صدر حديثاً للكاتب أشرف الخمايسي رواية "انحراف حاد" عن الدار المصرية اللبنانية، و تحمل الرقم ثلاثة في مسيرته الروائية و تأتي في سياق طرحه لفكرة الموت و مدى قدرة الإنسان على دحره و الإنتصار عليه مدفوعاً بغواية البقاء و فتنة الخلود. وتدور أحداث «انحراف حاد» حول شخصية غامضة، لها فلسفتها الخاصة، وطريقتها الاستثنائية في الغواية، تلك هي شخصية «صنع الله»، النبي الخالد الذي لا يموت، والذي يسير بنور الله لتحقيق إرادة الله في خلقه: «أنا رسول المسيح إلى المؤمنين به.. يُخبركم أنَّه كره العذاب.. وضاق بالموت على الصَّليب.. وأحب نعمة الأمان.. ورضي بمتعة الحياة..»، هكذا يُلقي الرعب في قلوب ضحاياه؛ لإيهامهم بقدراته الخارقة، ورسالته الإلهية، وعندما يُواجَه بالمعصية وعدم الإيمان بقدراته وتهويماته، يصرخ في ضحيته: «آمِن بمُعظِّم الله الذي منحنا الحياة.. ومُذل الدَّاعين إلى استعذاب الموت.. أنا صُنع الله.. منحني الله نبع الخلود.. وأذن لي في سُقيا المتنوِّرين بالعقل.. ووهبني قلبًا من حديد.. أقسو به على كل مَن لا يؤمن بقدرته على الخلود». هذه الشخصية التي تأتي بالمعجزات الوهمية، وتنتقل عبر الزمكان، وتراود أبطال الرواية – بمستوياتهم الاجتماعية والفكرية المتباينة – عن فكرة الخلود وقهر الموت، هي نفسها الشخصية التي تفتتح الأحداث، بعبارات وأسئلة توحي بدايةً بتخبطٍ وحيرةٍ وشكٍّ داخلي، عكس ما يظهر بعد ذلك من يقين عند مواجهة الآخرين والقبض على نقاط ضعفهم ليؤمنوا بالنبي المزعوم، وبرسالته الوهمية. ورغم أن لغة الرواية بسيطة و مباشرة، إلا أن السؤال المطروح مُربك، ومُزلزل، وأزلي، فهو ببساطة يسأل عن ماهية الوجود، وهل «الدنيا بسيطة والحياة شغالة؟» أم أن ثمة أمر خطير «يربض في الآفاق السحيقة»؟! هذا السؤال المربك، يدور في ذهن «صنع الله»، ذي الوجه الطويل، المهيب، الذي رفعه إلى «شمس الساعة التاسعة من صباح هذا النهار الشتوي الرائق في العام 1980 الميلادي»، والنظر إلى الشمس طويلًا، ليس سوى بابٍ جديدٍ للأسئلة يُفتح في ذهنه، وإنما يحمل في ذيله هذه المرة إجابة يقينية: «لا تُشرق الشَّمس كل يوم، وبهذا الانتظام الدَّقيق، لمجرَّد أن تمنح الآدميين نهارًا للعمل، أو لتهبهم الدِّفء في صقيع الشِّتاء، أو لتعطي حقولهم ضوءًا، يبني خلايا زروعها، فتثمر أكلًا يأكلونه، أو ليُعبِّئوا كهربتها في محطَّاتهم الشَّمسية، وإنَّما لأمر أخطر من هذه الأمور بمراحل».