الإدارة ترفض أقامة "سنتر الأكسوجين" لعدم توفر 12 ألف جنيه.. وتنفق الملايين على مبنى للإداريين حشرات في طعام المرضى.. والأطباء يقومون بدور الممرضات تعيش مستشفى جمال عبد الناصر بالإسكندرية، ثاني أكبر المستشفيات التابعة لهيئة التأمين الصحي بمصر، حالة من التردي والإهمال، الذي يعرض حياة رواد المستشفى ونزلائها للخطر. ووصف الدكتور سليمان أحمد –طبيب بقسم العناية الحرجة بالمستشفى، قسم العناية 2 ب "القنبلة الموقوتة" لافتقارها "سنتر الأكسجين" ، الذي رفضت الإدارة إقامته بحجة عدم توافر الميزانية الكافية والمقدرة ب 12 ألف جنيه، ومن ثم اللجوء إلى بديل غير كاف، وهو تغيير الاسطوانات، خاصة في ظل غياب العمال للقيام بتلك المهمة، مما أسفر عن وقوع 8 حالات وفاة، لفظ آخرها أنفاسه إثر انفجار الأنبوب في حنجرته. أما عن عنابر قسم العناية الوسطية أو بحسب ما يطلق عليه الأطباء "المقبرة"، فقال أحمد إنه المكان الذي تنتهي فيه حياة المرضى، حيث يقع على عاتق الطبيب رعاية وعلاج 20 حالة مرضية، والقيام كذلك بدور الممرض، نظرا لقلة عدد الممرضات، ناهيك عن الخراب الذي لا مثيل له، والذي تتضح إحدى صوره في تهالك الأجهزة والأسِرة، مما يصعب من عملية نقل المريض. ويضيف: قسم العناية المركزة يضم 60 مريضا، بعضهم أوشك على الهلاك، بسبب التباطؤ في عملية نقل الدم لمدة أسبوع كامل، حيث يقوم على خدمتهم طبيب واحد فقط، فضلا عن أن المريض يظل لفترة طويلة في غرف لا تتوافر بها أجهزة أكسجين لمدة قد تصل إلى 8 ساعات كاملة. لم يقتصر الإهمال فقط على الإدارة، بل إن بعض الأطباء أيضا يتحملون جانب كبير منه، حيث يغيب أطباء العنابر عن العمل، ولا يأتي آخرون إلا في حالة الاتصال بهم هاتفيا وكأنهم يعملون في عيادات خاصة، وهذا الأمر كاد أن يودي بحياة مريض مصاب بوهن عضلي وفشل في التنفس وكان في حاجة إلى عملية فصل بلازما، إلا أنه ظل ثلاثة أيام في انتظار الطبيب المختص. وإذا كنت في حاجة ماسة إلى إجراء أشعة أو حتى قراءتها بعد الثانية ظهرا، فعليك أن تأتي يوما آخر في وقت مبكر، لتتمكن من مقابلة الطبيب المختص، والذي غالبا ما يكون غير مؤهل –بحسب قوله- وإن كانت حالتك تستدعي اللجوء إلى جهاز المنظار الحنجري ،فقد يحالفك الحظ وتنجو أو تفقد حياتك في لحظة. وأشار أحمد إلى أن تلف بعض الأجهزة قد يؤدي أحيانا إلى الوفاة اللحظية للمرضى، حيث لا يعمل جهاز الصاعق الكهربائي، مستنكرا على جانب آخر عدم وجود أفراد أمن على بوابات العناية المركزة والحرجة، وهو ما عرض بعض الأطباء والممرضات للاعتداء بالضرب والسب من قبل أهالي المرضى. ولم ينته الإهمال عند هذا الحد، فقد أكد الدكتور أحمد أنه تعرض لواقعة مفزعة، حينما فتح صنبور المياه وفوجئ بخروج "ديدان" مختلطة بمياه الشرب، وكذلك الطعام، ما جعل الأطباء يعزفون عن الطعام والشراب داخل المستشفى التي يبيتون فيها لتعويضهم عن نقص المرتبات، ويضطرون بالرغم من ذلك إلى شراء الأطعمة الجاهزة. وأكد أحمد أن كل مظاهر الإهمال تتم على مرأى ومسمع من الإدارة، والتي تقدم إليها الأطباء بعدة شكاوى بصفة دورية، إلا أنها لم تتخذ أي خطوات إيجابية، بل حاربت من أجل استمرار الفساد، وهو ما اتضح من خلال فصل الدكتور محمد يحيي –رئيس قسم العناية المركزة- الذي أحدث طفرة داخل المستشفى بتخفيض معدل الوفيات إلى 4% خلال 4 سنوات فقط، وهي نسبة ضئيلة جدا، وفقا للإحصائيات العالمية. ووصف أحمد الخدمة الطبية التي تقدمها مستشفى جمال عبد الناصر ب "المعاقة"، ففي الوقت الذي هي في أشد الحاجة فيه لصواعق كهربائية لا تتعدى قيمتها 250 جنيه، وعدم توافر أجهزة لتجنب التلوث بقسم العناية المركزة، قامت الإدارة منذ شهرين بتطوير قسم كامل خاص بالإداريين تكلف ملايين الجنيهات. وكشف الدكتور طاهر مختار –طبيب مقيم بقسم العناية المركزة بمستشفى جمال عبد الناصر وعضو رابطة العاملين في الصحة- عن بعض مظاهر الإهمال بالمستشفى، والتي كان من بينها نفاذ الأكسجين من الاسطوانات ب العناية 2، وبالتالي تعرض حياة المرضى للخطر، كما أن أحد الأطباء فوجئ أثناء مروره بقسم العناية المركزة بوجود فأر في غرفة أحد المرضى، بينما تتجول القطط في طرقاتها، كما وجد آخر ثعبان أعلى سيارته بمدخل المستشفى. وأكد مختار أن الخبز والطعام المعد للأطباء مليئ بالحشرات، كالصراصير، نظرا لتخزينه في غرفة شديدة التلوث، مؤكدا أن إحدى الممرضات اكتشفت وجود نمل في طعام مريض، مضيفا أنه في الوقت الذي يكافح فيه الأطباء الجراثيم والميكروبات لا تستطيع الإدارة مكافحة الحشرات كبيرة الحجم. لم تهتم إدارة المستشفى أو تنشغل بحياة المرضى وسلامتهم، بل كان الأهم هو المظهر الخارجي للأطباء، بوضع "البادج" وارتداء الزي الموحد، وفقا للدكتور مختار، الذي أكد على أنه تقدم بعدة شكاوى للإدارة بهدف رفعها لهيئة التأمين الصحي، إلا أن الإدارة كانت دوما ترد ردودا متناقضة، فتارة تؤكد على أنها لن تتعامل مع مريض يحتاج جهاز تنفس صناعي وتارة أخرى تقوم باستقبالهم. وأوضح أن الدكتور علي حجازي –رئيس هيئة التأمين الصحي- تقدم باستقالته من إدارة مستشفى جمال عبد الناصر، ثم فرع شمال غرب الدلتا، بعد تظاهر واعتصام الأطباء ضده لنقص أنبولات "باي كارب" وفوجئ بعد ذلك بترقيته. وأكدت طبيبة رفضت ذكر اسمها: "جهاز التنفس الصناعي بيفصل ومبناخدش بالنا وبيموت على الساكت.. وحالات المستشفى شبه ميئوس منها" معربة في الوقت ذاته عن اندهاشها من حجج الإدارة بعدم حاجة المستشفى إلى أجهزة تنفس صناعي، وفي الوقت ذاته تقوم بنقل هؤلاء المرضى بسيارات إسعاف إلى مستشفيات خاصة، تتوافر بها تلك الأجهزة وبتكلفة أعلى، إلا أن بعض حالات الغيبوبة وجلطات المخ يصعب نقلها. واتهمت الإدارة بتحريض أهالي المرضى على الأطباء والادعاء بأن الإهمال والتقصير تم من جانبهم ومن ثم تدعوهم لتحرير محاضر ضدهم، فضلا عن تصيد الأخطاء لهم، مضيفة: "المريض ممكن يموت وأنا واقفة جنبه بسبب نقص الإمكانيات.. مطلبناش معجزة ولا إسعاف طيارة.. ولجنة وزارة الصحة بتيجي تشرب الشاي وتمشي". وأنشأ عدد من أطباء وممرضي المستشفى صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" لنشر كافة مظاهر الإهمال التي يعاني منها مرضى مستشفى جمال عبد الناصر.