يكثر في هذه الأيام التي أعقبت مؤتمري ويلز وجدة الأخيرين، الحديث حول سبل المواجهة التي يمكن لروسيا ومعها إيران ومحور الممانعة برمته، لمواجهة الأهداف الحقيقية – لما يعتقده هؤلاء – لذاك الإئتلاف الدولي الجديد، والذي اتخذ من مواجه الإرهاب واجهةً له، والتي شكك بها الكثيرون – ونحن منهم – وذلك لإعتقادهم الراسخ ، بأن أمريكا (رائدة الإئتلاف)، ليس من أهدافها الأساسية القضاء على الإرهاب واجتثاثه.. إنما القضية لديها، لا تتخطى تشذيبه، وإعادة توجيه بوصلته، هذا فضلا ً عن بقائه كرافعة حقيقية للأهداف الكبرى للإستراتيجية الصهيوأمريكية في المنطقة برمتها.. هذا فضلا ً عما ذكرناه في مقالتنا السابقة، حول الخلفيات والأبعاد الحقيقية "لصحوة الناتو" المتأخرة، في مكافحة الإرهاب، وحول خطة هذا الحلف الفاقد لهويته والعاجز عن تحقيق ما كان يرمي إليه فيما ذكرناه سابقاً من خطة بريجنسكي ( أكتوبر/تشرين أول 2009) ، ورؤية ميركل لدوره الأمني الأرحب في أذار من العام نفسه ..حيث فصّلنا في مقالتي السابقة "تحالف الأربعين واستراتيجية التخيير وأحجار الدومينو"، تلك الخطة، التي نُرجّح أن هذا الإئتلاف قد نسج خيوطها الرئيسية، لمحاصرة روسياوإيران ومعهما العراقوسوريا وحزب الله، تمهيداً لتساقطهم كأحجار الدومينو.. والغطاء على الدوام، هو مكافحة الإرهاب واجتثاثه! التصريحات الروسية، وكذا الإيرانية والسورية، دللت وبشكل قاطع عما ذهبنا إليه أعلاه، بحيث أن هؤلاء جميعاً لم يُخفوا توجسهم من الأهداف الحقيقة لذاك الإئتلاف.. مما جعلهم ينأون بأنفسهم عن الدخول في صلب تكوينه.. وهذا ما كشفه مؤخراً مصدر رسمي إيراني، لإحدى القنوات التلفزيونية حول الإلحاح الأمريكي على إيران لتعديل موقفها. بالعودة إلى تلك الإشكالية التي طرحناها في مقدمة هذه العجالة، لا بد أن تكون روسيا ومحور الممانعة معها، قد وضعوهاعلى مشرحة البحث، للبحث عن اعتماد الإستراتيجيات والسُبل الفضلى، لمواجهة ما خططت له أمريكا في جدة، مع مراعاة أكيدة، بأنهم بذلك، لن يظهروا- ضمن تلك الأليات المعتمدة – بمظهر من يضع يده بيد الإرهاب (وهذا ما بدأت أمريكا وبعض دول الإئتلاف تُروج له )، ودون أن يترك هؤلاء – أي روسيا ومحور الممانعة – الساحة للإئتلاف، لتحقيق أهدافه الخفية في حربه تلك. إذا، بين هذين المحذورين الرئيسيين أعلاهما، ستسير الخطة المقابلة لمحور الممانعة في مواجهتها الفعلية للإرهاب ، والذي شكلته وغذته ودعمته الكثير الكثير من " الدول الثائرة " في إئتلاف المواجهة معه!! فما هي تلك الخيارات المتاحة أمام روسيا ومحور الممانعة، والتي لا بد لها أن تركن لأحدٍ منها، في إطار خطة المواجهة الموضوعة على طاولة البحث أمامهم في هذه الأيام ؟ - الخيار الأول: إقامة حلفٍ موازٍ للتكامل: يأتي هذا الخيار، تحت ستار القرار الدولي 2170، والذي يدعو إلى مواجهة إرهاب داعش والنصرة، عبر تجفيف منابع دعمهم، كمقدمة لخنق مشروعهما في المنطقة. ضمن هذا الخيار، يدعو البعض إلى إقامة حلفٍ بين روسياوإيران ومحور الممانعة، يكون موازياً لحلف الإئتلاف، حيث يكون من أهدافه التكامل مع هذا الأخير، بغية الهجوم والقضاء على الدواعش في الجغرافيا السورية.. هل يمكن أن يحدث ذلك واقعاً في الفترة القادمة؟ أم أن لهذه الرؤية محاذير ينبغي التنبه إليها ؟ لعل إقامة الحلف الموازي، يؤدي في بعض جوانبه الميدانية، إلى حصول ما لا يُحمد عقباه، إن في الجغرافيا السورية أو حتى العراقية، فضلا ً عن اللبنانية، وذلك بسبب، أن تكثيف الضربات في الضفتين السورية والعراقية في أن معاً، قد يعتقده البعض تكاملا ً في الإطباق على الإرهاب.. إلا ّ أن ذلك ليس مضموناً، فماذا لو تسرّب الإرهاب، وتشتت في كامل الجغرافيا العراقية، أو حتى السورية (أوامر رئيس الوزراء العراقي بالتوقف عن ضرب المدن التي يحتلها داعش)، فمن الذي يضمن بأن الموجات المنزاحة والمراد حشوها أمريكياً في الجغرافيا السورية، ونظيرتها الموجودة أصلا ً في سوريا – والتي ستتعرض للهجوم من الحلف الموازي – بألا ّ تنزاح نحو باقي الجغرافيا السوريا، وتحت مسميات النزوح، ومن ثم تشكيل ورفد الخلايا النائمة بموجاتٍ إرهابية جديدة، تستخدم لاحقاً استراتيجية الإنغماس والإشغال والإنهاك، وعدم الإرتكاز.. تكون من نتائجها أكثر سلبية من حشرها في مكان واحد.. وبالتالي، يكون العراقوسوريا وحتى لبنان قد دخلوا بأرجلهم في مشروع أمريكا في تشتيت داعش وتشظيتها في الإقليم ..فتأتي الرياح بما تشتهيه سفن أمريكا، لا كما يريدها ريح الممانعة. - الخيار الثاني: الإنكفاء والمراقبة: هذه الإستراتيجية التي ينادي بها البعض في المحور الممانع، تقوم على مبدأ النأي بالنفس، عما سيجري من أحداث وتطورات، في خضم بدء إئتلاف جدة في حربه المزعومة على الإرهاب.. بحيث يُراهن أصحاب هذه الرؤية على استنزاف دول هذا الأخير في حربهم المديدة على داعش..والتي لن تستطيع حسمها على أية حال من الأحوال، ولإعتباراتٍ مختلفة.. ربما لا يلتفت أصحاب هذه النظرة، أنها تنطوي على محاذير متعددة، ليس أقلّها تنفيذ الأجندة الخفية للإئتلاف في المنطقة، والمتمثلة في إبقاء إيرانوالعراقوسوريا وحتى لبنان تحت سيف الإبتزاز والإستنزاف، ولاحقاً " إنفجار برميل البارود في المنطقة" (حديث لاريجاني مؤخراً)، مما يجعلها تتشظى في كيانات مذهبية وطائفية قابلة ومهيئة للصدام فيما بينها.. ولعقود إلى الأمام، وذلك كله يبقى تحت ستار محاربة الإرهاب بمعناه الأمريكي الفضفاض.. والذي لا بد له، من أن يُفرّخ إرهابيات جديدة ومتناثرة، وما تجربة أمريكا مع القاعدة، إلا ّ خيرُ مثالٍ على ذلك. - الخيار الثالث: الإنغماس المدروس: لعل هذه الإستراتيجية – حسب رأينا- ستكون الأكثر ترجيحاً لدى محور الممانعة ، في مواجهة الموجة الجديدة من الهجمات الأمريكية على المنطقة، وذلك لأنها، قد تكون الأفضل في تحرير المحور الممانع من شرور وأنساق الخيارات السابقة، بحيث أن الإنغماس، لا بد له من أن يُعيق ما يُخطط له الإئتلاف في حال تبني الخيارين أعلاهما.. فانغماس إيران، يتم – وكما صرّح بعض مصادرها الرسمية بالأمس – سيكون بزيادة الدعم العسكري والإستخباري للعراق بمكوناته الثلاث (الجيش والكرد والعشائر) ومحاولتها الإلتفاف على الإئتلاف واستمالة هذه المكونات لعدم وقوعها في الشرك الأمريكي، وخاصة ً العشائر منها.. وتعزيز ما بدأت به البيشمركة والجيش العراقي في إقامة ما سُمي بخطوط الصد ، لمنع انزياح الدواعش نحو مناطق عراقية خلفية، وذلك لتقليص خطر الخلايا النائمة فيها. أما في الجهة السورية، فاستراتيجية خطوط الصد يجب أن تُفعّل في منطقة الحدود مع العراق، وذلك عبر تكثيف الضربات الجوية، وذلك لإجهاض الخطة الأمريكية في تكديس الدواعش في سوريا، بعد انزياحهم عن العراق بفعل الضربات الأمريكية، وأيضاً إقامة خطوطٍ للصد في باقي المحافظات السورية الخالية من الدواعش (وما يجري منذ أيام في أرياف أدلب والقامشلي، فضلا ً عن منطقة القلمون يعزز ما نذهب إليه)، والإسراع في بناء تحالفات مع عشائر سورية، متضررة من الارهاب، وذلك عبر تقديم المغريات لها، بغية إشغال الإرهاب واستنزافه في أماكن تواجده.. والإرتكاز على خططٍ دفاعية فاعلة ومحكمة للمناطق الخالية من الدواعش، ومسارعة إنهاء البؤر المتوترة في هذه المناطق، عبر تعزيز وتسريع المصالحات فيها. أما لبنانياً، فإن ما يجري من عملٍ استخباري جبّار لأجهزة أمن المقاومة ومعها الدولة اللبنانية، في دهم أماكن النزوح وتنقيتها من الدواعش، لهي الوسيلة الفضلى، وذلك بُغية إفشال مخطط انغماسهم في الجغرافيا اللبنانية، بعد تضييق الخناق عليهم في منطقة الجرود والحدود مع سوريا. أعتقد أن هذا الخيار الثالث، هو الأكثر ترجيحاً في اعتماده لدى محور الممانعة، في الفترة اللاحقة، والمدى الزمني المنظور، اللهم إذا ما حدثت تطورات دراماتيكية، قد تقلب الصورة رأساً على عقب في المنطقة برمتها.