ربط الرئيس الأميركي باراك أوباما تقديم أي مساعدة فعّالة للعراق في حربه ضدّ «داعش» وحلفائها في التنظيمات المتطرفة، بتوحد الكتل السياسية العراقية التي عملت مع الاحتلال أثناء وجود القوات الأميركية والغربية في العراق. لكن أي تحليل موضوعي للموقف الأميركي هذا يمكن أن يفضي إلى الخلاصات الآتية: الخلاصة الأولى، إن وحدة الطبقة السياسية في العراق أمر مستحيل وصعب، وفشلت الولاياتالمتحدة طوال احتلالها العراق، على رغم الضغوط التي مارستها على هذه الطبقة، في الوصول إلى هذا الهدف، وجرت الانتخابات التي سبقت الانتخابات الأخيرة قبل جلاء القوات الأميركية عن العراق، وأسفرت نتائج تلك الانتخابات عن نتائج مماثلة للانتخابات الحالية، ومثلما فشلت الولاياتالمتحدة، رغم وجود قواتها في العراق، بتوحيد الطبقة السياسية فإن هذه الشروط لن تتحقق الآن، لأن توحيد هذه الطبقة من الأمور المستحيلة، ما يعني أن الولاياتالمتحدة وضعت هذا الشرط لتبرر عدم تقديمها أي دعم إلى الحكومة العراقية لمواجهة «داعش». الخلاصة الثانية، الولاياتالمتحدة مستفيدة من الهجوم الذي شنته «داعش» وحلفاؤها، لأن هذا الهجوم وما ترتب عليه من نتائج تراهن واشنطن على أنه يصب في مصلحتها، أولاً لأنه يحاول إرغام الحكومة العراقية على طلب المساعدة الأميركية، وهذه المساعدة تعيد إنتاج النفوذ الأميركي، وتضع الحكومة من جديد تحت الوصاية الأميركية. ثانياً لأن هذا الهجوم من شأنه أن يضغط على إيران، ويليّن موقفها الرافض المطلب الأميركي بأن يعترف بربط الملف النووي الإيراني بملفات إقليمية أخرى وبينها الملف العراقي، لا سيما أن هناك انتقادات داخل الولاياتالمتحدة، ومن حلفاء الولاياتالمتحدة الخليجيين بأن واشنطن هي التي ساهمت من خلال احتلالها العراق بتعزيز النفوذ الإيراني فيه. الخلاصة الثالثة، الولاياتالمتحدة لن تقدم أيّ دعم إلى العراق يتجاوز قيام طائرات أميركية من دون طيار، أو طائرات حربية أميركية، بالإغارة على مواقع لتنظيم «داعش» وهذا لن يغير في مجرى القتال كون الطائرات العراقية تشنّ هجمات أشدّ كثافة على هذه المواقع، ولو كانت لدى الولاياتالمتحدة قدرة على التورط في العراق لما انسحبت عام 2011 من هناك، أما دعم العراق بمعدات متطورة مدفوع ثمنها، مثل الطائرات والدبابات والصواريخ، فإن جماعات النفوذ الموالي للعدو «الإسرائيلي»، مدعومة من السعودية وقطر، فإنها لن تسمح لإدارة أوباما بتقديم مثل هذا الدعم حتى لو كان مقابل أموال عراقية، وليس دعماً مجانياً. في مطلق الأحوال الموقف الأميركي الأقرب إلى ابتزاز الحكومة العراقية أكثر منه إلى أي شيء آخر، يتوقع أن تنجم عنه تحولات مهمّة في علاقات العراق الدولية والإقليمية، وسيكون لهذه التحولات تأثير استراتيجي في مستقبل العراق والمنطقة: أولاً: إلغاء الاتفاقية المعقودة بين العراق وبين الولاياتالمتحدة التي تلزم الولاياتالمتحدة بحماية الحدود والأرض العراقية، بخاصة أن الولاياتالمتحدة لم تلتزم بتطبيق الاتفاق وأخلت بالتزاماتها. ثانياً: مواقف الإدارة الأميركية من هذه الأزمة ستقود إلى خسارتها آخر ما تبقى من نفوذ للولايات المتحدة في العراق كان من إرث الاحتلال الأميركي، سواء تجسد هذا النفوذ في خبراء تدريب الجيش، أو العقود الاقتصادية وخاصة في قطاع النفط. ثالثاً: بات العراق مضطراً إلى البحث عن مصادر لتسليح جيشه من دول أخرى غير الدول الغربية، مثل روسيا والصين وإيران، وبات صعباً على الولاياتالمتحدة منعه من ذلك، فمطلب تسليح الجيش أصبح حاجة ملحة ويملك العراق قدرات مالية تؤهله للحصول على السلاح من المصادر الممكنة.