تعانى محافظ الفيوم (ضمن محافظات الصعيد) من الفقر وارتفاع نسبة البطالة، وتصنف على أنها محافظة زراعية من الدرجة الأولى، ورغم أن الفيوم كانت إلى وقت قريب سلة الغذاء لمختلف محافظات الجمهورية، إلا أنها تعانى من نقص خطير فى مياه الرى، ورغم أن حصة المحافظة من مياه الرى تبلغ حوالى 2.6 مليار متر مكعب سنويًّا بزيادة قدرها 300 ألف متر مكعب يوميًّا عن العام الماضى، كما يؤكد المتخصصون بالرى، مخصصة لرى 399677 فدانًا، إجمالى المساحة الزراعية بالمحافظة، إلا أن مشكلة بوار الأراضى وجفافها وتلف المحاصيل الصيفية كلها أزمات يعانى منها المزارعون بالمحافظة. وتشير التقارير إلى أن أزمة الرى تبدأ ذروتها فى نهاية الترع بأراضى قرى الجمهورية بمركز طامية التى زارها وزير الرى خلال الأيام القليلة الماضية، وقرية البرنس والغرق بإطسا وقرية جبلة بسنورس، وكذلك جردو بإطسا، وقرى أبشواى فى أبوكساه وطبهار، رغم منع زراعة الأرز بقرار من المجلس المحلى السابق والدكتور جلال سعيد محافظ الفيوم الأسبق محافظ القاهرة الحالى، وهو ما تسبب فى حرمان 15 ألف فدان من زراعته بمحصوله الرئيسى، وماتت الزراعات والأشجار بقرية طبهار؛ بسبب ندرة مياه الرى. "البديل" التقى مزارعي القرى؛ ليعرض مشكلتهم، والتقى المسئولين بحثًا عن حل لها.. يقول أحمد الحسينى إن تلف زراعات المشمش والمانجو، بالإضافة إلى الزراعات الصيفية، أدى إلى بوار أكثر من 700 فدان على بحر أبو دنقاش العمومى، وأضاف عماد رجب (من قرية جبلة بمركز سنورس) أن انعدام مياه الرى أدى إلى بوار معظم أراضيهم التى يقتاتون منها، مؤكدًا أن أكثر من 100 فدان تقع على بحر جبلة بارت تمامًا، وأكد عرابى إبراهيم (من قرية البرنس) أن أكثر من 400 فدان بالناحية يموت زرعها بسبب قلة مياه الرى فى بحر البرنس؛ مما دفع معظم أبناء القرية إلى تركها والاتجاه إلى العمل فى القاهرة؛ لكى يستطيعوا الإنفاق على أسرهم، بعد أن بارت أراضيهم، وأصبحت الزراعة لا جدوى لها؛ بسبب نقص المياه وانعدامها فى النهايات. وكشف محمد إسماعيل (من قرية أبوكساة) عن أن انعدام مياه الرى أدى إلى جفاف المحاصيل التى ماتت بسبب نقص المياه، وأصبح معظم المزارعين لا يستطيعون الوفاء بديون بنك التنمية بعد بوار أراضيهم، مشيرًا إلى أنه هو وجميع المزارعين بالقرية تقدموا بشكاوى عديدة لمسئولى الرى بالمحافظة؛ لحل تلك المشكلة، لكن دون جدوى؛ مما أصاب المزارعين باليأس والإحباط، ويرى عبد القادر عبد الوهاب (من قرية الجمهورية، وهى من أشد القرى التى تعانى من هذه الأزمة؛ لوقوعها على نهاية ترعة الجمهورية) أنه على الرغم من صدور قرار بمنع زراعة الأرز فى المحافظة، إلا أن المشكلة لم يتغير منها شىء رغم أن محصول الأرز كان المتهم الأول المسئول عن ابتلاع مياه الرى وجفاف الزراعات وبوار الأراضى، وهو ما ثبت عكسه. واتهم محمد عبد العال قيادات الحزب الوطنى المنحل وأعضاء مجلس الشعب المنحل من أصحاب النفوذ بالاستيلاء على مقننات الرى، وهو ما أدى إلى تلف جميع الزراعات بالمنطقة، والتى تزيد على 1800 فدان، مؤكدًا أن هذه الأراضى ظهير صحرواى، ولا يحق لها الرى من المياه العادية، خاصة أن الحكومة خصصت آباراً لرى تلك الأراضى، وللأسف أجهزة الرى غضت أعينها عن هذه المخالفات، مشيرًا إلى الإجراءات التى اتخذتها المحافظة لحل هذه المشكة قائلاً "هناك لجنة قامت المحافظة بتشكيلها، خصصت لكل مركز يوماً للمرور على المناطق التى تعانى من الجفاف وقلة مياه الرى والعمل على حلها"، وأضاف أن المشكلة سببها عدم العدالة فى التوزيع، واستيلاء البعض على حصص الآخرين، خاصة الذين قاموا باستصلاح أراض صحراوية غير مخصص لها مياه، وقال عادل محمد إن انعدام عدالة التوزيع السبب الرئيسى لأزمة الرى فى الفيوم، موضحًا أن أصحاب الأراضى الموجودة على رأس الترع يستولون على حصة المياه كلها عن طريق الماكينات، وهو ما جعل كثيرًا من المياه تُفقَد فى المصارف العمومية دون فائدة، وأدى إلى ارتفاع منسوب مياه بحيرة قارون، وكذلك عدم الاهتمام بتطهير فتحات الترع الرئيسية، وهى سبب الأزمة التى يعانى منها أهالى قرية جردو بإطسا؛ وذلك بسبب أن ترعة الصوفى المغذية لها لم يتم تطهيرها منذ زمن؛ مما أدى إلى فقد كميات من المياه فيها دون الوصول إليهم، وإذا وصلت، كانت ضعيفة للغاية. من جانبه أكد الدكتور صابر عطا عضو مجلس الشعب أن أكثر من 1000 فدان على بحر أبو كساة العمومى بارت بسبب وقوع أراضى القرية فى نهايات بحر سنرو، حيث تكثر التعديات، إلى جانب إلقاء بعض الأهالى للمخلفات فى مياه الترع؛ مما يؤدى إلى ارتدادها وعدم وصولها إلى الأراضى المستهدفة، فتلفت زراعات القطن، وتساقطت أوراق أشجار المانجو. محافظ الفيوم الدكتور حازم عطية الله وصف الأزمة بأنها "خانقة"، مؤكدًا في الوقت ذاته أنها فى طريقها للحل، مشددًا على أن حصة المحافظة من مياه الرى لم تتأثر، متحديًا من يدعى وجود عجز فى مياه الرى، ملقيًا المسئولية على عاتق المزارعين "الذين لا يراعون ربهم فى الجور على مياه الآخرين"، خاصة الذين يستصلحون أراضى صحراوية ليست لها مقننات مائية، ويستولون على المقننات المائية للمزارعين. وهنا يظل السؤال الذى يطرح نفسه: هل يتحرك المسئولون لإيجاد حلول جذرية لأزمة الرى، أم تظل أراضى بلد السواقى تعانى من العطش؟