كشفت مسارات جنيف 2 جانبا من السلوك الأميركي في التعامل مع الحرب على سوريا عبر منع الحل السياسي الوطني في حين جاء الإعلان خلال المؤتمر عن شحنات سلاح جديدة للجماعات الإرهابية ليكمل الصورة التي تشير إلى عزم إدارة أوباما على إطالة أمد النزيف السوري عبر منع الحل السياسي ومواصلة دعم الإرهاب خلافا لأكاذيب النفاق الغربي وللأوهام التي تفشت مؤخرا حول التفاهمات الروسية الأميركية المفترضة والأخطر هو ما قاله أوباما عن ما أسماه تنظيم الصراع. أولاً: النقاشات التي شهدتها جلسات جنيف 2 كان تدور واقعيا بين وفد الحكومة السورية والإدارة الأميركية من خلال الدمى السورية المكونة لوفد الائتلاف في ظل تحكم السفير روبرت فورد وبعثة الخبراء المواكبة والتي تابعت كل شاردة وواردة على جدول أعمال الجلسات وأصدرت الأوامر والتعليمات إلى أعضاء وفد الائتلاف الذين بلغت وصاية واشنطن عليهم إلى درجة تلقينهم الردود وتوزيع الأدوار في الحديث. في الحصيلة قاومت واشنطن بواسطة وفدها المعارض جميع المبادرات التي تندرج في إطار التأسيس لتفاهم سوري على إطار الحل الوطني الذي يقوم على أولويات وبديهيات وطنية في الأوراق التي قدمها وفد الحكومة السورية وخصوصا ما يتصل منها بالسيادة والاستقلال ورفض التدخلات الأجنبية وأولوية مكافحة الإرهاب ونجح الوفد الحكومي بقوة في إدخال هذا المفهوم ضمن آلية وقف العنف المنصوص عنها في بيان جنيف لعام 2012 الذي حاول الأميركيون اختزاله إلى التأويل الذي صنعوه للفقرة المتصلة بالمرحلة الانتقالية. ثانياً: من الواضح ان الولاياتالمتحدة تختبر فرص إطالة أمد الحرب على سوريا بواسطة الجماعات الإرهابية التكفيرية بالشراكة مع السعودية بعد استهلاك الشركاء الآخرين الذي استعملتهم في الفصول السابقة من العدوان وكان الإعلان الأميركي عن صفقة سلاح جديدة خلال المؤتمر بمثابة رسالة سياسية تكشف التصميم الأميركي على منع تراجع الإرهاب والعنف مهما كلف الثمن. كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما عن تنظيم الصراع في سوريا في خطابه عن حال الاتحاد يكشف حقيقة التخطيط الأميركي لمواصلة استنزاف الدولة الوطنية السورية ولإدامة الإرهاب والعنف بواسطة جيوش التكفير الوهابي ومرتزقة السعودية على الأرض بالتزامن مع احتواء الضغط الروسي للتقدم إلى اختبار فرص الحل السياسي عن طريق الحوار عبر المماطلة والمراوغة بمنع التقدم نحو حل وطني سوري يفتح الباب لإنهاض القوة السورية مجددا في الإقليم بخيارها المقاوم والتحرري والحلقة المركزية في ذلك التوجه الأميركي هي رفض الرؤية السورية القائلة ببلورة خطة وطنية لوقف العنف ولخنق الإرهاب تعقبها عملية سياسية تنتهي إلى انتخابات نيابية ورئاسية تكون فيها الكلمة لصناديق الاقتراع أي للشعب السوري بينما تسعى الولاياتالمتحدة للبحث في تقاسم مسبق للسلطة عبر ما يسمى الجسم الانتقالي للحكم بصورة تفتح أبواب وضع اليد على الجيش والمؤسسات الأمنية والإطاحة بخيار المقاومة والاستقلال الوطني كهوية للدولة السورية عبر استهداف الرئيس المقاوم بشار الأسد. ثالثاً: ما تسعى إليه الولاياتالمتحدة بالشراكة مع السعودية على المسار الفلسطيني يشكل عنصر تحفيز رئيسي لخطة الاستنزاف الجديدة فلا يمكن لعاقل أو خبير تخيل فرصة لتمرير خطة التوطين وتصفية حق العودة والاعتراف بالدولة اليهودية في ظل التعافي السوري ومع عودة سوريا لاعبا قويا وقادرا في الإقليم وهذا هو بيت القصيد . مد الجماعات المسلحة بما يساعدها على مواصلة القتال واستعمال قوى المعارضة المرتبطة بالغرب لمنع الحل الوطني وتنقل جلسات الحوار من جولة إلى جولة سيقدم فيها الأميركيون خطوات وإجراءات جزئية تحت عنوان وقف إطلاق النار والملفات الإنسانية لمحاولة تكريس خارطة أمر واقع ميداني وخطوط قتال ثابتة هذا هو مضمون تنظيم الصراع عبر فرض تقسيم واقعي للجغرافيا السورية يتحدث عنه خبراء ومخططون بينهم فردريك هوف الذي شغل لفترة طويلة دور منسق الملف السوري في الخارجية الأميركية . الإنجازات السياسية التي حققها الوفد السوري إلى مباحثات جنيف تمثل رصيدا مهما يمكن البناء عليه في تعبئة الطاقات الوطنية خلف الجيش العربي السوري والقوات الشعبية المقاتلة لاستكمال تحرير سوريا وإعادة السلم والاستقرار بالحسم العسكري حيث ينبغي وبخط المصالحات الأهلية حيث أمكن مع استمرار الإدارة السياسية الحازمة التي تفترض النقاش مع الحليف الروسي في مضمون المبادرات التي يجب الانتقال إليها لترجمة مفهوم الاتحاد ضد الإرهاب وما يمليه من تدابير لتجفيف المستنقع في جوار سوريا ومن إجراءات ضد الأنظمة الحاضنة للإرهاب لضمان توقفها عن إشعال المزيد من الحرائق وهذا يشمل السعودية وتركيا وقطر وفرنسا بصورة خاصة.. مشروع قرار في مجلس الأمن؟ ربما ولكن علينا التريث حتى مارس/آذار المقبل بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية.. حتى ذلك الحين وما بعده ستكون الكلمة العليا للقوات السورية المسلحة ولإنجازاتها في الميدان .