في عالم الحيوان، بعض الطيور والحيوانات لا تظهر إلا وقت الموت والدم، لأنها تتغذى إلا على جثث الأموات من بني عالمها، أو من بني البشر. وهذا هو المدرك الوحيد الذي استطاع بعض بني البشر تحصيله وتعلمه من عالم الحيوان.. هؤلاء يظهرون في أحداث كالحروب، فيتاجرون بأقوات البشر، ويمتصون دماءهم غير عابئين إلا بتكوين الثروات وكنز الكنوز! نموذج رأيناه في فيلم «السوق السوداء» عام 1945 للمخرج كامل التلمساني، حيث بعض التجار يستغلون فترة الحرب فيحتكرون السلع الأساسية ويعملون على تخزينها والتحكم في أسعارها ليكونوا الثروات من دم المجتمع. وتكرر عرض هذا النموذج في فيلم «الفتوة» عام 1957 للمخرج صلاح أبو سيف. هكذا كان الفن السينمائي في مصر يؤدي دوره تجاه المجتمع فيعرض مشكلاته ويطرحها في إطار من الضوابط والقيم الفنية والخلقية التي تنظر إلى الفن بوصفه «رسالة».. تلك الرسالة التي جعلت المنتجة الراحلة «آسيا داغر» تعلي من شأن القيمة والمضمون على حساب أموالها وتنفق كل مالها على إنتاج فيلم «الناصر صلاح الدين» عام 1963 للمخرجين مصطفى العقاد ويوسف شاهين، لتفلس بعده غير نادمة. وبين 1945 و2014 مسافة طويلة من الانحدار والتردي على مستوى القيمة والرسالة.. انحدار جعل أسرة تدخل عالم السينما منذ عقود، بادئة بنادي فيديو لتسويق الأفلام الأجنبية داخل مصر، ثم إنتاج أفلام جيدة فنيا مثل «مستر كاراتيه 1993»، «حلق حوش 1997»، «الرغبة 2000»، لتتحول سريعا مع الأزمة التي عصفت بالسينما المصرية وإنتاجها، وتستثمر هذه الأزمة لتكون ثروات غير عابئة بالمجتمع المصري وقيمه وبنيته. ومع اشتداد أزمات المجتمع المصري، وامتلاء شوارع مصر بالمظاهرات من أجل غد أفضل ومستقبل أفضل لمصر، الإنسان والوطن، ورغم الدماء التي سالت من أجل هذا الهدف، ورغم الضغوط والمؤامرات التي حيكت وتحاك ضد هذا الوطن حتى لا ينمو ويرتقي ويتقدم ومحاولات تفتيته وتقزيمه، تزايدت معدلات ومظاهر الانحدار والإسفاف من أصحاب هذه النوعية من الأفلام، فبدلا من الاكتفاء بأفلام تمتلأ بالبلطجية والسوقة، يظهر الفيلم الأخير «حلاوة روح» ليضيف إلى هذه البذاءات استغلال الأطفال جنسيا، أو على الأقل توجيههم للانحرافات الجنسية في سن مبكرة، من خلال علاقة غير مستقيمة بين أحد أطفال الحارة «كريم الأبنودي» وقنبلة الحارة الجنسية «هيفاء وهبي». «البديل» تحاول رصد ظاهرة استغلال الأطفال في الأفلام والآثار المترتبة على ذلك.. يقول هاني هلال – الأمين العام للائتلاف المصري لحقوق الطفل، موقفنا كمنظمة حقوقية من قرار منع «محلب» عرض «حلاوة روح» واضح، لأنه قرار سيادي صدر عن مجلس الوزراء متخطيا القنوات الشرعية المنوطة بمنع الفيلم كجهاز الرقابة علي المصنفات الفنية، وفي رأيي كان علي رئيس الوزراء مقاضاة الفيلم قانونيا معه وترك قرار المنع للرقابة. وعن محتوى الفيلم وعلاقته بالطفولة، قال «هلال» إنه شاهد الفيلم ولا يتحدث من فراغ، فالفيلم انتهك حقوق الطفل بفجاجة وعلي أكثر من مستوي، أولها أن شخصية بطل الفيلم «الطفل كريم الأبنودي» عمره 13 عاما وهذا مخالف لقانون الطفل المصري رقم 26 لسنة 2008 في المادة 64 التي تنص علي أن سن التشغيل للطفل في مهن ليست خطرة وتناسب عمره 15 عاما. أما ثاني الانتهاكات، فهي مخالفة نص المادة 65 لقانون الطفل التي تحظر تشغيل الأطفال في نوعية عمل تضر بصحته أو أخلاقه أو نفسيته، وهو ما أساء إليه اشتراك «كريم» في فيلم كهذا، حيث تم استغلاله في أسوأ أنواع العمل، فضلا عن مخالفته المادة 116 لنفس القانون التي نصت علي «يحظر بث أو إنتاج أي أعمال يشارك فيها أطفال بها إباحية». وأوضح أن «حلاوة روح» تضمن مشاهد يتلصص فيها الطفل علي البطلة أثناء نومها في أوضاع شبه عارية، بالإضافة إلى المشهد الأول الذي فشل الأشرار خلاله في اغتصاب البطلة، وقيامها باحتضان الطفل وتقبيله، ثم تخيله أنه يمارس الجنس معها. وأضاف «هلال» أن صناع «الفيلم» يمارسون جريمة استدعاء غرائز الأطفال الجنسية وتفجيرها قبل أن يكتمل نمو هؤلاء الأطفال العقلي والبدني والنفسي والفسيولوجي، حيث نجد الطفل في مشاهد أخرى يفخر أمام أصحابه في الحارة برؤيته البطلة في أوضاع جنسية. بالإضافة إلى استدعاء العنف لدى الأطفال، الذين يحلون مشاكلهم في الفيلم عن طريق تصنيع المولوتوف واستخدام المطواة، وتصدي البطل/الطفل لمغتصبي البطلة بالبلطجة لا بالقانون. واختتم الأمين العام للائتلاف المصري لحقوق الطفل قائلا إن كل الرسائل التي جاءت بالفيلم تعد شكلا من أشكال الاستغلال الجنسي والإتجار بالطفل، حيث خالف الفيلم حوالي 7 مواد من قانون حماية الطفل المصري رقم 26 لسنة 2008، مجمل عقوبتها غرامات أو حبس، حيث تعاقب المادة 291 الاستغلال الجنسي للأطفال بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات، وغرامة تتراوح من 50 إلى 200 ألف جنيه، ويعاقب من أنتج أعمالا إباحية تم استغلال الأطفال بها بالسجن 20 عاما وغرامة تصل إلى 50 ألف جنيه. وأكد «هلال» أن الائتلاف يسعي حاليا للمطالبة بتعديل اللائحة الخاصة بالرقابة علي المصنفات الفنية، من خلال الاستعانة بالمختصين في قضايا الطفل والمرأة بالرقابة، حتى يتم الاتفاق علي المعايير الخاصة باستخدام الأطفال والمرأة في السينما، ومراجعة السيناريوهات مع الرقابة قبل إجازة عرضها، لكي تكون لدينا رقابة سابقة وليست لاحقة، من أجل تجفيف المنابع التي تولد العنف ضد المرأة والاستغلال الخاطئ للأطفال في الأعمال «الفنية». من جانبه، قال محمود البدوي – رئيس إئتلاف شبكة الدفاع عن الطفل المصري، إن الائتلاف كان دائما مع حرية الإبداع، لكنه لن يدعم فيلما يتم استغلال الأطفال فيه ويحرض علي الفسق والفجور بادعاء أن هذا فنا أو حرية رأي، فالفيلم يشجع علي ممارسة الأطفال الانحراف، من خلال معالجة سيئة يتحول خلالها بطل الفيلم الطفل – الذي يحمل المطواة ويتعاطى المخدرات ويعشق سيدة متفجرة الأنوثة ويتخيل علاقة جنسية معها – إلى قدوة لأكثر من 27 مليون طفل مصري من جملة السكان، حيث يشكل 37% من جملة السكان أعمار تحت 18 عاما، ويتحول هذا المحتوي غير الأخلاقي إلى أسلوب حياة للأطفال في هذه الأعمار الخطرة. وتساءل «البدوي» في استنكار: كيف سيتعامل الطفل في المدرسة مع مدرسته أو جارته أو أخت زميله أو ابنة خالته أو غيرها بعد مشاهدة هذا الفيلم؟! وعن المستوى الفني والقيمي الذي يمكن تقديم الطفل في إطاره، أشار «البدوي» إلى نماذج أفلام الطفلة «فيروز» التي كانت تقدم صورة الطفلة الشقية الذكية التي تبهر الكبار والصغار على السواء، بل ذهب صناع السينما وقتها إلى طرح قضايا مصر الكبرى من خلالها، حيث رمز بها في فيلم «فيروز هانم» للمخرج عباس كامل عام 1951 إلى مصر كلها، التي ترفض الوصاية البريطانية وتعلن ذلك في أغنية النهاية. وقالت الدكتورة عزة هيكل – الناقدة الفنية وعضو المجلس القومي للمرأة، «حلاوة روح» حلقة في سلسلة مجموعة أعمال لا يمكن تسميتها بأفلام، هدفها الربح علي حساب الفن بدعوى الواقعية، مشيرة إلى أن قضية كل القائمين علي العمل هي الجذب عن طريق الإثارة والجنس، وعلى صناع الفيلم أن يعلنوا صراحة أنهم يقدمون أفلاما جنسية. وتعجبت «هيكل» من تحايل بعض أصحاب الفيلم بقولهم إن الفيلم مكتوب عليه لافتة للكبار فقط، رغم أن الدولة لم تطبق هذا القانون. أما عن الصورة السلبية للمرأة في الفيلم، فأوضحت «هيكل» أن صناع هذا العمل يقدمون المرأة كسلعة مستغلين الكلمات الرنانة، وإذا كان الهدف طرح قضايا فلننظر إلى معالجة فنية حقيقية قدمها فيلم مثل «الخيط الرفيع» للمخرج عام 1971 للمخرج هنري بركات، حيث قدم السيناريو رائعة الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس في عباءة سينمائية فنية راقية، فرغم أن بطلته كانت امرأة تبيع جسدها للرجال، فإننا لم نشاهد خلال أحداثه إساءة أو إهانة للمرأة أو المتاجرة بها بتعرية الجسد أو بذاءة اللسان أو فجور النظرات. وأبدت «هيكل» دهشتها من موقف والدة الطفل «كريم» بطل الفيلم، وهي الأستاذة الجامعية، حيث تدافع عن دور ابنها في الفيلم وتدعي تقديمه «رسالة»، بل تدافع عن «السبكي» منتج الفيلم وتقول إنه يساهم في بناء اقتصاد مصر بأفلامه!! بينما قالت الدكتورة عزة العشماوي – أمين عام المجلس القومي للطفولة والأمومة، إن حماية الطفل والأسرة لا تنفصل عن حماية الوطن بأكمله، لأن إفساد أخلاق الأطفال ينعكس علي زيادة معدلات العنف والجريمة في المجتمع، وهذه الأفلام تعد تهديدا لسلامة المجتمع كله، وتساعد علي انتشار حالات العنف الجنسي ضد الأطفال، في ضوء الأرقام المرعبة التي رصدها المجلس خلال الأسبوعين الأولين فقط من أبريل حيث تم رصد 34 حالة عنف ضد الأطفال؛ وبلغت حالات قتل الأطفال 11 حالة، وحالات عنف الأطفال 8 حالات، و7 حالات إهمال نتج عنه قتل أو إصابات للأطفال، و5 حالات خطف وإتجار بالأطفال، وحالتي اغتصاب لأطفال، وحالة تعذيب. ومن جانبه، قال محمد سعيد – منسق مبادرة كما تدين تدان لمكافحة التحرش الجنسي، إن المبادرة تنظم وقفة احتجاجية يوم الخميس المقبل للمطالبة بالتصدي للسينما الهابطة، مشيرا إلى أن «حلاوة روح» وأمثاله تؤدي إلى مزيد من حالات التحرش الجنسي خاصة مع موسم أعياد الربيع، مشيرا إلى أن المبادرة كانت ترصد سلوكيات الأطفال وتقليدهم أبطال الأفلام "السبكية" بعد مشاهدتهم لها دون أي رقابة وانتهاكهم لأجساد الفتيات بالشوارع.