بصرف النظر عن شخص الرئيس القادم "المنتخب" الذي يعلق عليه كل المصريين كل الأمل في تحقيق الاستقرار بعد معاناة شاقة لأكثر من ثلاث سنوات ونصف، فإن شيئا من ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تم بناء القوة الذاتية اقتصاديا وعسكريا حتى تحتفظ مصر باستقلالها في مواجهة المشكلات المحلية والإقليمية والعالمية، وبعيدا عن التنسيق مع القوى الأخرى إلا إذا كان لصالح شعب مصر. هكذا يقول لنا تاريخ الشعوب التي حفر أبناؤها اسم بلدهم في سجل الدول القوية المسموعة الكلام والمهابة الجانب. وعلى هذا يتعين على الحكم القادم الاهتمام بالزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في المقام الأول، إذ لا يصح أن مصر البلد الزراعي تاريخيا لا ينتج من القمح إلا ما يكفي من 25-30% من حاجة الاستهلاك المحلي والباقي يتم استيراده بشروط سياسية، وإعادة النظر في التركيب المحصولي بحيث تأتي السلع الرئيسية في المقام الأول مثل القمح والقطن وليس الفواكه، وتجريم البناء على الأرض الزراعية كلية والتوسع العمراني في الأرض الصحراوية. وفي هذا السبيل ينبغي إيقاف سياسة تملك الأجانب في مصر، إذ لا يعقل أن يصدر في مصر قانون في عام 1947 بمنع تملك الأجانب وتؤكد عليه ثورة يوليو بقيادة عبد الناصر، ثم يأتي السادات ويأخذ بسياسة الانفتاح، وتفتح أبواب مصر لكافة أصحاب رأس المال من كل دول العالم فتملكوا عقارات وشركات وقاموا بدور الوكلاء التجاريين في الاستيراد دون إقامة مصانع للإكتفاء الذاتي، وإذا أقاموا مصانع فتكون للسلع الاستهلاكية الزائدة وليست الصناعات الضرورية لحاجات الناس الأساسية. والمشكلة في هذا النوع من الاستثمار الأجنبي أن الأرباح الناتجة عنه لا يعيد صاحبها استثمارها في صناعات أو مشروعات أخرى في البلد وإنما يضمها إلى رصيده خارج مصر. وفي هذا الخصوص ينبغي منع صاحب رأس المال المصري من استيراد أي سلعة كائنة ما كانت، وبدلا من أن يدفع أمواله للمنتج الأجنبي مقابل الاستيراد، عليه أن يضع أمواله في بناء مصانع للمنتجات التي يستوردها، ويجهزها بكافة الاحتياجات والمستلزمات، وعليه أن يعلم أن الذي بنى مفردات القوة في الغرب الأوروبي-الأمريكي في مختلف المجالات الإقتصادية، أصحاب رأس المال المحليون وليس الأجانب. وأيضا لابد من إحياء الصناعات الحربية في مصر لا أن نعتمد على المنح والعطايا بشروط سياسية فمن المعروف أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تشترط على من تبيع له أسلحة حربية في بلاد الشرق الأوسط ألا تستخدمها ضد إسرائيل. والأكثر ريبة أن تفرض أمريكا على مصر منذ عام 1979 أن لا تشتري السلاح إلا من أمريكا التي تحدد نوعيته، مثلما كان يحدث زمن البعثة البريطانية التي كانت في مصر بمقتضى معاهدة 1936 والتي اشترطت على مصر ألا تشتري السلاح إلا من إنجلترا، وألا يتم تدريب قواتها العسكرية إلا بمعرفة بريطانيا. وفي هذا الخصوص أيضا ينبغي توظيف البحث العلمي في مصر، ذلك أن مشكلة البحث العلمي ليست في توفير الميزانيات المالية اللازمة فهذه أمرها يسير مهما بدا أنه صعب. ففي مصر علماء لهم بحوث في مختلف المجالات لكن لا أحد يهتم بتطبيقها وينتهي بها المقام على رفوف المكتبة وحصول أصحابها على مكافأة مالية أو درجة علمية. ولا زلت أتذكر أني استمعت لأحد الباحثين في المركز القومي للبحوث في برنامج إذاعي، يقول إنه ابتكر حشرة كيماوية تأكل دودة القطن ويرقاتها دون حاجة إلى استخدام مبيدات حشرية من كل نوع، وتلك مقاومة بيولوجية دون إضرار بالزرع والضرع مثلما نأتي بقط ليأكل فأرا في البيت بدلا من رش مبيد قد يضر بأطفال البيت. فما الذي يمنع من توظيف هذا البحث حماية للبيئة وللزراعات المجاورة للقطن؟. إن الذي يمنع هذا أصحاب التوكيلات التجارية الذين يستوردون كافة أنواع المبيدات حتى تنمو أرباحهم وتخسر مصر الزرع والضرع. إن الهموم كثيرة والمشوار طويل لاستعادة مصر لأبنائها الذين ينتظرون أول قطرة ماء تروي غليلهم حتى تستقيم ظهورهم ومن ثم تدور عجلة الإنتاج لبناء القوة الذاتية.