مما لاشك فيه أن الكثيرين من الكتاب والمهمومين بالشأن العام، قد سبقونى فى الكتابة عن " مسخرة " الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بكل ما لها، وما عليها، والكثير من التساؤلات المقترنة بها، خاصة مدى حقيقة خلو اللجان من الناخبين، كما كان بادياً على شاشات التلفزة، مما اضطر الكثير منها إلى الدعوة الملحة للحشد والطلب من الناس سرعة النزول للمشاركة، بل التهديد بفرض غرامة 500 جنية لمن لا يشارك، رغم أن ذلك غير دستورى، والأهم، هو مد التصويت ليوم ثالث، دون مبرر حقيقى، مثل الزحام الشديد وطول الطوابير، على سبيل المثال، وما شاب هذه الانتخابات من تجاوزات كما يزعم البعض. وعلى اى الأحوال، سوف يعلن قريباً، وبصورة رسمية، فوز المشير عبد الفتاح السيسى، بمنصب رئيس الجمهورية، ويتلوه ذلك أداء القسم أمام المحكمة الدستورية العليا، لغياب البرلمان . وبطبيعة الحال، من السابق لأوانه، الحكم على الرئيس الجديد، بسبب غياب برنامجه الانتخابى، الذى هو بمثابة تعاقد بينه والناخبين، للحكم على البدايات، ومراقبة تصرفاته وقراراته، وتلك سابقة فريدة. بيد أنه ثمة ما هو ملح وضرورى، يتوجب عليه اتخاذ موقف صريح بشأنه، ومع كل الاحترام للرئيس الموقت السابق، يتمثل فى إلغاء بعض القرارات الجمهورية التى أصدرها ، وخاصة تلك التى لها سمة التحصين، لاسيما ما يتعلق منها بالمال والملكية العامة . كذلك سرعة أصدار قرار جمهورى بالعفو عن كافة سجناء الرأى والتعبير والذين تم اعتقالهم دون سند قانونى مبرر. والحقيقة، وبعد أن تذهب السكرة، وتأتى الفكرة، سوف يواجه الرئيس المنتخب تحديات جمة، تبدت تباشيرها فى صدام محتمل مع لوبى رجال الأعمال، الذين تذمروا من فرض ضرائب تصاعدية ورفع الدعم عن أسعار الوقود لمصانعهم، وهى مواجهة لا تقبل منطق التراجع أو الاستسلام. وفى السياق ذاته، عليه التدبر والاهتمام بفريقه المعاون وحسن اختياره، ومنح الشباب المزيد من الفرص. ويسرى الوضع على التشكيلة الوزارية المرتقبة، واختيار أفضل العناصر القادرة على الأحساس بواقع معاناة الشعب، ووضع الحلول العاجلة والمرحلية، وأهمية ذلك فى خطاب التكليف المرسل منه،اليها. اننا ندرك جيداً صعوبة المرحلة وخطورتها، وأن الرئيس لا يملك "العصا السحرية" لحل المشاكل، ولكن انحيازه للغالبية العظمى من الشعب، دون لبس أو مواربة، سيجعل هذه الغالبية تقف معه وتسانده، لتحقيق المصلحة الوطنية ومصالح هؤلاء البسطاء من الشعب. وفى المقابل، سيكون هؤلاء أول من بتذمرون عليه اذا كان انحيازه لغيرهم. على الجانب الأخر من الصورة، يتوجب وقف تلك الحملات التى تستهدف تشوية صورة المنافس الرئاسى، حمدين صباحى، ومحاولة اغتياله سياسياً. فهو مناضل وطنى شريف، قد تتفق معه أو تختلف فى رؤى ومواقف، لكن ذلك لا يبرر البتة تعمد اغتياله سياسياً. وتصدق مقولة "حتى التزوير له حرفيته"، حيث من غير المقبول القول بأن حمدين قد حصل على "صفر" فى لجان كثير، صوت فيها مندوبيه فى اليومين الأولين من الانتخابات، والكثير من الأصدقاء والأقارب!!. كما فى مسقط رأسه حصل على أصوات تقل كثيراً عن عدد التوكيلات المرسلة للجنة الانتخابية!!، والأمثلة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها. واذا كان الهدف تحسين صورة السيسى وشعبيته!! فلا تكون على حساب عدم احترام عقول الناخبين، وتشوية صورة المنافس. لقد انتهت الانتخابات، بكل ما شابها من أخطاء وخطايا، ولكن المهم هو استخلاص العبر والدروس المستفادة منها، لتكون قاعدة انطلاق حقيقية لتكملة الحلم وتحقيق أهداف الثورة. ومما له صلة، على كل المنتمين للتيار الناصرى المبادرة بطرح رؤية تتجاوز ما احدثته الانتخابات من تصدع وشروخ، والمطلوب عمله ليس فقط لتحقيق حلم وحدة التيار الناصرى، ولكن على أدنى تقدير، التوافق على خطة عمل فى الانتخابات البرلمانية والمحليات، تتيح حضور مؤثر وفعال لهذا التيار والفصيل الوطنى، وتلك مهمة ليست بالمستحيلة. وفى السياق الأشمل، وعلى حمدين، وغيره من انصار التيار المدنى الديمقراطى، محاولة إعادة بناء كتلة معارضة صلبة وقادرة على الحضور الفعال فى الاستحقاقات المقبلة، من برلمانية ومحليات، وتعميق اسس التواصل المباشر مع القاعدة الجماهيرية، وهى مهمة تحتاج الكثير من الجهد والعرق. وهذا يتطلب تجاوز كل اخطاء الماضى، مع كل التحية لمجهود أعضاء الحملة رغم الظروف والامكنيات الصعبة وغير المواتية. وفى التحليل الأخير، فقد انتهت مرحلة صعبة، وأمامنا ما هو أصعب، تفرض علينا مصلحة الوطن المزيد من الجهد والتكاتف لعبورها، واليأس خيانة لا مجال له، حلمنا ولازم نكمله، مهما طال السفر.