«المصريين الأحرار» يتدخل لحل مشكلة الكهرباء بمزرعة «القومي للبحوث» بالبحيرة    وزير الأوقاف: دراسة علم الآثار من فروض الكفاية (صور)    صرف مكافأة نهاية الخدمة للمحالين للمعاش بالصحف القومية    وفد سياحي متعدد الجنسيات يزور المناطق الأثرية بالمنيا    جيلي كولراي موديل 2022 كسر زيرو بأقل من مليون جنيه    محافظ القليوبية يناقش تنفيذ عدد من المشروعات البيئة بأبي زعبل والعكرشة بالخانكة    حصاد 4 آلاف فدان من محصول الكمون في الوادى الجديد    حماس تعلّق على إعلان الاحتلال بدء عملية عسكرية جديدة في جباليا    مهند العكلوك: مشروع قرار لدعم خطة الحكومة الفلسطينية للاستجابة لتداعيات العدوان الإسرائيلي    الرئيس الكولومبي يطالب «الجنائية الدولية» بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو    موعد المباراتين المتبقيتين لأرسنال بالدوري الإنجليزي    الدوري الإنجليزي.. سون يقود هجوم توتنهام أمام بيرنلي    ميتروفيتش يقود هجوم الهلال أمام الحزم    ننشر خريطة المدارس التكنولوجية التطبيقية ATS وIATS بالمحافظات -مستند    تأجيل محاكمة 35 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها في المقطم ل10 يونيو المقبل    اليوم العالمى للمتاحف.. متحف إيمحتب يُطلق الملتقي العلمي والثقافي "تجارب ملهمة"    لمدة أسبوعين.. قصور الثقافة تقدم 14 مسرحية بالمجان بالإسماعيلية وبورسعيد وشرم الشيخ    إيمي سمير غانم ل يسرا اللوزي بعد رحيل والدتها: "هنقعد معاهم في الجنة"    وزير الأوقاف يحظر تصوير الجنائز بالمساجد مراعاة لحرمة الموتى    عمرو الورداني للأزواج: "قول كلام حلو لزوجتك زى اللى بتقوله برة"    رئيس صحة الشيوخ في يوم الطبيب: الدولة أعطت اهتماما كبيرا للأطباء الفترة الأخيرة    وزير الصحة الأسبق: تاريخ مصر لم ينس تضحيات الأطباء    «هشمت رأسه وألقته من أعلى السطح».. اعترافات المتهمة بقتل زوجها في قنا    استعدوا لنوم عميق.. موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    إلغاء جميع قرارات تعيين مساعدين لرئيس حزب الوفد    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    وزير التموين: مصر قدمت 80 ٪ من إجمالي الدعم المقدم لقطاع غزة    أخبار الأهلي : طلبات مفاجئه للشيبي للتنازل عن قضية الشحات    آخرها هجوم على الاونروا بالقدس.. حرب الاحتلال على منظمات الإغاثة بفلسطين    نتائج منافسات الرجال في اليوم الثاني من بطولة العالم للإسكواش 2024    «الأرصاد» تكشف حقيقة وصول عاصفة بورسعيد الرملية إلى سماء القاهرة    رئيس الوزراء: نستهدف الشركات العالمية للاستثمار في مصر    التنمية المحلية: استرداد 2.3 مليون متر مربع بعد إزالة 10.8 ألف مبنى مخالف خلال المراحل الثلاثة من الموجة ال22    قروض للشباب والموظفين وأصحاب المعاشات بدون فوائد.. اعرف التفاصيل    تسلل شخص لمتحف الشمع في لندن ووضع مجسم طفل على جاستن بيبر (صور)    باسم سمرة يكشف سر إيفيهات «يلا بينا» و«باي من غير سلام» في «العتاولة»    جامعة القاهرة تستضيف وزير الأوقاف لمناقشة رسالة ماجستير حول دور الوقف في القدس    البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالرحاب    الإمارات تهاجم نتنياهو: لا يتمتع بأي صفة شرعية ولن نشارك بمخطط للمحتل في غزة    تأجيل محاكمة المتهم بقتل 3 مصريين في قطر    عقوبة استخدام الموبايل.. تفاصيل استعدادات جامعة عين شمس لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    إحالة العاملين بمركز طب الأسرة بقرية الروافع بسوهاج إلى التحقيق    مباشر مباراة المنصورة وسبورتنج لحسم الترقي إلى الدوري الممتاز    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    «صفاقة لا حدود لها».. يوسف زيدان عن أنباء غلق مؤسسة تكوين: لا تنوي الدخول في مهاترات    وزيرة التضامن: 171 مشرفًا لحج الجمعيات.. «استخدام التكنولوجيا والرقمنة»    القاهرة الإخبارية: أنباء عن مطالبة الاحتلال للفلسطينيين بإخلاء مخيمات رفح والشابورة والجنينة    التنمية المحلية: تنفيذ 5 دورات تدريبية بمركز سقارة لرفع كفاءة 159 من العاملين بالمحليات    بعد وصفه ل«الموظفين» ب«لعنة مصر».. كيف رد مستخدمي «السوشيال ميديا» على عمرو أديب؟    معسكر مغلق لمنتخب الشاطئية استعدادًا لكأس الأمم الأفريقية    شروط وأحكام حج الغير وفقًا لدار الإفتاء المصرية    تفاصيل زيارة وفد صحة الشيوخ لمستشفيات الأقصر    «الصحة»: نتعاون مع معهد جوستاف روسي الفرنسي لإحداث ثورة في علاج السرطان    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 11-5-2024    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    الشيبي يهدد لجنة الانضباط: هضرب الشحات قلمين الماتش الجاي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.صبري محمد خليل: عبد الناصر والقضية النوبية
نشر في البديل يوم 10 - 04 - 2014

التقييم السليم للعلاقة بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والقضية النوبية، يتحقق من خلال تجاوز التقييم الذاتي (العاطفي)، والالتزام بالتقييم الموضوعي( العلمي العقلاني)، والذي يستند إلى الحقائق الموضوعية التاريخية، ومن هذه الحقائق:
أن القضية النوبية سابقة على قيام ثوره يوليو: إن القضية النوبية بمشاكلها المتعددة، ظهرت قبل عهد عبد الناصر بعد قيام ثوره 23 يوليو 1952، كما أنها ظلت مطروحة بعد وفاته عام 1970، لذا لا يجوز اختزال القضية في مشكله تهجير النوبيين، والتي تفاقمت – ولم توجد لأول مره – نتيجة لبناء عبد الناصر للسد العالي.
كما أن فكره بناء السد العالي سابقه على قيام ثوره يوليو، وأن عبد الناصر قد قام بتنفيذها فقط، وكحل ضروري لمشكله المياه في مصر، المتمثلة في تذبذب منسوب مياه النيل بين ارتفاع منسوبها، وما يترتب عليه من فيضانات، وانخفاض منسوبه، وما يترتب عليه من قحط ومجاعه، وهى مشكله لا زمت تاريخ مصر عبر قرون.
كما أن مشكله تهجير النوبة لم تظهر في عهد عبد الناصر، بل ظهرت قبل عهده، حيث كانت بداية تهجير النوبة مع بناء خزان أسوان عام1902،الذي ارتفع معه منسوب المياه خلف الخزان،ليغرق عشر قري نوبية وقام أهالي هذه القرى بالهجرة طواعية إلي قري في البر الغربي وإلي مختلف المحافظات المصرية,وبعد ذلك حدثت التعلية الأولي للخزان عام 1912 ، وارتفع منسوبا لمياه وأغرق ثماني قري أخري,وبعد ذلك جاءت التعلية الثانية للخزان عام1933وأغرقت معها عشر قري أخري، وفي الخمسينيات بدأت الدراسات لإقامة السد العالي، وتم ترحيل أهالي المنطقة إلى هضبة كوم أمبو خلف السد العالي 1963 .
لا تناقض بين علاقتي الانتماء العربية والافريقية: كما أن تبنى جمال عبد الناصر للقومية العربية لم يلزم منه اتخاذه موقف سلبي من القضية النوبية- على المستوى الأيديولوجى – لأنه تبنى القومية العربية،على وجه يجعل العلاقة بين علاقة الانتماء العربية كعلاقة انتماء قومية ذات مضمون لساني – حضاري، وعلاقة الانتماء الأفريقية كعلاقة انتماء جغرافيه قارية،علاقة تكامل وليست علاقة تناقض، لذا لم يحول تبنيه للقومية العربية من اتخاذ موقف ايجابي من علاقة الانتماء الأفريقية على المستويين النظري والعملي، فعلى المستوى الأول( النظري) نجد أن وثائق التجربة الناصرية أقرت بعلاقة الانتماء الأفريقية للشعوب العربية التي تعيش في قارة إفريقيا، ورد في الميثاق ( إن شعبنا يعيش على الباب الشمالي الشرقي لإفريقيا المناضلة وهو لا يستطيع أن يعيش فى عزلة عن تطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي)، رفضت هذه الوثائق التمييز العنصري الذي يضمر اتخاذ موقف سلبي من علاقة الانتماء الافريقيه، ورد في ميثاق العمل الوطني ( إن إصرار شعبنا على مقاومة التميز العنصري هو إدراك سليم للمغزى الحقيقي لسياسة التمييز العنصري..إن الاستعمار في واقع أمره هو سيطرة تتعرض لها الشعوب من الأجنبي بقصد تمكينه من استغلال ثرواتها وجهدها..وليس التمييز العنصري إلا لونًا من ألوان استغلال ثروات الشعوب وجهدها..فإن التمييز بين الناس على أساس اللون هو تمهيد للتفرقة بين قيمة جهودهم..). أما على المستوى الثاني (العملي) فقد ساند عبد الناصر كل حركات التحرير الإفريقية في شرق القارة(الصومال وكينيا وأوغندا وتنزانيا)،وغربها(غانا وغينيا ونيجريا)،ووسطها(الكونغو"زائير")، وجنوبها(روديسيا وانجولا وموزنبيق). هذا فضلا عن أن اتخاذ موقف ايجابي من القضية النوبية لا يعنى اعتبار ان الانتماء الأفريقية هي علاقة الانتماء الوحيدة للشخصية الحضارية النوبية،وإنكار علاقة الانتماء العربية لهذه الشخصية الحضارية.
ويمكن استخلاص موقف جمال عبد الناصر من القضية النوبية من الخطاب الذي ألقاه في أهالي النوبة 11/1/1960:
ا/ إقرار حق المواطنة للنوبيين: وما يترتب عليه من مساواة بينهم وبين باقي المواطنين فى الحقوق والواجبات، حيث يقول ( … أرجو في نفس الوقت أن يشعر كل فرد منكم أننا نعامل أبناء هذه الأمة معاملة واحدة مبنية على الحق والحرية والمساواة …)
ب/الإقرار بالآثار السالبة التي ستترتب على بناء السد العالي والعمل على معالجتها:حيث يقول (.. وأحب أن أقول لكم: إننا ونحن نبحث السد العالي إنما نبحث أيضاً في خيركم وفى مستقبلكم، كما نبحث في النتائج التي ستترتب على السد العالي… )
ج/ الإقرار بوجود القضية النوبية : ومن مظاهرها الانعزال وتشتت أبناء النوبة .. مع العمل على حلها، حيث يقول ( أيها الإخوة المواطنون:ونحن نشعر أن الخير الذي سيعم على أبناء النوبة سيكون الخير الكثير؛ لأنه سيجمع شمل أبناء النوبة جميعاً على أساس من الأسس الصحيحة لبناء مجتمع قوى سليم؛ وبهذا تنتفي الشكوى التي كنتم تشعرون بها طوال السنين الماضية.. شكوى الانعزال، ثم شكوى تفرقة العائلة الواحدة.. أفرادها يعملون فى الشمال وبعضها يعملون في الجنوب..)
د/الإقرار بالشخصية الحضارية النوبية الخاصة ، والإقرار بحق عوده النوبيين إلى مناطقهم الاصليه : حيث يقول (حينما نبحث السد العالي الذي ستغرق مياهه بعض أجزاء أو أجزاء كبيرة من بلادكم، فإننا ننظر إلى مستقبلكم أيضاً لا على أساس تشتيت أبناء النوبة فى كل مكان؛ لأن لكم التاريخ الطويل.. التاريخ المجيد الذي تشهد عليه هذه الآثار التي سنزورها اليوم، والتي عشتم بقربها آلاف السنين، ولكنا سنعمل أيضاً على جمع شملكم جميعاً، كما كان هذا الشمل يجتمع فى هذه المنطقة طوال السنين الماضية أو على مر آلاف السنين)
ه/ الإقرار بضرورة حل المشاكل التي يطرحها الواقع الاجتماعي النوبي: والتي تشكل معا القضية النوبية، حيث يقول(… وستكون لجنة الاتحاد القومي هنا دائماً على اتصال بالاتحاد القومي؛ حتى يمكن أن نرى مشاكلكم دائماً أولاً بأول. وحتى نستطيع أن نحل هذه المشاكل دائماً أول بأول.(
المستوى التطبيقي: وعلى المستوى التطبيقي حاول عبد الناصر معالجه الآثار ألسالبة التي ترتبت على بناء السد العالي وتهجير النوبيين، ولكن لم تتم معالجه جميع هذه الآثار السالبة نتيجة لعوامل متعددة منها الحروب مع إسرائيل(النكسة 1967، حرب الاستنزاف)، ودعم حركات التحرر العربي والافريقى ،والبيروقراطية ..
عدم التناقض بين الإقرار بوجود أوجه قصور في معالجه القضية النوبية والإقرار بزعامة عبد الناصر: بناءا عل ما سبق فانه لا تناقض بين الإقرار بمكانه عبد الناصر كزعيم قومي، والإقرار بوجود أوجه قصور في معالجه الدولة للقضية النوبية في عهد عبد الناصر،لأن الإقرار بزعامة عبد الناصر لا يلزم منه بالضرورة، اتخاذ موقف القبول المطلق للتجربة الناصرية، والقائم على إنكار وجود اى سلبيات لها، فالموقف الصحيح من التجربة الناصرية – والذي لا يتناقض مع الإقرار بزعامة عبد الناصر – هو الموقف النقدي ، الذي يقر بايجابيات وسلبيات التجربة، ومن هذه السلبيات البيروقراطية ، التي عاقت تنفيذ الكثير من المعالجات التي وجه عبد الناصر بتنفيذها، لدرء الآثار السالبة لبناء السد العالي..
القضية النوبية بعد وفاه عبد الناصر: لم تحل القضية النوبية بعد وفاه عبد الناصر عام 1970، بل تفاقمت نتيجة لعوامل متعددة منها: حرب أكتوبر 1973، وارتداد الرئيس أنور السادات عن كثير من الانجازات الايجابية لثوره يوليو، ومنها تبنى نظام اقتصادي يقوم على السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية والتخطيط الاقتصادي – وكلاهما شرط اساسى لتحقيق التقدم الاقتصادي عامه، وحل القضية النوبية خاصة – وتبنيه النظام الاقتصادي الراسمالى- تحت شعار الانفتاح الاقتصادي، والذي يجعل للقطاع الخاص- الذي يسعى لتحقيق الربح – الدور القائد في اداره الاقتصاد الوطني – بدلا من القطاع العام- وما يترتب عليه من إعطاء الاولويه للمستثمرين على حساب المواطنين، وهو ما كان له أثر سلبي على مشكله توطين النوبيين خاصة والقضية النوبية عامة.
أستاذ فلسفة القيم الإسلامية بجامعة الخرطوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.