تشكل ذاكرة التلقي في الطفولة حجر أساس الشخصية، فقد تظل قصة للأطفال أو حكاية قُرئت للطفل أو شاهدها راسخة في عمق ذاكرته مهما مر به العمر.. وأكثر ما يتأثر به الطفل طفل آخر مثله.. في عمره أو يقترب، حيث يرى نفسه مركز الأمور وبطل عالم خاص به لا صغيرا غارقًا كذرات رمال في عالم الكبار، وليس أكثر جاذبية من الصورة المتحركة على شاشة يرى فيها الطفل عالمه الأكثر بروزًا ممتدًا بعرض وطول شاشة تحتويه وتقدره، فهل يرى الطفل المصري نفسه في شاشة، أم يقنع بمشاهدة طفل مثله وكفى، وأي وجود أو تواجد هو، هل لدينا دراما للطفل أم أن الطفل فقط يوجد في الدراما؟ نرصد هنا ما يمكنه الإجابة علي السؤال.. كيف سارت السينما المصرية بالطفل وبدنياه .. كان أول ظهور للطفل في السينما المصرية في فيلم "ليلى" 1927 من خلال ظهور الطفلين سعد وبثينة لتشترك بثينة في فيلم آخر بعد عامين مع عزيزة أمير هو "بنت النيل" عام 1929 لتنتقل السينما بعدها إلى سلسلة أخرى مثل فيلم "معروف البدوي" لإبراهيم لاما 1935 وفيلم "نشيد الأمل" لأحمد بدرخان وفيلم "عز الطلب" عام 1937 وفيلم "ابن الذوات" وفيلم "رباب" ليقدم بعدها المخرج محمد كريم الطفلة فاتن حمامة في أول ظهور لها في فيلم "يوم سعيد" 1940 وفي عام 1942 كان فيلم "بنت ذوات"، من إخراج يوسف وهبي والذي يدور حول إبراهيم ابن الخولي الذي تربى مع أبناء الباشا وأتم تعليمه بفضل الباشا، فظن أنه أصبح ندًّا لابنته فطلبها للزواج ليفاجأ بالاحتقار والرفض،واشتركت نجاة الصغيرة طفلة بالتمثيل والغناء في فيلم "الكل يغني" للمخرج عز الدين ذو الفقار1947 وهناك أيضًا فيلم "خلود" لعز الدين ذو الفقار وفيلم "المتشردة" لمحمد عبد الجواد لتأتي مرحلة الخمسينات وتشهد بزوغًا كبيرًا لمجموعة من الأطفال في الأفلام كالفيلم المهم "أولاد الشوارع" إخراج يوسف وهبي عام 1951 والذي قدم فيه عددًا كبيرًا من الأطفال غناءً وتمثيلًا لتجيء سلسلة أفلام للطفلة "فيروز" أشهر طفلات السينما المصرية والتي شبهت وقتها بالأسطورة الأمريكية "شيري تمبل"؛ لتظهر من خلال الممثل والمخرج "أنور وجدي" الأكثر اكتشافًا للأطفال فقدم لها أفلام "ياسمين" 1950 و"فيروز هانم" في 1951 إخراج عباس كامل وفيلم "دهب" 1953 الذي أخرجه أنور وجدي ووقام ببطولته مع ماجدة، كما قدم أنور وجدي الطفلة لبلبة أيضًا في فيلم "أربع بنات وضابط" عام 1954 من إخراج وبطولة أنور وجدي ومعه نعيمة عاكف، وكان فيلم "موت أو حياة" 1954 من أهم الأفلام التي أعطت ثقلًا للطفل ودوره، من إخراج كمال الشيخ وبطولة عماد حمدي ومديحة يسري والطفلة ضحى أمير، وفيلم "رسالة إلى الله" 1961 بطولة مريم فخر الدين وحسين رياض وقصة عبد الحميد جودة السحار وإخراج كمال عطية عن الطفلة عائشة التي تكتب رسالة إلى الله لينطق دميتها، وهناك مجموعة أفلام للمخرج عاطف سالم في بهذا المجال كفيلم "الحرمان" 1953 و"جعلوني مجرمًا" 1955 وفيلم "السبع بنات" 1962 و"أم العروسة" 1963، ثم يجيء فيلم "الحفيد" الشهير عام 1974 وفيلم "عالم عيال عيال" عام 1976 للمخرج محمد عبد العزيز بطولة رشدي أباظة وسميرة أحمد عن قصة الفيلم الأمريكي "أولادك أولادي وأولادنا" الذي يدور حول قصة حب بين أم لستة أطفال وأب لثمانية أطفال يتزوجان فيعيش الأبناء الأربعة عشر معًا ببيت واحد، بما في ذلك من مواقف طريفة؛ بسبب عددهم. وتستمر القائمة مع مرور الزمن فنصل لفيلم مثل "بص شوف سكر بتعمل إيه" لأشرف فهمي 1977 وفيلم "اتنين على الهوا" لنيللي عام 1985 الذي غنت فيه عدة أغاني لابنتها الطفلة "شيرين" لنصل لفيلم "العفاريت" 1990 للمخرج حسام الدين مصطفى مع الطفلة "هديل" ومجموعة أطفال آخرين ومديحة كامل وعمرو دياب وكذلك فيلم "الجراج" 1995 للمخرج علاء كريم حيث ضم مجموعة جيدة من الأطفال حتى نصل للأفلام الحديثة كفيلم "لا مؤاخذة" تأليف وإخراج عمرو سلامة و"مطب صناعي" لأحمد حلمي مع الطفلة "منة عرفة" ومؤخرا فيلمه "صنع في مصر" مع الطفلة نور عثمان وفيلم "الدادة دودي" لياسمين عبد العزيز. ومع كل العرض السابق والقائمة الكبيرة، فإننا لا نجد فيلمًا كاملًا للأطفال يدخل لعالمهم، ويتحاور مع أحلامهم أو يغذي خيالهم بشكل جيد فمعظم ما سبق غالبًا يظهر به الطفل كشكل جمالي مكملًا وليس محورًا.. وإذا كان محورًا فيكون كنموذج عن أطفال آخرين في وضعه أو ضمن عالم الكبار وقصصهم وأحيانًا يتصرف كالكبار، وإن كانت هناك أفلام استطاعت ضمن هذا الإطار أن تدعم دور الطفل وقيمته منها فيلم "موت أو حياة" حيث استندت الأحداث على الطفلة وكان لديها إصرار مهما حدث على إنقاذ والدها بالدواء وفيلم كفيلم "الجراج"، حيث تحمل الأطفال بشجاعة ظروفهم خاصة بعد مرض أمهم فظهروا بمظهر المحرك الفاعل ولا ينسى أحد أفلام فيروز التي كانت تسمى باسم شخصيتها في الفيلم فكانت محور الحدث والفيلم الذي يقدم في قالب غنائي واستعراضي خفيف ومحبب لكن الفيلم استمد قيمته من حضور الطفلة وليس من حضوره لعالمها، وهكذا أفلام كثيرة يتواجد فيها الطفل ولا يتواجد عالمه، بينما لو قارنا ذلك بالسينما الأجنبية لوجدنا تسمية فيلم الطفل تخص مضمون الفيلم الذي يتناول عالم الطفل بجوانب مختلفة ويكون محور الحدث مثل أفلام Home alone , Jumanji , Peter pan , Harry potter وغيرها، وجميعها بها ما يستحق هذه النوعية من إثارة وإبهار وخيال، وللأسف فإن توقف المهرجان الدولي لسينما الأطفال منذ عامين زاد الأمر سوءًا فقد كان ينفتح على إنتاج متنوع من مختلف البلاد ويتيح مشاهدة متنوعة جيدة المستوى وإن لم يكن يحظى بما يستحقه من دعاية لازمة، والحقيقة أن ضعف تمويل أفلام الطفل وتسويقها من أهم العقبات أمامها فلا يوجد منتج يغامر بماله فتحول الأمر بدل الإنتاج للطفل لإنتاج يستغل ظهور الطفل الذين يعلمون أنه قد يكون سببًا لضغط الأطفال على أسرهم لمشاهدة من في مثل سنهم. أما بالنسبة للأطفال في دراما المسلسلات فهناك بعض الأعمال التي تركت أثرًا جيدًا في ذاكرة الجميع كمسلسل "مبروك جالك ولد" لنيللي، ومسلسل "هند والدكتور" نعمان لكمال الشناوي مع الطفلة ليزا، واقترب مسلسل لشريهان في طفولتها بعنوان "المعجزة" من نطاق عالم الطفل بما فيه من خيال ومغامرة واستعراضات جميعها ترتكز عليها، أما مسلسلات الكارتون فأبرزها وأشهرها مسلسل " بكار" الذي كان محبوبًا وتوعويًّا وبرامج الصلصال التي قدمتها الراحلة د. زينب زمزم مثل قصص الأنبياء، وأيضا كارتون "قصص الأنبياء" ليحي الفخراني و"علاء والمصباح"، والعرائس في "ظاظا فظاظا" و"بوجي وطمطم" الذي ظلت عرائسه من أشهر العرائس والحلقات لكن يظل أحد منهم لا يضاهي أو يحاكي إبهار الصورة في أفلام مثل "توم وجيري" أو أفلام والت ديزني التي يلجأ البعض لشراء سيديهاتها وغيرها تعويضًا لنقص حقيقي. وتبرز مشكلة التمويل هنا من جديد وضعف الأجور بينما تتطلب أفلام الكارتون مجهودًا كبيرًا فالحركة الواحدة قد تتطلب 20 رسمة. وهو ما يعيدنا لطرح السؤال المتكرر دون جدوى..سيظل الطفل ضيفًا في الدراما والسينما المصرية؟ مسرح الطفل.. «فنون الملل» تطرد الصغار عادل حسان يكتب: صناعة الغباء..