أعلن في مؤتمر صحفي حضره مقاتلون، وتلا البيان الناطق الإعلامي باسم داعش الذي اختفى وراء قناع لكي لا يجري التعرّف على شخصه، انتقال داعش من الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى الخلافة الإسلامية، وأعلن تنصيب البغدادي خليفة للمسلمين وطالب المسلمين بمبايعته. لا شك في أنّ الإعلان مثير للضحك، لا سيما أنّ الشخص الثاني بعد الخليفة إضافةً إلى الخليفة ذاته، يخشى أن يخرج على الناس بشخصه ويعرّف عن نفسه، ولكن ما الذي دفع داعش للانتقال من الدولة إلى الخلافة؟ بدايةً لا بدّ من توضيح الفرق بين الدولة والخلافة. الدولة تعني أنّ كيان الدولة الإسلامية التي يسعى داعش إلى إقامتها محدّدة في نطاق جغرافي معيّن، وهو العراق وبلاد الشام. في حين أنّ الخلافة تعني أن تشمل إدارة الخلافة كلّ المناطق التي تقطنها غالبية مسلمة، وتتعدّى حدود العراق وبلاد الشام لتشمل بلاد المسلمين كلّها. ما دفع داعش إلى إعلان الخلافة والتخلي عن الدولة عاملان أساسيان: العامل الأول، السعي إلى إخضاع كلّ الحركات الإسلامية لسيطرة داعش، ولا سيما التنظيمات التي تنشط في العراق وبعض مناطق سورية، حيث يسيطر داعش. وتكريسه بوصفه المرجعية والقيادة الوحيدة لكلّ التنظيمات، وأيّ نشاط تقوم به أيّ تشكيلات إسلامية في مناطق سيطرته يجب أن تكون تحت قيادته وإمرته. وهذا يعني أنه على جميع الفصائل الإسلامية من جيش «النقشبندية» إلى «جيش الإسلام» إلى «هيئة العلماء المسلمين» إلى «جماعة أنصار السنة»، أن تبايع الخليفة البغدادي على السمع والطاعة وعلى الخضوع لإمرته. العامل الثاني، كسب مزيد من الأعضاء والناشطين في الحركات الإسلامية ودعوتها للانضمام إلى تنظيم داعش، فمن المعروف أنّ جميع الحركات الإسلامية من الإخوان المسلمين إلى الجماعات السلفية إلى تنظيمات القاعدة المختلفة، تثقف عناصرها والمنتسبين إليها بالادّعاء أنها تسعى إلى إقامة الخلافة الإسلامية، وإذا كانت قد قبلت أي شكل آخر من أشكال الحكم، فذلك مجرّد خطوة أولى على طريق التمكين تمهيداً لقيام الخلافة. اليوم إعلان الخلافة من قبل داعش يعني أنّ جميع مؤيدي الجماعات الإسلامية على شتى مشاربها، يتوجب عليه مبايعة الخليفة الجديد ودعم الخلافة، وكلّ من لا يقوم بذلك، يحارب الخلافة وغير صادق في الدعوة إلى قيامها. لا ريب في أنّ هذا الإعلان بدوافعه واستهدافاته ستكون له تداعيات فورية في العراق وسورية وعلى مستوى المنطقة برمّتها، ومن أبرز هذه التداعيات: أولاً، اشتداد الصراع بين الحركات والتشكيلات الإسلامية، ولا سيما في العراق وسورية، إذ إنّ هذا الإعلان سيضيف عاملاً جديداً إلى عوامل الصراع التي كانت وراء الاقتتال الدائر بين هذه الجماعات في سورية، لأنّ غالبية هذه الجماعات ستعارض هذا الإعلان بدعوى أنّ الظروف لم تنضج بعد لإقامة الخلافة، وهذا عمل متهوّر لا تمكن مجاراته. ثانياً، إنّ بعض أنظمة المنطقة، ولا سيما القريبة من حدود سيطرة داعش مثل الأردن والسعودية والكويت، ستجد نفسها أمام تحدٍ جديد لأنّ جماعات البغدادي الناشطة في هذه الدولة ستدعو حكامها إلى مبايعة البغدادي، وهذا أمر مرفوض بطبيعة الحال، ولكن هذا الرفض قد يعرّضها لعمليات يشنّها تنظيم داعش ضدّها. ثالثاً، إعلان الخلافة سوف يحرج الذين يتحدثون عن «ثورة شعبية» في العراق، ذلك أنّ سيطرة داعش الوحيدة، وإلغاء التشكيلات الأخرى بذريعة مبايعة الخلافة، لن تترك مجالاً للمناورة أمام الذين قللوا من شأن داعش في ما جرى أخيراً في العراق.