في البداية ليس من السهل إجراء مقابلة مع عضو من الألوية الدولية أو "البريجاداس انتناثيوناليس" وهو تنظيم دولي يضم الفصائل التي قاتلت إلى جانب الجمهورية الثانية ضد قوات الفاشيين بقيادة فرانكو، أثناء الحرب الأهلية التي استمرت في إسبانيا من 1936 إلى 1939. وتزداد صعوبة الأمر حينما يتم الأمر في غزة الواقعة تحت القصف الإسرائيلي المتواصل برا وبحرا وجوا، بحجة القضاء على أنفاق المقاومة الفلسطينية التي تقودها حركة حماس. يعيش مانو، وغيره من مناضلي الألوية الدولية من مختلف الجنسيات الذين وهبوا أنفسهم للنضال من أجل قضايا عادلة مثل قضية الشعب الفلسطيني، في أحد بيوت غزة، على ضوء مولد يعمل بالكيروسين، بعد أن دمرت إسرائيل محطات الكهرباء والمياه والمستشفيات والمدارس، وكل معالم البنية التحتية. تبرز أهمية المقابلة التي أجريت مع مانو، بسبب أنه أصبح المصدر الأجنبي الوحيد في الداخل الفلسطيني لرواية أحداث عملية الجرف الصامد ضد الشعب الفلسطيني، والأهوال التي عاشتها غزة، وكيف صمدت في مواجهتها برغم الدمار والخراب المستمر. يعرف مانو بينيدا، على شبكات التواصل الاجتماعي من خلال مؤسسته التضامنية مع الشعب الفلسطيني أوناديكوم، حيث يطلق عليه لقب مانو أبو كارلوس، ويحكي في هذه المقابلة التي أجرتها معه عبر الراديو فاليريا كورتيس، عن حرب الإبادة ومذابح التطهير العرقي التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة، والدور الذي تقوم به الألوية الدولية في القطاع إزاء الصمت المتواطئ من قبل كافة المنظمات الدولية والمجتمع الدولي بالكامل. شعب تحت الحصار ما يحدث في غزة مذابح تطهير عرقي بالمعنى الحرفي، ليس بوسعنا أن نجد في القاموس مفردات أكثر رقة أو أسلوبا بلاغيا نجمل به كلامنا لنخفف على المتلقي وطأة الموقف، فما يحدث ليس له أي مسمى آخر سوى ذلك. يوجد هنا شعب تحت الحصار، محاصر من جميع الجهات جميع المعابر التي تصله بالعالم الخارجي مغلقة تسيطر إسرائيل على أغلبها، ومعبر وحيد تسيطر عليه مصر، ولكن مصر تتعاون مع إسرائيل، وهكذا تحول قطاع غزة إلى سجن كبير، أكبر سجن مفتوح في العالم. لا يوجد أمام هذا الشعب ملجأ أو ملاذ يلوذ به، إزاء الهجوم الذي يشنه عليه واحد من أكبر وأقوى الجيوش في العالم وأكثرها تجهيزا وتطورا، بلا رحمة ولا هوادة ليدمر البيوت على رؤوس ساكنيها، مفنيا عائلات بأسرها من المدنيين العزل. "الإرهاب" بديلا عن تهمة معاداة السامية اعتادت إسرائيل أن تصف كل من يقف إلى جوار الشعب الفلسطيني في غزة إما بالإرهابي أو بالمتعاون مع حركة حماس، وهو ما يعد تطورا لتهمة معاداة السامية التي كانت تطلق من قبل على كل من يتضامن مع الشعب الفلسطيني. إذن نحن الآن إرهابيون أو عملاء لحماس. أنا نفسي متهم بأني من نشطاء حماس، وهذا يعني وفقا للاتحاد الأوروبي الذي أضاف حركة المقاومة الإسلامية إلى قائمة المنظمات الإرهابية، أنني إرهابي، وهذا الوصف ينطبق على كل من ينتقد جرائم إسرائيل في غزة أو ضد الشعب الفلسطيني بصفة عامة، ماكينة الدعاية الإسرائيلية تطلق الأحكام بصورة عشوائية ساذجة، ومن ثم لا أدري كيف يكون بوسعها التأثير في المجتمع الدولي بهذه الصورة، وأتساءل بحكم أني شيوعي ملحد، كيف يمكن أن أكون ناشطا في حركة مقاومة إسلامية؟. سيطرة اليهود على قطاع واسع من وسائل الإعلام العالمية لا يمكن إنكارها، ومن ثم عندما يكررون الكذبة أكثر من ألف مرة، يتعامل معها الناس على أنها حقيقة وأمر واقع. ما تقوم إسرائيل بارتكابه هو عبارة عن رودود أفعال مبنية على ركام من الأكاذيب. إسرائيل كيان أسسته عصابات إرهابية كانت تقوم بالاعتداء على البلدات الفلسطينية وعلى المصالح البريطانية في فلسطين حين كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني، من أجل إجبار لندن على تنفيذ وعد بلفور وتحقيق أهداف الحركة الصهيونية في أرض فلسطين، كما استغلوا الهولوكوست النازي لتحقيق مكاسب، كما لو أن مذابح النازي ارتكبت ضد اليهود فقط ولم يكن لها من ضحايا سواهم، وهكذا قاموا بسرقة واغتصاب الأرض من الشعب الفلسطيني، ولا تزال ماكينة الأكاذيب مستمرة بنفس الآلية، والمشكلة ليست في أكاذيبهم والحيز الذي يمكن أن تصل إليه، المشكلة تكمن في أن حكومات تدعي أنها ديمقراطية وتدافع عن حقوق الانسان تنتقد سياسات دول مثل كوبا وفنزويلا، وتتهمها بالتضييق على حرية التعبير، تغض الطرف عن الممارسات الإسرائيلية، وتوفر الغطاء اللازم لاستمرار تدفق شلال الأكاذيب، ليصبحوا بذلك شركاء في جرائمها. "شعب الله المختار" أكذوبة كبرى تبرر لإسرائيل جرائمها بالرغم من سقوط ما يقرب من ألفي شهيد خلال نحو شهر لم توجه الولاياتالمتحدة أي لوم إلى إسرائيل، أما أوباما هذا المهرج فمن سيصدق ما يقوله؟ وهو نفس الأوباما الذي خرج يبكي أمام العالم على فقد ثلاثة مستوطنين في أرض ليست لهم، هكذا إذن؟؟ وحتى بعد أن أثبتت التحقيقات أن المقاومة الفلسطينية ليس لها أي علاقة بالموضوع، وأن القضية كلها كانت بسبب خلافات مالية بين إسرائيلين وبعضهم، ولكن إسرائيل اتخذت من الأمر ذريعة لتتهم حماس باختطاف وقتل المستوطنين، ومن ثم شنت حربا للقضاء على المقاومة الفلسطينية، بالرغم من كشف الحقيقة وعدم وجود علاقة للمقاومة بالأمر، فليكن تدمير الأنفاق هو الغرض من الحملة، ولا ندري ربما تخرج علينا إسرائيل غدا بذريعة جديدة لمواصلة إبادة الشعب الفلسطيني على سبيل المثال لأنهم يلبسون عمائم، الدافع لا يهم على أية حال، لأن إسرائيل هي شعب الله المختار وهذه هي أرض الميعاد، وهذه أسباب أكثر من كافية لتبرير أية ممارسات ولا يحتاجون للمزيد، لهذا أنا لا أعتبر إسرائيل دولة بل قوة احتلال. القضاء على الوحدة الوطنية أهم أهداف عملية الجرف الصامد حسنا، أتفق مع بعض المحللين الذين يخلصون إلى أن إسرائيل تسعى بالفعل لتقويض اتفاق الوحدة الوطنية بين حماس وفتح، ولكن أوروبا والولاياتالمتحدة، أيضا شركاء متواطئون مع إسرائيل في هذا. ظل المجتمع الدولي لسنوات ينتقد التفكك الفلسطيني، وعدم وجود حكومة وحدة وطنية وانقسام الصف الفلسطيني بين الضفة والقطاع، وبمجرد أن بدأ التقارب بين الفصائل سارعت القوى الدولية لتقويضه، وطالبت الولاياتالمتحدة أبو مازن صراحة بالتراجع عن الاتفاق مع حماس. وكأن الدور الحقيقي للمجتمع الدولي في القضية الفلسطينية هو تأجيج الصراع والتوتر بين أبناء الصف الفلسطيني خاصة مع ميل حماس لمواصلة المقاومة لاستعادة الأراضي المحتلة، وميل فتح لمواصلة التفاوض في إطار عملية السلام، وبناء عليه كان من الضروري توجيه ضربة قوية تؤدي لوأد هذا الاتفاق في مهده. الشعب الفلسطيني هو المقاومة وحماس إحدى فصائله تعطي إسرائيل أهمية كبيرة لحركة حماس أكثر مما ينبغي، لتجعل منها بطلا بين الشعب الفلسطيني. لا أحد في وسائل الإعلام الصهيونية يتحدث عن المقاومة الفلسطينية ونشاطها، بل حركة حماس، بالرغم من أن هذا يتنافى كلية مع الأمر الواقع. حركة حماس، واحدة من المنظمات السياسية التي لها جناح عسكري، وهناك الكثير من المنظمات مثلها بعضها يسارية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي أسسها أبو علي مصطفى، على النهج الماركسي اللينيني، وهناك أيضا الجبهة الديمقراطية، وهناك فصائل أخرى أقل، جنبا إلى جنب مع حركة الجهاد الإسلامي. المقاومة ليست كلها حماس، المقاومة هي كل الشعب الفلسطيني في غزة. وهم حين يتحدثون عن المقاومة لا يذكرون سوى حماس، فيتهمونها بالباطل باستخدام المدنيين كدروع بشرية، لتبرير هجماتهم على المدنيين وتدمير منازلهم على رؤوس ساكنيها، ولكن حقيقة الأمر أن الشعب الفلسطيني كله مقاومة، المقاومة الفلسطينية هي التنظيم الأشمل والأعم الذي تندرج تحته كل الفصائل والتنظيمات المختلفة الممثلة في غزة بالفعل، في الوقت الراهن، لا وجود لما يسمى حماس أو فتح أو الجبهة الشعبية أو الجهاد، لا شيئ من هذا على الإطلاق، الآن لا وجود سوى للشعب الصامد خلف مقاومته بمختلف عناصرها، ذابت الخلافات وتماهت الألوان والتنسيق على أعلى مستوى، حين يأتي أوان الانتخابات، فلكل حادث حديث، سيصوت كل من كان لمن يشاء ويختار فق هواه، لكنهم الآن يقفون متحدين دفاعا عن أرضهم ضد العدوان، وهذا لمن لا يفهم: المقاومة في مواجهة الفاشية، مثلما فعلت الألوية ضد فرانكو، والشعب ضد بينوشيه، واستبداده في تشيلي، وإسبانيا ضد الاحتلال الفرنسي القرن الماضي، المقاومة ضد المحتل لا تتم بإلقاء الزهور وتوزيع القبلات، بل بالخروج إلى الشارع وحمل السلاح، كيف يعقل أن نطلب من شعب يتعرض للعدوان والتدمير ألا يحمل السلاح دفاعا عن نفسه؟ وفق أي معيار أخلاقي يدّعون أن إسرائيل تمارس الدفاع عن النفس في حين أن إسرائيل هي المعتدي والشعب الفلسطيني يريد أن يدافع عن نفسه لرد العدوان؟. إسرائيل تعزل القطاع بقصف قصفت إسرائيل محطة الهواتف المحمولة الوحيدة بالقطاع، إدراكا منها لتأثير شبكات التواصل الاجتماعي وقوة الإنترنت في أية معركة، بعد قصف محطات الكهرباء الرئيسية، لتغرق القطاع في عزلة تامة، وإظلام مطبق. نشعر بأننا متميزون لأننا نقيم في مبنى به مولد يعمل بالكيروسين، والذي ارتفع سعره أكثر من الذهب، لأن المحروقات لا تصل إلى القطاع. قام الطيران الإسرائيلي بقصف أبراج المحمول والإنترنت في معظم أرجاء القطاع، لا زال لدينا إشارة ضعيفة للدخول على الإنترنت، ولا نعلم إلى متى سوف تستمر، ولكن معظم أحياء غزة لا يتوافر لديها إمكانية الدخول إلى الإنترت. هذه العزلة ستفيد إسرائيل لكي تواصل جرائمها بدون شهود عليها. قمنا بانتشال أشلاء جثث أطفال من تحت الأنقاض وساعدنا مراسلين صحفيين على تصويرها لنقلها للعالم عبر شبكات التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر. لكن يبدو أن الأمر ليس بهذه السهولة، أحيانا يتعامل جمهور الفيسبوك مع مذابح غزة كما لو كانت فيلما من ديزني، وأحيانا تتعرض الصور العنيفة للحذف أو يتلقى صاحب الموقع تحذيرات بإغلاق حسابه للأبد بسبب نشر هذه النوعية من الصور، لكن الحقيقة تواصل مسيرتها نحو النور وهو أكثر شيء يزعج إسرائيل ويتسبب لها في الضرر. تخشى إسرائيل من عواقب نشر صور الدمار وصور الضحايا وغالبيتهم من الأطفال والنساء، ومن هنا يأتي حرص إسرائيل على القضاء على وسائلنا لنشر الحقيقة، ونأمل ألا تتمكن من بلوغ هدفها. دور وسائل الإعلام وبالحديث عن دور وسائل الإعلام، تجدر الإشارة إلى واقعة مراسل جريدة الباييس الإسبانية في غزة خوان جومييث، حين كان يقوم بنشر وقائع ما يحدث في غزة من القدس ولم تطأ قدمه أرض غزة في حياته على الإطلاق، وكان ينقل الأخبار من موقع مجموعة بريسا، والتي تتميز بادعائها المستمر أنها وسيلة إعلام تقدمية، ثم عنّ له أن يزور غزة ليكتب عن الجماعات الإرهابية التي تواصل إطلاق الصواريخ على إسرائيل، المهم أنه نزل بفندق البيرة، وبينما كان يتناول مشروبا مع زميل له سمع دوي انفجار صاروخ بالقرب من طفل كان يلعب على الشاطئ، رأى بعيني رأسه الصواريخ الإسرائيلية تتعقب حتى الأطفال الذين يحاولون الفرار من القصف على الشاطئ، حينها سقطت جميع الأفكار المسبقة التي جاء بها واتضحت له الحقيقة التي تختلف كلية عما ملأوا به رأسه قبل مجيئه إلى هنا، حسنا وماذا بعد ذلك؟ غير هذا المراسل أسلوب خطابه، وأنا لا أعرف حقيقة ماذا يكتب الآن، ولكن المؤكد أنه سيكون أكثر صدقا وأمانة ووضوحا عما يراه هنا مقارنة بما كان يكتبه ويرويه في الماضي، ولكن يبدو أن الجريدة الاشتراكية الأشهر في إسبانيا لم يعد يعجبها ما يكتب، وبالرغم من أنها لا تستطيع منع نشر ما يرسله إليها، إلا أنه تقوم بتحرير العناوين وفقا لسياستها التحريرية بصورة تبدو مختلفة تماما عن مضمون المقال الذي أرسله، والطريف في الأمر أن الصحافة الإسبانية تنتقد هذه الممارسات في نظيرتها الكوبية التي تتهمها بالخضوع للنظام الشمولي في هافانا. دورنا الحقيقي كجزء من المقاومة مع الزملاء من منظمة أوناديكوم، هو المساعدة على خروج حقيقة ما يجري في غزة للنور، ونحن ننتهز هذه الفرصة لكي نرسل تحية إعزاز وتقدير لشعوب أمريكا اللاتينية وإلى تشيلي على وجه الخصوص لإصرارها على التضامن مع الشعب الفلسطيني من خلال كشفها للعالم فاشية الممارسات الإسرائيلية، وانتهاكها لأبسط قواعد حقوق الانسان بصورة أسوأ من النظام النازي. الألوية الدولية (بالإسبانية: Internacionales Brigadas) كانت وحدات عسكرية من متطوعين اشتراكيين وشيوعيين ولاسلطويين من مختلف البلدان، حاربوا إلى جانب الجمهورية الإسبانية الثانية في الحرب الأهلية الإسبانية بين عامي 1936 و1939. كانت أعداد المتطوعين نحو 32,000 من 53 جنسية، تطوعوا لقتال القوات الوطنية التابعة للجنرال فرانسيسكو فرانكو، المدعومة من ألمانيا النازية و مملكة إيطاليا.