختباء بالشوارع والممرات وأحيانا يطالبون بدخول المنازل للاختباء، فأترك المنزل وأذهب إلى مكان آخر حتى تستقر الأوضاع. وتابعت: على الرغم من إحساس عدم الأمان، إلَّا أنه يوجد نوع آخر من الأضرار على سكان المنطقة، وهي الأضرار الصحية التي تشكل كارثة أخرى، فقد أصيب حفيدي بحساسية الصدر نتيجة لاستنشاق الغازات المسيلة للدموع، والتي تطلقها قوات الأمن على الطلاب لفض التظاهرات، مطالبة بتوفير منازل أو شقق بديلة لهم؛ للأضرار الجسيمة التي تقع عليهم. وأكد إبراهيم سعد، 39 سنة عامل بأحد المحال التجارية بمحيط الجامعة أنه مع بدء الدراسة من المفترض أن يفرح أصحاب المحال، إلَّا أن شبح التظاهرات كان يرادوهم، الذي يلحق بها أضرارًا جسيمة لا تتحملها تلك الفئة، فكل محل تجاري من هذه المحال يعول من ثلاث إلى أربع أسر، لذا يجب على الشرطة إنهاء التظاهرات بدون الفض بغير الطرق التقليدية كالغاز المسيل للدموع، الذي يسبب أمراضًا كثيرة لسكان المنطقة. وفي نفس السياق قالت سهير محمود، 25 سنة صاحبة مكتب تصوير وكتابة رسائل بحثية: إن عودة الدراسة تعني لسكان المنطقة والعاملين بها كابوسًا كبيرًا؛ لأنه ارتبط في أذهان البعض بالتظاهرات وأحداث العنف، فأنا لست ضد التعبير عن الرأي، ولكن ضد عدم وجود ضوابط للتظاهرات، وأيضًا لست ضد فض التظاهرات المخربة من قِبَل الأمن، ولكن ضد الطريقة غير الآدمية، فهناك طرق أفضل بكثير وقانونية للعقاب، موضحة أنها عندما تخرج مسيرة يغلق الطريق الرئيس الذي تتمكن من خلاله الوصول إلى بيتها آمنة، فهناك طرق أخرى ولكنها غير مباشرة وليست آمنة، وعلى الدولة أن تنظر للفئة المتضررة من الطرفين. هجرة90% من سكان الحي السادس.. والباقون: "مش عاوزين الدراسة تبدأ" مشاجرات عنيفة بالعصي والمولوتوف بين عدد من طلاب المدينة الجامعة بالأزهر وسكان الحي السادس، نشب خلاف بين أحد طلاب المدينة الجامعية التابعة لجامعة الأزهر مع بعض من أهالي الحي السادس بمدينة نصر، ما أدى إلى إصابة أهالي المدينة الجامعية باختناق بعد إطلاق الأمن قنابل الغاز على طلبة الإخوان، تجدد الاشتباكات بين الأمن والإخوان أمام المدينة الجامعية وإصابة عدد من الأهالي، هكذا كانت عناوين الصحف المصرية يوميًّا خلال عام دراسي كامل، ونحن على مشارف عام دراسي جديد رصدت "البديل" معاناة أهالي المنطقة في محاولة لإيجاد استجابة من قِبَل المسئولين ومحاولة إيجاد حلول للتظاهرات دون المساس أو الحاق الضرر بهم. عنف وحرق وتخريب وتدريب واعتداءات لفظية واشتباكات بالأيدي أجبرتأكثر من 90% من سكان المنطقة علي هجر منازلهم، إضافة إلى إصابات اختناق شديد بقنابل الغاز إثر نشوب اشتباكات بين الطلاب وقوات الأمن. تقول السيدة ولاء، مديرة مكتب رئيس مجلس إدارة أحد الشركات الخاصة وتقطن بمنطقة المدينة الجامعية للأزهر: معاناة العام الدراسي الماضي لا يمكن وصفها نتيجة لتظاهرات الإخوان، التي شهدت اشتباكات عنيفة بين قوات الداخلية وطلاب الإخوان وما ترتب عليها من إطلاق قنابل الغاز وطلقات الخرطوش، وتابعت: لديَّ ولد وبنت، ولدها يدرس بالجامعة ويجد صعوبة أثناء الاشتباكات في محاولة لانتقاله للجامعة، وابنتها 16 عامًا تدرس بمدرسة بغمرة، وأتوبيس المدرسة كان يبتعد عن البيت كثيرًا؛ تخوفًا من الاشتباكات، ما يضطرها لمقابلة ابنتها كل يوم. وواصلت حديثها في غضب: مش عاوزين الدراسة تبدأ مش عاوزين المدينة الجامعية تشتغل ومش عاوزين الطلبة داخل المدينة ولا بالعمارات السكنية التي يستقلها الطلاب غير المقيمين بالمدينة الجامعية، فالشباب من الطلبة المغتربين يتعايشون في المنطقة كنوع من أنواع الأماكن الترفيهية، ولا يراعون حياء بنات المنطقة من ارتداء ملابس غير ملائمة وألفاظ تخدش حياءهم. وأضافت أن ابنتها تمتنع عن الخروج، لخوفها الشديد مما يحدث، ولم تستطع قضاء أبسط حاجاتها؛ بسبب التظاهرات المستمرة والاشتباكات، أنا وأولادي محبوسون في شقتنا، مش بنخرج والأولاد يردون أن نهجر المنطقة، خاصة أن 90% من سكان المنطقة بالفعل هجروها، موضحة أن قسم ثان مدينة نصر وزع ورقًا يتم خلاله امضاء الاسم لتأكيد الرفض على إسكان طلبة الجامعات بمنطقتهم السكنية، وإخطار ملاك الشقق المستأجرة للطلبة، مؤكدة أن كل سكان المنطقة أصيبوا باختناق وأمراض تنفسية؛ نتيجة لقنابل الغاز خاصة صغار السن وكبار السن، ولم يكن لدينا أي استعداد لتحمل مشاق جديدة كما العام الماضي. وطالب سيد محمد عبد المجيد، سائق لأحد المستشارين، بأن تعود الحراسة الخاصة ببوابات الجامعات لمنع المهزلة التي تحدث، والضرب بيد من حديد على كل من يستغل الظروف حتى تعود الحياة الطبيعية للجامعات وتسير نحو المسار السليم، وتابع أن لديه 5 أبناء كرهوا الحياة بمنطقة السادس المحيطة بجامعة الأزهر، خاصة اختناقهم الشديد بقنابل الغاز الذي كان يستنشقونه أكثر من الهواء. ويقول محمد فتحي، محاسب بشركة خاصة: إن صغاره أصيبوا باختناق شديد من الغاز المسيل للدموع، كاد أن يودي بحياتهم، ولم يكن لديه مكان، ولم تكن لديه حيلة سوى غلق كل منافذ الهواء لتتحول شقته إلى سجن بل قبر، وتابع: إضافة إلى أن أصوات الاشتباكات أثارت هلع أطفاله ولم يعتادوا حياة طبيعية حتى في نومهم، مطالبًا قوات الأمن بإيجاد خطط قبل بدء العام الدراسي الجديد؛ لمواجهتهم التظاهرات بعيدًا عن المنطقة السكنية. وأردف: لم نكن نستطيع النوم نهائيًّا، مرة نستيقظ على أصوات الهتافات والتظاهرات، يفاجئوننا بالطوب المقذوف في الثالثة فجرًا، فيستيقظ كل الأهالي في فزع من صوت تحطم الزجاج وأخرى على الاختناق بقنابل الشديد بعد تدخل قوات الأمن، خاصة أن الطلاب يعيدون إلقاء القنابل مرة أخرى على قوات الأمن المستقرة تحت شرفات منازلنا، مشيرًا إلى أن الاشتباكات التي كانت تحدث في العام الدراسي الماضي تعطل طرق المرور، قائلًا: مش عارفين نمشي لا على رجلينا ولا بالعربيات، إضافة إلى أن العربيات كانت تتكسر، مشيرًا إلى أن الطلاب كانوا يحاولون الاحتكاك بهم؛ لاستفزاز قوات الأمن للتشابك معهم. ويروي صلاح العوامي، صاحب الكشك المواجه للأزهر مباشرة، أن خسائر العام الماضي لم تقدر، خاصة أنها كانت بصفة يوميًّا، وتابع أنهم لا يعرفون ماذا سيحدث في العام الدراسي الجديد، معربًا عن تخوفه من تتكرار نفس الأحداث الماضية، قائلًا: لو حصل اللي كان بيحصل هنرجع لوقف الحال وتكسير التلاجات ومحاربة في لقمة العيش. ويروي محمد العسكري، محاسب ويملك إحدى المكتبات بالمنطقة: إننا نقبل الخسائر في أي شيء إلَّا "لقمة العيش" إذ كنا نضطر لغلق المحلات يوميًّا إلى 5 ساعات وأحيانًا نغلق اليوم كله، مطالبًا الشرطة بالعودة إلى داخل الحرم الجامعي ومنع التظاهرات خارجها، خاصة أن خروجها تسبب في وجود مواطنين لم نعرف من هم ومن أين أتوا، يحاولون إلقاء الحجارة على طلاب الإخوان كمساعدة لقوات الأمن، ومن ثم بعد انسحاب قوات الداخلية يخرج الطلبة في حالة غضب شديدة إذ يعتقدون أن أهالي المنطقة هم من تعدوا عليهم، فيكسرون المحلات والأكشاك. المتحدث باسم الداخلية: أحداث العام الماضيلن تتكرر وجه اللواء هاني عبد اللطيف، المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، رسالة طمأنة للموطنين القاطنين بالمناطق المجاورة للجامعات، مؤكدًا أن ما حدث في الجامعات العام الماضي لن يتكرر، وأن الشرطة مسئولة عن حماية المواطنين. وأضاف ل"البديل" أن هناك خططًا أمنية للتنسيق بين أمن الجامعات وقوات الأمن، في محاولة للحفاظ على الأمن العام وحماية الأهالي. وبسؤاله عن شكوى المواطنين من إطلاق قنابل الغاز وإلحاق الضرر بهم، أكد أن إلقاء القنابل لن يحدث إلَّا اذا استدعى الأمر، مؤكدا أن هناك محاولة لعدم اللجوء إليها وردع أي تظاهرات أو أي أوضاع خارجة عن القانون بأقل الخسائر والأضرار، مؤكدا أن قوات الأمن ستظل خارج الجامعة بشكل دائم، ولا عودة للحرس الجامعي.