ابتسامته هادئة ودودة، ينظر إليك فى محبة، تحمل تقاسيم وجهه مئات القصص والتفاصيل والتجارب الذى عاشها، ملابسه بسيطة رغم تمزقها إلا أنها مازالت صامدة تحاول أن تخفى جسده الضئيل المريض المتعب .. يداه الخشنة التى لم تعد ترى ملامحها من كثرة التراب الذى يغطيها هى أيضا تحكى الكثير عن ذلك العامل البسيط الذى يقبع تحت الشمس الحارقة فى مواقع البناء وسط المونة والأسمنت والأخشاب. إنه عم" سيد" التى شاءت الظروف أن نلتقى به ليروى لنا حكايته الغريبة التى لو تمت ترجمتها إلى فيلم سينمائى سيظل المشاهدون مشدوهين بالأحداث لا يصدقون أن هذه البلد مازالت تئن وتتألم من الفقر والجهل والمرض، فمازال هناك البسطاء الذين يعيشون أشبه بالأموات. يحكى عم "سيد " ابن قرى الصف بمحافظة الجيزة، أن عائلته لم تسجل له شهادة ميلاد وأوراق ثبوتية له، واكتفت باستخدام نفس أوراق أخوه المتوفى ابن السنتين والذى يدعى " عاشور محمد حسن " والذى فارق الحياة أثناء حمل والدته وقبل وضعها بشهر على الأكثر، وعندما تمت ولادته قررت الأسرة بدل الذهاب إلى مكتب الصحة من جديد استخدام نفس شهادة الميلاد القديمة للأخ المتوفى للطفل المولود " سيد " واستخدام نفس الاسم " عاشور محمد حسن". وأوضح " إحنا ناس غلابة وعلى قد الحال، أبويا مرضيش يروح مكتب الصحة تانى وفكر أن كدة الموضوع سهل وبسيط، خاصة أنه كان حزينا على أخويا اللى مات، وخلانى أكون بديلا وعوضا له ". أضاف "عم سيد " والذى يعمل نجار مسلح أنه من مواليد 1970 ، وأنه قضى نصف حياته بشهادة ميلاد وأوراق أخوه المتوفى حتى استخرج البطاقة الشخصية الورقية وتمكن من دخول الجيش وأداء الخدمة العسكرية بنفس البطاقة والأوراق التى تثبت أن اسمه " عاشور محمد حسن " وقضى ثلاث سنوات بالجيش، ثم تزوج وأنجب بناته السبعة بنفس البطاقة الورقية. سارت الأمور لدى عم عاشور أو سيد الآن بسيطة وميسرة إلى أن وقعت الكارثة الكبيرة عندما قررت الدولة استبدال البطاقات الشخصية الورقية ببطاقة الرقم القومى الإلكترونية، وعندما ذهب عم " عاشور" أو عم "سيد" إلى السجل المدنى كأى مواطن يريد استبدال بطاقته، بحثت الموظفة عن اسمه لتكشف أن البيانات الخاصة باسمه تؤكد أنه " شخص ميت "، الموظفة قالت لى " ياعم عاشور أنت ميت من زمان ..أنت مين بقى ؟؟ أضاف أنه حاول أن يقنعها بحكايته وأن أخوه هو الذى مات وتم تسجيله بأوراقه، لم تصدقه الموظفة وقالت له " روح حل مشكلتك بعيد عنى". يصرخ عم عاشور ويقول " أروح فين وآجى منين، تعبت من القبض على فى الكمائن بسبب عدم امتلاكى بطاقة شخصية، فى ظابط يحن على ويصدق قصتى، وضابط تانى يفتكر إنى إرهابى ولا حرامى ولا قاتل ويرمينى فى الحجز 6 أيام لحد ما يبان لى صاحب ، ويجى حد من ولاد عمى يضمنى فى القسم ويحكى لهم قصتى، أنا تعبت من المحامين اللى نصبوا على ، وكل محامى يوعدنى باستخراج البطاقة وياخد منى 500 أو 1000جنيه أجمعهم بمد الإيد لكل الأقارب وفى الآخر يأخد الورق وميردش على" . "أنا مش عايش أنا ميت فعلا " لو الدولة مش معترفة بى على الورق إنى عايش، فأنا فعلا ميت فى الواقع، عندى 7 بنات بياكلوا فى جسمى، لازم أرجع لهم باليومية عشان ميمتوش من الجوع". "أنا نفسى أقابل عبد الفتاح السيسى مش هو رئيسنا يعنى اللى المفروض يجيبلنا حقوقنا، نفسى أقابله إن شاء الله يشغلنى أى حاجة فى القصر مقابل إنه يساعدنى فى إثبات إنى " حى " وموجود ويقول للمسئولين يستخرجوا لى بطاقة شخصية، أنا زهقت من البهدلة وعدم الاستقرار ، نفسى يبقى عندى بطاقة للتموين، ولو مت بكرة فعلا بجد مراتى وعيالى مش هيقدروا يحصلوا على أى معاش من الشئون الاجتماعية " . وفى النهاية يختم عم سيد كلامه " أنا نفسى أعيش بجد والدولة تعترف بية مش عشانى بس عشان خاطر ولادى بعد أما أموت فعلا ".