70 % من جرائم الشرف سببها همسات الجيران والاصدقاء .. و60% بسبب سوء الظن والشائعات! لم تكن "هنادي" التي "تواها" خالها في ملحمة طه حسين دعاء الكروان الا نموذج لجرائم يسمونها "جرائم شرف" ترتكب يوميا تحت شعارات واهية تختزل شرف الانثي في قطعة من جسدها ،وتربط عليه شرف العائلة بأكمله ،في الوقت الذي يمكن ان تتهاون نفس العائلة في جرائم اخري كالسرقة والغش والنفاق ، فقبل كتابة الرواية في 1959وحتي الان قتلت الالاف من "هنادي" والانكي ان اخر دراسات المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية في 2006أن 70% من جرائم الشرف تمت بناء علي وشاية وهمسات الجيران والأصدقاء، أو شائعات حول سلوك المجني عليها تمس شرف امرأة ما، ولم تقع الجريمة في حالة تلبس وانما اعتمد مرتكبها سواء كان الزوج أو الأب أو الأخ علي الشائعات، وأضافت الدراسة أن تحريات المباحث في 60% من هذه الجرائم أكدت سوء ظن الجاني بالضحية وأنها كانت فوق مستوي الشبهات ،بمعني ذلك ان الجاني قتل إنسانة بريئة وبغير حق وهو هنا كمن قتل الناس جميعا. الإلقاء في النيل او دفنها في الجبانات او القتل بالسم يحدث حتي الان في "قنا" قالت احلام القاضي – مدير جمعية" بنت الريف "بمحافظة قنا – لا يمكن ان ننكر غياب "جرائم الشرف" ،بل هي منتشرة وبشدة في الصعيد والارياف باعتبارها المناطق الفقيرة والمهمشة والمعزولة والتي يعاني قاطنوها من التخلف الثقافي والحضاري، وتعلو عندهم النوازع العشائرية والروح القبلية ،ومن ثم ترتكب هذه النوعية من الجرائم تحت عناوين منبثقة من هذه البيئة القبلية كا حماية الشرف وغسل العار. اضافت القاضي ان هذه الجرائم في قنا وغيرها من المحافظات الصعيدية تعتبر من الجرائم المسكوت عنها ،لا يوجد حصر لها ،ولكن بين الحين والاخر تنتشر قصة فتاة لقيت حتفها واختفت ،واخر مارصدته في الجميعة جريمة في عام 2012 لعروسة تم قلتها من زوجها في ليلة الزفاف ولم يحصل علي نقاط الدم التي تعتبر رمز العذرية والشرف للفتاة بالصعيد ،وقام بقتلها وسط تأييد من عائلتها وعائلته ايضا ،لانه انتصر لرجولته وغسل عاره ،ولكن بعد توقيع كشف الطب الشرعي علي العروس اثبت انها شريفة وغشاء البكارة سليم ولكنه مطاطي لا يترك هذه البقع الحمراء لرمز العفة كما يعتقد الكثيرون . ومن جانبها ان جرائم الشرف تأخذ شكلا اكثر قسوة مع فتاة كسرت ناموس العائلة او القبيلة وتزوجت من فتي من غير عائلتها ،وبالرغم ان هذا الزواج علي سنة الله ورسوله اي شرعي وبلا اخطاء، تقوم العائلة بقتل الفتاة بحجة انها جلبت لهم العار والانتصار لشرف القبيلة وتكون مهمة القتل بمعرفة الاب او الاخ لمجرد خروجها عن العادات والتقاليد ؟! وتوضح القاضي ان طرق القتل تختلف للفتاة اما بدفنها في الجبانات- اي المقابر- او قتلها والقائها في النيل في بلد اخري غير مقر رأس العائلة لعدم لفت الانظار، او عن طريق سم الفتاة ،او التسليط علي قتلها في حادث سيارة ، بينما هناك فتيات تكون قد ارتكبت خطأ وتقدم بنفسها علي الانتحار خوفا من قتل عائلتها ،موضحة ان هذا العنف لا يمارسه الاب او الاخ او الزوج او الرجل بصفة عامة ،بل المرأة شريكا فيه حيث رصدت حالات عديدة كان للام دورا كبيرا في التحريض علي قتل ابنتها من اخيها او ابوها . اشارت رئيس جمعية بنت الريف، ان اغلب الحالات لم يتم ملاحقة الجناة قانونيا او يتم القبض عليهم ،فيتم الدفن دون استخراج شهادات وفاه ،مؤكده ان هناك شبه اتفاق ضمني بين الشرطة وكبار العائلات حول التكتم علي مثل هذه الجرائم ،معربه ان الامن من مصلحته اخفاء مثل هذه الجرائم فهو يريد الاستقرار دائما ،ويريد ان يحتفظ بالعائلات التي تصوت لمرشح الدولة في اي انتخابات ،وبين هذه المصلحة المتبادلة بين الشرطة والقتلة الست تذهب ضحية بلا اي ثمن ،وتخفي الحقائق والادلة علي قربانا علي مذبح الحفاظ علي الاستقرار ومصلحة الدولة . اكدت القاضي ان الخطاب الديني وخاصة في عهد الاخوان المسلمين كان سببا قويا في رده لحقوق المرأة وحريتها بالصعيد ،بل ضاعف خطابهم المتشدد في زيادة ارتكاب مثل هذه الجرائم ،ويغذي من افكار ان المرأة هي المسئولة وانها غاوية ،ودبحها حلال ،ويكون الخطاب المقابل للحفاظ عليها من الفتنة والخطيئة هو تلك الآيات القرآنية التي يتم اختزالها بشكل خاطيء مثل "وقرن في بيوتكن" والزواج من سن 9 سنوات بأنه الحل لحماية شرفها .!!! اما عن دور منظمات المجتمع المدني في الصعيد للحد من هذه الجرائم ،قالت القاضي هناك مشكلتين الاولي في بداية عملي في قري الصعيد كانت هناك دائما نظرة شك في الافكار التي ابثها للسيدات واتهامات باني اريد انحراف الفتيات ،ولكن بمرور الوقت يتم التغلب علي ذلك ،وثاني المشكلات هو مركزية عمل المنظمات بالقاهرة ،واذا تعاونت مع جمعيات بالصعيد تكون قليلة جدا وتصبح هناك حلقة مفرغة ،حيث تقوم هذه الجمعيات باحضار 20 سيدة تتكرر مع كل ندوة او دورة تدريبية وتضيع استفادة القطاع المستهدف بالشكل الصحيح ،ومن ثم فالتغيير لن يكون من الخارج او مستود من العاصمة ،بل يجب البحث المتأني عن المتعاطف مع القضية بالقرية ثم كسب ثقته ثم الحصول علي مزيد من المؤيدين بمرور الوقت ومن ثم يحدث التغيير . الخطاب الديني التحريضي الذي يري المرأة مصدر الخطئية والغواية بينما تقول الدكتورة عزة كامل – مدير مركز وسائل الاتصال الملائمة من اجل التنمية "آكت"- ان جرائم الشرف هي احد اشكال العنف ضد المرأة الذي يودي بحياتها لمجرد الشك فيها او في سلوكها ،وهي جريمة تعكس طبيعة المجتمع الذكوري السائد الذي لا يري في المرأة سوي جانب الجنس، وينظر إليها علي أنها سلعة تباع وتشتري وناقصة العقل ويسكنها الشيطان دوماً . اضافت انه من المؤسف الا يكون لدينا دراسات حديثة عن هذه الجريمة التي مازلت مستمرة بعد ان توقفت وزارة الداخلية في الاعلان عن احصائيتها السنوية حول هذه الجرائم ،ولكن ستظل جرائم الشرف مرتبطة بغياب الردع القانوني ،وتغيير الثقافة المجتمعية والخطاب الديني التحريضي في اغلبه والذي يصور المرأة علي انها مذنبه دائما وبل يخلق مبررات لهذه الجريمة وقوبل انتشارها ،بل تنتشر الفتاوي الدينية للعديد من شيوخ الدين التي تساند ذلك وتحث علي ارتكاب جرائم الشرف بذريعة غسل العار وحماية الأخلاق. أكدت كامل انه دون ارداة سياسية قوية تلتزم بنصوص الدستور الذي نص علي التزام الدولة لحماية المرأة من كافة اشكال العنف ،وعن طريق تلك المفوضية المقرر تشكيلها لمكافحة كافة اشكال التمييز سوف يكون دورها في المحاسبة الحقيقية للحكومة بالقيام بتعديل أو إلغاء نصوص قانون العقوبات التي تعفي مرتكبي جرائم القتل دفاعاً عن "الشرف" من العقاب الشديد . جرائم قائمة علي ثقافة ان شرف الرجل هو من شرف الانثي التابعه له اما عن رأي علم الاجتماع تقول الدكتورة شادية قناوي – استاذ علم الاجتماع بأداب عين شمس – ان ارتكاب مثل هذه الجرائم يعود ثقافة المجتمع الذكوري الذي يؤكد علي ان شرف الرجل هو شرف الانثي الذي تتبعه او التي تعيش في كنفه ،سواء زوجة او اخت او ابنه او ام، في حين ان ذلك مفهوم مغلوط ،بدلا من تكريس ان مفهوم الشرف هو الامانة والصدق والاخلاص في العمل وان شرف الرجلهو شرفه ذاته واخلاقياته وليس مرتبطا باخته او امه . وارتباطا لم يقره من الاساس القرأن لمن يدعوا انهم يتحدثوا بالدين ،حيث اعطي الله سبحانه وتعالي للرجل وللمرأة كلاهما أمانة الاختيار، فمن شاء أن يستقيم علي نهج الله فليفعل، ومن شاء أن يفعل ما يحلو له فليفعل وحسابه علي الله ،ولم يفرق الله سبحانه وتعالي بين الرجل والمرأة في هذا الأمر كلاهما محاسب إذا أخطأ، وكلاهما مثاب إذا أحسن أو إذا تاب وأناب إلي الله . اضافت قناوي انه بالرغم ان وسائل الاعلام وما تقدمه من دراما وسينما وبرامج اصبحت من الوسائل الاساسية للتنشئة الاجتماعية مثلها كالاسرة والمسجد والكنيسة والمدرسة ،الا ان هذه الوسائل تكرث المفاهيم الخطأ عن الشرف ومازلنا نسمع بملل مصطلحات غسل عاره ، البنت دي شرف الراجل ،وغيرها من المفاهيم والموروثات السلبية التي يجب ان يحاربها من الاساس . اكدت ان التعليم ورفع المستوي الاقتصادي مهم جدا ،لان ارتكاب مثل هذه الجرائم يزداد مع المستويات الاكثر فقرا والجاهلة ،وهو ما نجده في العشوائيات والصعيد والقري والنجوع ،حيث تربتط هذه الفئات بالقيم والمفاهيم السلبية . لايوجد في القانون ما ينص "جرائم الشرف" وتقول د.عايدة نور الدين –المحامية وعضو شبكة الجمعيات العاملة في مجال حقوق المرأة- انه لايتضمن القانون المصري علي مواد تنص بالتحديد علي مايسمي "جرائم الشرف"، وكل ماناضت المنظمات النسوية هو وضع قيد علي القاضي في نص المادة (17) من قانون العقوبات المصري،حيث تمنح المادة القضاة السلطة التقديرية لتخفيف الحكم الاصلي بدرجتين أدني من العقوبة المنصوص عليها في القانون بأسم "الرأفة" . اضافت نور الدين ان هذه المادة من قسوتها كان يتم المساواة فيها تحت اسم الرافة بين تاجر المخدرات وبين قاتل الفتاة تحت اسم الشرف سواء زوج او اخ ،وتنزل العقوبة درجتين لتصبح العقوبة هزيلة علي هذا الجم ،وهو ما يؤدي الي استمرار سفك دماء الاناث واهدار دمائهم بلا ثمن نظرا لغياب الحكم الرادع . قالت عايدة ان المصيبة أنه يتبين في أكثر "جرائم الشرف" بعد قتل الابنة أو الأخت بدافع الشرف وحضور الطبيب الشرعي تبين للأهل أن الضحيه كانت عذراء أو كان سبب انتفاخ بطنها وجود ورم ولكن ما فائدة ظهور الحقيقة بعدما وقع الفأس بالرأس . اكدت عايدة ان المرأة المصرية تحتاج الي ثورة في القوانين ،مثلما حدث ثورتين في البلد، وهو مايجب ان تستعد له المنظمات الحقوقية لتعديل هذه القوانين التمييزية ضد المرأة وترجمة مواد الدستور بدقة ،وبدلامن التسهيل علي القضاه باسم "الرأفه "ينبغي علي السلطات القضائية نفسها فرض العقوبات المناسبة علي من يرتكبون جرائم "الشرف" وغيرها من صور العنف ضد النساء والفتيات، أو يؤيدونها، أو يتغاضون عنها. القانون يعطي القاضي ترخيص للرجل بقتل المرأة ويقول الدكتور حسن سند – استاذ القانون بجامعة الزقازيق- ان القانون يعطي القاضي ترخيص للرجل بقتل المرأة، وتظهر الكارثة ان الشريعة التي تضع شروطا قاسية للتاكد والتثبت من جريمة زنا سواء بين ازواج او غيرهم ،وتطالب اربعة شهود وغيرها من الاجراءات ،الا ان قانون العقوبات بمادته 17 التي تتيح للقاضي تخفيف للعقوبة ،تسفك يوميا دماء مئات البنات ،ويحصل الرجال علي احكام هزيلة . واشار سند ان الاقتراح هو تعديل المادة 17،وتقييد سلطة القاضي التقديرية ،ووجوب توقيع القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد علي مرتكبي هذه الجرائم ،معربا انه للاسف هناك بعض القضاه تفكيرهم ذكوري قاصر وينظروا للمراة بدونية . تجدر الاشارة ان دراسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية أوضحت أن 52% من هذه الجرائم ارتكبت بواسطة السكين أو المطواة أو الساطور وأن 11% منها تمت عن طريق الالقاء من المرتفعات.. وحوالي 9% بالخنق سواء باليد أو الحبال أو الايشارب.. و8% بالسم و5% نتيجة اطلاق الرصاص و5% نتيجة التعذيب حتي الموت. وأوضحت الدراسة أن 70% من هذه الجرائم ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم و20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم بينما ارتكب الآباء 7% فقط من هذه الجرائم ضد بناتهم أما نسبة ال 3% الباقية من جرائم الشرف فقد ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم.