ترمي الولاياتالمتحدة بثقلها في رص صفوف المحور الإقليمي المتهتك الذي خاضت بواسطته الحرب الشاملة لتدمير الدولة الوطنية السورية وعلى رغم الصراعات والاختلافات والتناقضات تواصل حكومات قطر وتركيا والسعودية تورطها في دعم العصابات الإرهابية وتعمل معا بقيادة أميركية أطلسية في غرف القيادة وفرق التسليح والتدريب والتمويل لعرقلة تقدم الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني على جميع الجبهات ولكبح مسار نهوض الدولة السورية ومؤسساتها . أولاً: تأخير ساعة نهوض الدولة السورية وشروعها في عمليات إعادة البناء الوطني بات يشكل الهدف المركزي لحلف العدوان بعد سقوط وهم الإسقاط وفشل جميع محاولات تعديل ميزان القوى لأسباب باتت معروفة أبرزها قوة وصلابة الدولة وقواتها المسلحة وثبات موقف كل من إيران والمقاومة اللبنانية وروسيا والصين الداعم لسوريا ولقيادتها وانقلاب الصورة كليا بحيث تتصاعد موجة التأييد الشعبي للرئيس بشار الأسد وللجيش بينما تواجه الجماعات المسلحة اضمحلال الحاضنة الشعبية لها وهذه بضعة من الوقائع التي اعترف بها قادة الاستخبارات الغربية المتورطة في العدوان على سوريا وأدلى بها مسؤولون اميركيون كان آخرهم السفير السابق روبرت فورد. الاستنزاف هو المسار الذي تقود إليه عمليات التدريب والتسليح المتواصلة لجماعات المرتزقة بدعم اميركي مباشر وخصوصا بعد قرار الرئيس اوباما بتنظيم جداول تدريب شهرية لمئات المسلحين بإشراف وكالة الاستخبارات الأميركية وبزيادة وتائر التسليح المباشر للجماعات الإرهابية متعددة الجنسيات في سوريا وفي ظل الحقيقة التي تجعل من سوريا أبرز خطوط الاشتباك مع روسيا في زمن الحرب الباردة العالمية الجديدة. ثانياً: لابد من العودة قليلا إلى الوراء لمعاينة نسخة أخرى من حروب الاستنزاف الأميركية ضد النظام التقدمي السانديني في نيكاراغوا الذي كان في عرف المخططين الأميركين في عهد رونالد ريغان بمثابة بؤرة تثوير محتملة لأميركا الوسطى واديرت ضده حرب استغرقت ما يزيد على عشر سنوات وأنفقت الوكالات الأميركية المختلفة عشر مليارات دولار بقصد إسقاطه بداية وتحولت أهداف الحرب مع الوقت ونجحت في تدمير إمكانات البلاد وقدراتها وهجرت مليوني مواطن إلى الخارج ولم يتسن للساندينيين العودة ببرنامجهم إلى الحكم قبل أعوام بعد انكفائهم نتيجة هزيمة انتخابية أمام القوى الرجعية المدعومة من الولاياتالمتحدة بزعامة فيوليتا شامورو المنشقة عن الجبهة الساندينية التي انتخبت رئيسة عام 1990 ومول الأميركيون حملتها الانتخابية ودفعوا الرشاوى للعديد من القوى المحلية لاستمالتها ولإنعاش الذاكرة قليلا نقتبس عرضا موجزا لهذه الحقيقة من مصدر لا يمكن اتهامه بالانحياز للرئيس النيكاراغوي السانديني دانييل اورتيغا هو موسوعة ويكيبيديا: "نيكاراجوا هي أكبر دول أمريكا الوسطى وعلى الرغم من ذلك إلا أن الكثافة السكانية فيها تعد أقل من بقية الدول المجاورة حيث أنه بحلول عام 1980 كان هناك حوالي مليوني نسمة من سكانها يعيشون في دول أخرى. يعود الكثير من هؤلاء حاليًا إلى نيكاراجوا بعد تحسن الأحوال في وطنهم الأم. بحلول عام 1978، كانت معارضة شديدة للحكومة وسياساتها، الاقتصادية والسياسية، قد سرت بين مختلف طبقات الشعب، كانت نتيجتها حرب أهلية، أتت بجماعات الساندينستيين الماركسيين إلى السلطة، عام 1979. وساندت هذه السلطة الجديدة المتمردين في السلفادور، ما جعل الولاياتالمتحدةالأمريكية ترعى جماعات الكونترا، المناهضة للساندينستيين، وتساندها في حربها عليهم، خلال معظم الثمانينيات. وفي عام 1990، جرت انتخابات حرة، انهزم فيها الساندينستيون، الذين انهزموا، مرة أخرى، في انتخابات 1996، و2001. ولكن تصويت عام 2006 أظهر عودة الرئيس الساندنستاني السابق دانيال أورتيجا سافيدرا" ومن المصدر نفسه نقتبس نصا عن دعوى ربحتها حكومة نيكاراغوا الساندينية ضد الولاياتالمتحدة وحربها التدميرية بواسطة عصابات الكونترا امام محكمة العدل الدولية: "قضية نيكاراجوا ضد الولاياتالمتحدة هي قضية عرضت على محكمة العدل الدولية عام 1986، التي أقرت خرق الولاياتالمتحدة للقانون الدولي من خلال دعم المعارضة المسلحة في الحرب ضد حكومة نيكاراجوا وبتفخيخ الموانئ في نيكاراجوا. حكمت المحكمة لصالح نيكاراجوا -ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية- مما دفع أمريكا إلى رفض الحكم الصادر، وأقرت المحكمة بأن الولاياتالمتحدة قامت باستخدام القوة بشكل غير شرعي، "لقد أوقعت حرب ريغان ضد نيكاراجوا نحو 75 ألف ضحية بينهم 29 ألف قتيل ودمرت بلدا لا رجاء لقيامته". وفي وقائع الدعوى ظهرت شهادات ومعطيات عن قيام الاستخبارات الأميركية بتدريب وتسليح عصابات المرتزقة التي كانت تنطلق بعملياتها من المناطق الحدودية مع هندوراس حيث كان المشرف العام على تلك الحرب سفير الولاياتالمتحدة جون نيغروبونتي وقد كشفت التحقيقات عن مجازر موصوفة وعن اتباع الكونترا لأسلوب الخطف والابتزاز المالي في تمويل أنشطتها إضافة إلى المساعدات الأميركية السخية. ثالثاً: إن الكلام الأميركي عن الحل السياسي في سوريا بجميع مراحله توخى استعمال الضغط العسكري والعقوبات الاقتصادية والحصار السياسي البالغ درجة العزل لفرض الإذعان لآلية سياسية تسمح بنشوء فرص جدية لإيصال جماعات عميلة إلى الحكم في سوريا تحت ستار الديمقراطية التعددية وفي هذا السياق تندرج السياسة الأميركية في إدارة عمليات التفاوض المتلاحقة من جنيف واحد حتى الآن وقد أسقط صمود الدولة الوطنية السورية فصولا متلاحقة من هذا المخطط وتقترب المحطة الفاصلة مع الانتخابات الرئاسية وفي ظل العمليات المتواصلة لسحق الإرهاب وتفكيك التمرد بالجمع بين الحسم الميداني والمصالحات التي تتقدم في العديد من المناطق . حيوية محور المقاومة في المنطقة ونهوض القوة الروسية تمثل عناصر مهمة ومرجحة لكفة الدولة السورية مقابل نيكاراغوا التي كانت شبه مستفردة في ظل ترنح الاتحاد السوفيتي خلال الثمانينات من القرن الماضي ولكن الإعداد لمقاومة حرب استنزاف طويلة هو التحدي السوري الأبرز الذي لا يقل أهمية وخطورة عن ملفات إعادة البناء الوطني الشائكة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعمرانيا ولابد من الالتفات دائما إلى ان تأخير عودة سوريا بفاعلية إلى المسرح الإقليمي يمثل شرط الوجوب لحماية إسرائيل الساعية إلى فرض الاعتراف بها دولة يهودية ولتصفية حق العودة وقضية فلسطين عن بكرة أبيها بدعم اميركي وغربي تشارك فيه دول عربية تنتمي لمنظومة الهيمنة في المنطقة .