قابلت اليوم سيدتي أمي الغالية (الوالدة باشا) بارك الله فيها و حفظها و صبرها علي ، فقالت لي حزينة ما معناه : "فاكر يا أحمد صديقتي الفلانية؟ اللي ابنها محترم جدا و يعمل ضابط شرطة ، نقلوه إلى الإسكندرية منذ أيام فأحرق أنصار الإخوان من جيرانه فيما يبدو سيارته لما علموا أنه شرطي ، و أمه تخشى عليه من القتل و تعيش في رعب مستمر". مع العلم أن صديقة أمي هذه سيدة محترمة جدا و من أسرة كريمة ، و ابنها إنسان غاية في الاحترام و لا علاقة له في عمله بملف الأمن الوطني ، و من أحرقوا سيارته لا يعرفونه أصلا ، و هو لا يعرف أحدا من أبناء الإسكندرية فقد انتقل منذ أيام إليها!!! أقول : إن لم تكن فعلة هؤلاء و أمثالهم نتيجة جلية للاعتقاد جزئيا أو كليا في نحلة الخوارج الضالة بعينها "عرفوا ذلك أو لم يعرفوا" ، مما يحول من آمن بجوازها أو باشرها إلى خارجي تجري عليه أحكام الخوارج العملية بشروطها في صور معينة بسطها العلماء في كتبهم ، و إن لم يكن هذا الفعل "مندرجا فيه المحرض و المبرر و المتعاطف المؤيد و المنفذ" حراما ظاهرا بينا لا لبس فيه ، فقد ارتفع إذا الأمان عن الاصطلاحات الشرعية التي تواضع عليها علماء الشرع الشريف لتدل على مدلولاتها ، مثل : الأحكام الشرعية بأنواعها و أقسامها ، و الصفات الشرعية ، و الماهيات الشرعية الاعتبارية ، و غير ذلك من الصور الذهنية التي يتوقف تصورها على ورود الشرع الشريف ، و لساغ لكل لاعب أو ملحد أن ينكر الشرع الشريف ، و الفقه الإسلامي و يدعو إلى إقصائه من حياة الناس . و لا أتصور أن هذا مما قد يُختلف في إدراكه بين أصحاب العمائم ، بل أجزم بأن كل أزهري لا يتمكن من تصور هذا الواقع و تكييفه تكييفا شرعيا جليا كما هو ؛ فإنه يحرم عليه شرعا أن يشتغل بالفتوى و عليه أن يرجع إلى مجالس العلم ليعيد تكوين ملكته العلمية ، فتصور الواقع تصورا صحيحا مطابقا للواقع شرط من شروط الإفتاء . و لا أتصور أن أحدا تعلم في جنبات الأزهر الشريف و أتقن علوم الآلة قد لا يتمكن من رؤية حقائق الأمور التي صارت الأدلة بأنواعها : حسية كانت ، أو عقلية ، أو خبرية تدل عليها . و إلا لزمه أن ينكر ثبوت "العلم الحادث" بالحواس و أن ينكر حجية الخبر الصادق و أن يعطل ما يثبت من "العلم الحادث" بالعقل . و قد ثبتت حقائق تدل على ضلال هذه الجماعات و عدم جواز الانضمام إليها أو التعاطف معها تحت أي مسمى ، بحيث يصبح من شكك في هذه الحقائق مشكوكا في سلامة حواسه أو عقله ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم . و أعجب كل العجب من أزهري لم يقرأ عقائد و فقه "مع الاعتذار للفقه عن ضلال هؤلاء" و تاريخ الجماعات الإسلامية المحدثة مما يسمى "بالإسلام السياسي" كيف يكون مؤهلا للدعوة إلى الله و نشر العلم ، و لكني أصاب بالحزن و الكمد إذا رأيت أزهريا : قرأ و عرف ثم مال أو انحرف ، مال بالتعاطف أو انحرف بالانتماء إلى واحدة منها ، فذلك إثمه أشد ، فهو إما صاحب هوى يعميه عن رؤية الحق ، أو منافق يدعي الأزهرية و يضمر كليا أو جزئيا السلفية أو الإخوانية ، إلى آخر تلك النسب التي شوهت الدين ، لينال بها شيئا من حطام الدنيا "كما رأيت بعيني ذلك من بعضهم : يسب شيخ الأزهر في السر و يعمل معه و يقبل يده في العلن" ، أو على أقل تقدير هو إنسان غير مدرك لحقائق الأمور و عليه أن يتعلم و يسأل أكابر العلماء . و لعل ناصحا ينصحني بالسكوت عن هؤلاء جمعا للكلمة و خوفا من شر الفرقة أو سترا للأزهر عن عوار أصابه ، لكني أرى أن السيل قد بلغ الزبى ، و أن اختراق الأزهر في المعاهد و الجامعة و الوظائف في كفة و اختراق الأزهريين الذين يدعون أنهم على المنهج في كفة أخرى ، و أن شيخا أزهريا منحرفا واحدا يدعي أنه على المنهج الأزهري يعدل كل من اخترقوا الأزهر كافة في كل المواقع ، و إن ضرر مثل هذا على دين الله أشد من جيش كامل يغزو بلاد الإسلام ، و قد رأينا بأعيننا كيف انهارت أمم ، و سقطت دول و عاشت تحت نار الاحتلال جراء اختراق الصفوف ، و تمكن هذه الجماعات من المعاهد و الهيئات الإسلامية المختلفة ، و لعل المثال الأجلى هو الذي تمر علينا ذكراه الثمانين في هذا الشهر : مثال سقوط الخلافة ، فما سعى في إسقاط الخلافة "من المسلمين المدعين أنهم من المتشرعين" إلا هؤلاء المنحرفون عن صحيح الدين ، مستغلين المتطلعين للزعامة و الرياسة ، و مستغلين ثقة الناس في عمائمهم و تمثيلهم لمعاهد العلم الشريف ، ثم ها هم يتباكون عليها الآن و يدعون أنهم يسعون لإقامتها ، فأي تناقض هذا؟؟؟ و أسماء من تورطوا في هذا الجرم ممن كانوا يدعون أنهم إسلاميون و علماء و دعاة و مصلحون و مجاهدون في سبيل الله كثيرة ، و قصصهم شهيرة ، لكني أذكر منهم : مؤسس الدولة الوهابية عبد العزيز آل سعود : الذي أحيى فتنة الوهابية ، و محمد رشيد رضا و محب الدين الخطيب : و هما ممن أخذ البنا أفكاره منهما و بنى عليها جماعته . فلن أنتظر حتى أرى الأزهر "و فيه ما يكفيه من هموم و أوجاع و أثقال" و هو يتهاوى حتى يصبح أثرا بعد عين بيد من شَرَد عن المنهج الأزهري القويم ، ممن يدعون أنهم أبناؤه ، بل أبرئ ذمتي أمام الله و أمام من يعرفني و من لا يعرفني بقدر وسعي ، حفاظا على الملاذ الأخير للمصريين الذي يمثل الشرع الشريف . و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون .