هو آخر حلقة من جيل شعراء ورواة السيرة الهلالية العظام، الحاج سيد الضوي، الذي مازال وهو في الثمانين من عمره المديد، يطرب عشاق السيرة في كل محافظات مصر، ويحفظ موعده السنوي مع عشاقها في بيت السيحمي، كل رمضان. في 2011 أخرجت السويسرية ساندرا جيسي، وأحمد عبد المحسن، فيلماً تسجيلياً طويلا بعنوان «سيرة آخر الأبطال»، عن«الضوي» الذي ولد بقوص في محافظة قنا، عام 1934، ولم يتلق تعليمًا، لكنه حفظ من أبيات السيرة الهلالية ما لم يحفظه غيره، بعدما تتلمذ على أيدي كبار رواتها مثل والده «الضوي الكبير» منذ طفولته، فقد ارتبطت حياته بها منذ وقع في غرامها صبيًا. مؤخرًا، كرمه مهرجان دوم للحكي، في أولي دوراته باعتباره الرمز الأكبر للحكي الشعبي، وفي حواره مع «البديل»، انتقد شاعرنا رواة السيرة في وجه بحري، ومن يتعلمها من شباب المطربين دون أساس قوي. قال: الصعيد هو من أبدع السيرة وحافظ عليها، ورثتها الأسر لأبنائها كميراث عليهم الحفاظ عليه، وارتبطت بالربابة الآلة فرعونية الأصل، أما في وجه بحري تجد الرواة "سيد حواس وعلي الوهيدي" وغيرهم، يقولونها كأنهم "بيكلفتوها" ويختصروها، فما يقوله شاعر السيرة في أيام بالصعيد، يمر عليه راوي بحري في دقائق، دون إعطاء السيرة والمستمع حقه في الاستمتاع بها، والسيرة في الصعيد تقدم بفن المربع وليس المواويل كما في بحري. وما رأيك في استخدام رواة بحري للكمان بدلًا من الربابة؟ الكمنجة مش بتاعة السيرة، السيرة انصاغت للربابة، وأي حاجة تانية تبوظها. في بحري يروونها على العود والكمنجة، وهذه الآلات تنفع مع أغان أخرى وليس مع السيرة. وماذا عن أداء الشباب لها، خاصة ممن حفظوها على يديك في ورشة المخرج حسن الجريتلي؟ كويسين، البنات و«زين محمود» وابنه «ربيع» ومطربين من المنيا، لكن المشكلة إن بناء الفنان من غير أساس ما ينفعش، هم أخذوا أجزاءً بسيطة جدًا من السيرة، لكنهم لا يستطيعون أن يلونون في الأداء، لأنهم يختلفون عن من تربى على السيرة وتشربها وحفظها طوال حياته، كما نفعل مع أولادنا، وكما تربينا، لذلك أنا نفسي يتنوع أدائي في كل مرة، مثلا هناك طريقة المربع، والطريقة السهلة السريعة، وأداء الثلث، وأداء بالقافية. الشباب الذين يحفظون السيرة في الورش لا يستطيعون إلا إتقان الطريقة السريعة السهلة، لأنها ليست مهنتهم التي يمتلكونها ويسيطرون عليها. وكيف حفظت السيرة؟ كنت أصاحب والدي «الضوي الكبير» أحد أعظم رواة السيرة، وحفظتها عنه وعن عم «جابر أبوحسين»، الذي سجل معه الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، السيرة بصوته لإذاعة صوت الشعب في الثمانينات، ومنذ سن الخامسة عشر دفعني والدي وعمي «جابر»، لأقول السيرة، وارتبطت حياتي بها، ومثلهم حفظت حوالي 5 ملايين بيت، غير أبيات الزمن ومديح الرسول وغيرها، وسافرت لكل المحافظات داخل مصر وفي الدول العربية والأوربية أروى السيرة. متي بدأ مشروعك لتوثيقها مع «الأبنودي»؟ بدأت صداقتي و«عبد الرحمن» منذ الطفولة، فكنا نسير معًا وراء والدي وعمي «جابر»، ونحن صغار، وكان هو مغرمًا بالسيرة، حتى أنه كان يترك دراسته ليصاحبنا في حفلات أبي، وفي السنوات الأخيرة كنا نلف معًا، أنا أرويها، وهو يشرحها للجمهور، خاصة في شهر رمضان، ثم سجلنا هذه الحلقات للتليفزيون، وكان الشرح ضرورة لأنه الجمهور ليس مثل جمهورنا في الصعيد، الذي يفهم اللهجة وتفسير الكلام والتشبيهات وغيرها. هل تعلمها الجيل الجديد بالصعيد كما تعلمتها أنت؟ السيرة ميراث في العائلة، لابد أن يحفظه الجميع كل بقدر استطاعته، وبالطريقة التي تناسبه، حتى من يتوظف ويعمل في مهنة أخرى، عليه أن يحفظها، أولادنا المتعلمين يكتبونها، ومنهم من يستطيع الحفظ شفاهة ومنهم من يسمع تسجيلات، وفي فرقتي أقوم بتحفيظ حفيدي وابن أختي. وماذا عن الاختلافات بين روايات السيرة؟ السيرة بحر واسع وأجزاء كثيرة، يحفظ كل واحد قدر استطاعته، كما أن الأداء لابد من حفظه شفاهة، لأن فيه تنويعات كثيرة. فسيرة بني هلال تحتل جزءً مهما من التاريخ العربي، تعود للعصر الفاطمي، وإحدى أشهر القبائل العربية، التي عاشت ولا يزال أسلافها يعيشون، من البحرين للمغرب، عبر بلاد الحجاز والشام والعراق وصولًا لمصر وتونس والسودان ونيجيريا. وهل اختلف جمهور السيرة اليوم عن زمان؟ الناس الكبيرة بتاعت زمان راحت، هم الجمهور الذي تربي عليها كجزء أساسي من شخصيته وتقاليد الحياة في الصعيد. لكن هناك جمهور جديد من الأولاد الصغار، التلاميذ، بدأوا من 3 أو4 سنين يستمعوا لها، لا يحفظونها مثل الكبار، لكن يهتمون بفهم الأحداث ويتذوقونها.