بعيداً عن الجدل الصاخب والدائر حول تقييم ما حدث فى قطاع غزة، ولكل وجهة نظره، بيد أن الرؤية الموضوعية ترى أن إرادة عموم الشعب الفلسطينى وقواه المقاومة قد انتصرت على آلة الحرب الصهيونية الشرسة، وكل من يقف خلفها. فبعد قرابة 52 يوماً من عدوانها البربرى والوحشى على سكان القطاع، وبحسب مصادر وشهادات إسرائيلية، أخفق الكيان الصهيونى فى تحقيق أى من الأهداف الرئيسية التى من أجلها شن هذا العدوان الغاشم. بل على العكس، تعرض الكيان الصهيونى لخسائر ليست بالقليلة على المستوى الاقتصادى والعسكرى والبشرى . ومن الأهمية بيان، أن قوى المقاومة الفلسطينية قد فرضت عليه حرب إستنزاف غير مسبوقة. صحيح أنه خاض على الجبهة المصرية حرب إستنزاف لعدة سنوات، بيد أن ألحرب الأخيرة كانت مغايرة، فقد فرضت المقاومة على هذا الكيان حرباً داخل العمق الصهيونى والمغتصبات القريبة من قطاع غزة، حيث وصلت صواريخ المقاومة، والتى كان يتندر عليها فى بدايتها البعض ويصفونها "بصواريخ لعب الأطفال"، هذه المرة نالت مدن هامة داخل العمق الصهيونى، وفرضت على سكانها اللجوء القسرى للمخابئ، لا يبرحونها إلا عندما يأذن لهم القائد العام لكتائب الشهيد "عز الدين القسام"!. لقد حددت قوى المقاومة متى تتوقف هذه الجولة من الصراع مع العدو . ولا يمكن التهوين من "فاتورة الدم" لهذه الجولة: 2200 شهيد، ربعهم من الأطفال، 16 ألف جريح، ناهيك عما تدمر من بيوت وتشريد سكانها، والبنية الأساسية فى القطاع. على الجانب المقابل، ونتيجة الإخفاق فى تحقيق الأمن والاستقرار للمواطنين، سوف تشهد الحكومة الاسرائيلية ورئيسها الحالى، تآكلاً فى شعبيتها، وتصدعاً ،سوف تظهر تعبيراته على المشهد السياسى. ولهذا السبب، سوف تحاول القيادة الصهيونية، والقوى الحليفة لها، فى العالم وفى الإقليم، أن تحقق بالسياسة ما عجزت عنه فى الحرب!. يقود ذلك لحقيقة أن الشعب الفلسطينى وقواه المقاومة، سيواجه تحديات صعبة، تفرض عليه مهام أصعب، فى الصدارة منها، الحفاظ على وحدة الصف، وحقيقة "الكل فى واحد" حرباً وسلماً. وإضافة لما تم التوصل إليه من نقاط للتهدئة، ثمة قضايا هامة ما زالت عالقة، مما يفرض: فلسطينياً، سرعة التوصل لبرنامج شامل لخوض المفاوضات، وفق جداول زمنية محددة، ورفض العودة لمباحثات عبثية، كما كان الحال فيما مضى، والتمسك بقوة بخيار المقاومة، كرادع لاى عدوان محتمل، وعدم نزع سلاح الفصائل المقاومة فى الضفة والقطاع، وإنهاء "التنسيق الأمنى" والتحوط من أية مشاريع تضع المناطق المحتلة منزوعة السلاح، تحت تسميات مضللة ومختلفة. وفى السياق نفسه، بذل كل الجهد لوحدة العمل الفلسطينى، وإنهاء واقع التشرزم والانقسام الذى يضر بالقضية المركزية. ويقترن بذلك، إحياء منظمة التحرير الفلسطينية، كتعبير عن الكيانية، ومعبرة عن الداخل والخارج معاً، وتفعيل مؤسساتها، وتمثيل الكل فيها دون هيمنة من فصيل بعينه، وتشكيل فعلى لحكومة وحدة وطنية، تقود عمليات إعادة الاعمار وتخفيف معاناة الفلسطينيين، بدعم من الدول الشقيقة والصديقة. والتوافق على تشكيل الوفد المفاوض ورفده بكل الكفاءات المطلوبة بعيداً عن رموز المباحاث العبثية ودعاة "أن فى المفاوضات حياة"!. وتصدق مقولة "إن عدتم عدنا"، لفرض برامج زمنية محددة تجاه القضايا العالقة، مثل الميناء والمطار والأسرى فى سجون الاحتلال، وكافة المعابر ورفع الحصار، وإختبار حقيقة نوايا العدو، وعدم ترحيل القضايا لان ذك سيتيح له فرصة المراوغة والتسويف. وتمتلك المقاومة العديد من الأوراق الضاغطة، إذا ما أحسنت توظيفها، خاصة تلك التى على تماس مباشر مع الرأى العام الداخلى فى الكيان الصهيونى، والتى بمقدورها تعميق الأزمة السياسية فيه، مثل موضوع ما تحتفظ به فصائل المقاومة من أسرى، وعددهم، وجثث الجنود والقتلى ورفاتهم. ورفض التطوع بتقديم "معلومات مجانية" بهذا الخصوص. والرأى العام فى الكيان الصهيونى يدرك أن أى مراوغة سوف تعنى عودة المواجهة فى العمق وفى غلاف غزة، وربما فى الضفة والقدس المحتلة، حيث لا تزال فصائل المقاومة تملك الكثير من أدوات الردع والقدرة على رد الصاع صاعين. وعلى الديبلوماسية المصرية، على وجه الخصوص، ولاعتبارات تتعلق بأمن مصر القومى، ولاستعادة دورها الاقليمى، الانتقال من دور "الوسيط" فى التسوية، إلى "الشريك" والوقف ليس على مقربة من هذا الطرف أو ذاك، بل استكمال دورها التاريخى، بجانب القضية الفلسطينية وحقوق شعبها المشروعة، غير القابلة للتصرف، ولقطع الطريق على كافة الاطروحات بأن يكون جزء من سيناء ضمن "الوطن البديل"!. وفى التحليل الأخير، ومثلما انتصرت إرادة الشعب الفلسطينى، فى المواجهة الميدانية ، يتوجب أن تنصر فى مفاوضات ما تبقى، ورفض أى تسوية مذلة ومهينة، تنتقص من حقوق هذا الشعب، ورفض التخلى عن حق الوطن للوطن السليب فى فلسطينالمحتلة، وعدم السماح للكيان الصهيونى للتنصل من المسئولية القانونية والأخلاقية والاقتصادية عن تشريد هذا الشعب داخل وطنه وخارجه، وما تعرض له من عذابات التهجير القسرى.