تناول أغلب الكتاب والساسة وأصحاب الرأي قراءة التنظيم الجهادي الأحدث والأقوى على الساحة "الدولة الاسلامية في العراق والشام " المعروف اسلاميا باسم "داعش" ، التنظيم الذي أعلن قيام دولته في أراضي العراق وسوريا ويطمح في توسيع رقعتها ليشمل أراضي من لبنان والحجاز حتى يصل الى طموحهم الأسمى في اعلان الخلافة الاسلامية المزعومة . استفاضوا في الشرح والتحليل والتفنيد والتأصيل ، تحدث الجميع عن "داعش" وكأنها هبطت علينا من السماء وكأن أفرادها مخلوقات فضائية لم يكن لهم أصول وحياة في دول تدعي التدين الوسطي ودول تدعي الديمقراطية والمدنية ، تكلموا باستعلاء عن التنظيم الوحشي الدموي واستهجنوا نزعتهم الفاشية وحبهم للقتل . تبادل الجميع الاتهامات حول نشأة "داعش" ومنهجها ومنطلقاتها وتمويلها ودعمها واستغلالها ، أدلج أصحاب الرأي داعش وحولوها لأداة لاثبات صحة توجهاتهم وضرب المخالفين ، تحولت داعش الى كرة نار ملتهبة يلقي بها كل فريق الى الأخر درءا للشبهات عن نفسه والصاقا للتهمة بالمعسكر المغاير ، بين اتهامات بكون التنظيم صنيعة صهيونية أو أمريكية سعودية ، بين ادعاءات بكونها من تشكيل المخابرات التركية القطرية أو السورية الايرانية ، بين كثرة الأقاويل والأسانيد ضاعت الحقيقة . تناسينا الحق والحق أقول ان "داعش" صنع أيدينا ، أمام أبصارنا وأسماعنا وأدركتها عقولنا ، داعش ليست تنظيم اسلامي متطرف ينتهج المنهج الجهادي ويؤمن بالفكر التكفيري ، ولكنها عصارة فضلات عالم يمتلئ بالظلم والتطرف يعج بالوحشية والاستبداد ، يتوارى خلف ستار من التحضر والمدنية وحقوق الانسان ، أو ستار من ادعاءات مواجهة الامبريالية والنعرات القومية وحماية الدولة . داعش هي وحشية الانسان البدائي الذي طوعت له نفسه قتل أخيه ، هي همجية "التتر" وطائفية الصليبيين ، داعش هم قتلة الأنبياء والمبشرين والفلاسفة والمجددين والمستنيرين على مر العصور ، داعش هي غطرسة الاسكندر و "بارانويا " نيرون هي نازية هتلر وفاشية موسوليني ، داعش هي الابادة العنصرية للهنود الحمر في أمريكا وتجار العبيد في افريقيا ، داعش هي امبريالية بريطانيا العظمى وشيوعية ستالين . داعش هي انحياز المجتمع الدولي للأقوى وانصياعه لسطوة لسلاح وازدواج معاييره ، داعش هي سياسات الرأسمالية المتوحشة وسيطرة البنك الدولي على موارد العالم وصندوق النقد على مصارفه ، داعش هي الشركات متعددة الجنسيات والصواريخ العابرة للقارات ، داعش هي حاملات الطائرات الأمريكية وقاذفات الصواريخ الروسية ، داعش هي الصهيونية وداعميها والطمبعين معها والمدافعين عنها . "داعش" تمثلكم جميعا ، من ارتكبت شعوبهم مجازر في الماضي ويصرون على تمجيدها واعتبارها فتوحات ، ومن تنصلوا من جرائم ارتكبوها ثم دعموا مجرمين أخرين ، داعش تمثل ناهبي ثروات العالم وسارقي أقوات الشعوب ، تمثل محبي الظلام وكارهي النور ، تمثل كل جندي يشرب بالأمر ويأكل بالأمر ويقتل بالأمر ، تمثل كل من يرفض القتل لنفسه ويتمناه لأخرين لاختلافهم عنه . "داعش" تمثل الوجه الوحشي لهذا العالم وذاك النظام الذي يستتر خلف الحضارة والتقدم او ينغلق عنها ، تمثل كل من قتل أو برر القتل أو فرح به أو سكت عنه غير مضطر ، داعش تمثل سعيكم خلف الرفاهية على جثث أطفال يموتون جوعا ، انطلاقكم للفضاء على حساب من يحفرون قبورهم ، داعش تمثل أديانا وأفكار أغفلتم كل جوانبها الانسانية وانسقتم خلف دنيوية مذاهبها فاستخدمتوها كأداة أخرى للتفرقة والتمزيق ومبررا لسفك الدماء . "داعش" صنيعة أجهزة مخابرات العالم التي تصارعت على النفوذ والتسلط مستخدمة الفقراء ليقتل بعضهم بعضا ، داعش صنيعة سطوة الولاياتالمتحدة على العالم وبلطجة اسرائيل على الشرق الأوسط واستبداد الحكام العرب وانشغال أوربا بنهب ثروات افريقيا . لا تدعوا البراءة وتتملصوا مم عملته أيديكم ونطقت به ألسنتكم وأحبته أفئدتكم واقتنعت به عقولكم ، أيادينا جميعا ملطخة بدماء الأبرياء على مدار التاريخ ، كم قائدا أسطوريا صنعنا وصدفنا واتبعنا دون ذكر لجرائم ارتكبها في حق الانسانية لصنع أسطورته ، كم بررنا لدماء في الماضي والحاضر وكم استبحنا من موبقات وكم أخفينا من كوارث في تراثنا الانساني . قبل أن تلعنوا داعش ادرءوا اللعنة عن انفسكم ، اغسلوا أيديكم من الدماء ، أقيموا حكمكم واعدلوا بينكم ، أعيدوا قراءة التاريخ واعطوا كل ذي حق حقه ، أوقفوا سيرورة الدم ولعنة التبرير ، اقضوا على داعش من أفكاركم ومذاهبكم وتراثكم تقضوا عليها على الأرض وتستقم حياتكم وتمنعون ظهور تنظيمات مشابهة. داعش أظهرت سوءتكم وسوءة من قبلكم ، داعش هي قراءة لتاريخكم ومرأة لحاضركم ونبوءة لمستقبلكم .