لم أشاهد فيلم " حلاوة روح " لأني بنظرة أولى لأفيشات الفيلم، وبلمحة عابرة للإعلان الترويجي لم أجد اختلافا واضحا أو تمايزا ظاهرا يجعل المرء يدخل ليشاهد هيفاء وهبي في مغامرة غير محسوبة بالمرة، ولكن يبدو جليا أن الفيلم كسابقيه من الأعمال الفنية – في تلك الحقبة- التي لوثت الدراما فيها أسماعنا وأبصارنا وألقت أبناءنا في غياهب فكر لايعلم مداه إلا الله وصناع السينما. لماذا الانزعاج؟ أرى أن الأمور تسير بشكل طبيعي، فيلم لم يخرج عن نهج السواد الأعظم من صناع السينما الذين لا يشغل بالهم إلا اللعب على وتر الغرائز الجنسية، والتفتيش عن أسوأ النماذج في المجتمع لنشرها، والبحث عن الرموز المضيئة لتشويهها. فما الذي حدث إذن لنشهد هذه الانتفاضة الأخلاقية على "حلاوة روح" من أناس كانوا لا يتورعون عن اتهام كل من تسول له نفسه الحديث عن الفن الهادف أو وضع إطار أخلاقي بأنه رجعي يحارب الإبداع، متخلف لا يفقه معنى الفن! سيقولون لك نحن مع الإبداع ولكنَّا فقط نريد العودة إلى زمن الفن الجميل، الذي لم يكن يقدم هذا الإسفاف ولم ينسحق أبدا بمستوى الفن إلى مثل هذا الانحدار والسقوط. حسنا. هل تقصدون أفلام نادية الجندي التي هزت كل شئ إلا عرش مصر! أم عادل إمام الذي كان يتباهى بضرب مؤخرات الممثلات ليُنَصَّب بعد ذلك زعيما للفن! أم أنكم لم تعرِّجوا أبدًا على أفلام المقاولات لتعرفوا أن السبكي لا يفنى ولا يستحدث، ولكنه يتحول من صورة إلى أخرى. أمَّا إن كنتم تقصدون العودة أكثر فأكثر إلى الماضي النقي الجميل (الأبيض والأسود يعني ) فماهو الفرق بين حسن يوسف ( الولد الشقي وصائد الفتيات) وبين تامر حسني (نجم الجيل)؟ لن تجد أدنى فرق بينهما غير أن دم تامر وشعر صدره أثقل فقط. هل مازلتم تتكلمون بأن نجوم الفن الجميل كانوا قدوة للشباب؟ مع أنك لو دققت قليلا ستجد أن أكثرهم التزامًا في الأفلام كان من البيت للكباريه ومن الكباريه للبيت! أيُّ قيمة كانت تقدمها تلك الأفلام سوى الحبكات الدرامية التي كانت تغرس فينا التعاطف مع بطلة الفيلم والتي لاتفارق الخمرة يداها – سواءً كانت سيدة الشاشة العربية أو فتاة ليل- إذا قررت الهروب من بيتها، بل نتمنى ألا يعرف لها أبوها طريقا حتى تنعم بالحياة السعيدة مع عشيقها! ألم تكن هذه هي القيم التي ربتنا هذه الأفلام عليها؟ أمَّا أفلامنا الدينية فحدِّث ولا حرج، فنصف مَشاهد الفيلم للكفار الذين يأكلون الفاكهة الطازجة ويتراقصون مع الجواري، والنصف الآخر وهم يعذبون المسلمين، ولولا الملامة لصوروا الكفار وهم يغتصبون أصحاب الدين الجديد(لزوم الحبكة الرامية برضه)، المهم إن البطل والبطلة يدخلوا الإسلام ويتجوزوا بعض في الآخر.. حِبُّوا بعض. الفن مرآة الشعوب، أما في مصر فهو تدمير للأخلاق وتغييب للعقول، ولاأرى هنا أبلغ من قول محمد قطب بأن ارتباط الفن بالدين لا يضيق مجالاته كما يفهم البعض، ولا يحوله إلى مواعظ دينية كما يفهم البعض الآخر، إنما يوسع مجالاته فى الحقيقة ويعمقها، وينظفها فقط ويطهرها من الأرجاس.