كتب عن الفنان الإسباني «سلفادور دالي»، عدد كبير من النقاد والباحثين، فهو أهم فناني القرن العشرين، وأحد أعلام المدرسة السريالية. يتميز "دالي" بأعماله الفنية التي تصدم المُشاهد بموضوعها وتشكيلاتها وغرابتها، وكذلك بشخصيته وتعليقاته وكتاباته غير المألوفة، والتي تصل حد اللا معقول والاضطراب النفسي. وفي حياته وفنه يختلط الجنون بالعبقرية، لكنه يبقى مختلفاً واستثنائياً.. في فوضاه، في إبداعه، في جنون عظمته، وفي نرجسيته الشديدة. بالتزامن مع الذكرى ال25 لوفاة «سلفادور دالي»، الراحل في العام 1989، تقرأ لكم «البديل» بعض من الأبحاث والكتابات عن فنه وحياته.. في العام 1992، كتب «وليد السباعي» بحثًا عنوانه «موت الخالدين»، تناول فيه حياة "دالي"، الذي شغل العالم بفنه المتميز وصرعاته المجنونة ونظريته حول الخلود، وأشياء أخرى أهمها وأكبرها هي "غالا" زوجته التي أحبها لدرجة الهوس والجنون. وأكد فيه أن "دالي" يبقى آخر فنان نجم، كانت يده لعقود طويلة عصا سحرية. كان إمضاؤه كافيا لانتعاش السوق، حيث تبدأ الطلبات بالاشتعال من كل الجهات، ليس فقط لرسومه وصوره، بل لحفرياته على النحاس، للمنحوتات والتماثيل للصحون المزينة "للبارافانت" للملصقات والدعايات، للسجاد والنسيج والحلي، للعطور، وكل الأشياء الممكنة التي كان يخترعها هذا المعلم. كان يردد دائما "أرغب في شيئين: أن أحب (غالا) وألا أموت نهائيا". وعندما ماتت زوجته غالا دفنها في مقبرة قصر بوبول حيث عاش حزينا مكسورا دامع العين مع ذكرياته حتى موته، وهو يلبس عباءة وثيابا بيضاء تعبيرا عن حزنه الأبدي عليها، وبالرغم من مرضه وتحركه على عربة بعجلات فقد استطاع النجاة من الحريق الذي شب في بيته عام 1984، حتى مات أخيرا كما أراد: كرجل من المسرح. لكن وصيته الأخيرة التي صرح بها لمحاميه ومدير متحفه وأقرب أصدقائه، وهو يعاني سكرات الموت كانت الأغرب، وهو ألا يدفنوه في بوبول بجانب "غالا" كما كانت رغبته سابقا، بل أن يحنطوه ويضعوه تحت قبة بلورية في متحفه، محاطا بالصور والأشياء الثمينة التي من بينها الكاديلاك. وفي بحث بعنوان "سلفادور دالي.. حياته وفنه واضطراباته النفسية" للدكتور حسان المالح، استشاري الطب النفسي بدمشق، حكى قصة أحد جيرانه وهو "رامون بيشوت"، الذي ساهم في دخوله إلى عالم الرسم، ففي السابعة من عمره رسم أولى لوحاته، واستطاع في مدرسته أن يلفت النظر إلى رسومه التي تنبأت له بمستقبل فنان بارع، مما دفع بعائلته وأساتذته إلى حثه على دخول كلية الفنون الجميلة في "سان فيرناندو" في مدريد. وفي مقالة حديثة قدمتها الباحثة "كارولين مورفي"، من جامعة أوكسفورد والمنشورة في مجلة "الشخصية والاختلافات الفردية" 2009، مالت إلى اعتبار "دالي" مصاباً باضطراب ذهاني واضطراب في الشخصية، على الرغم من محاولات "دالي" إخفاء معلومات هامة عن نفسه في كتبه وتصريحاته الصحفية. وتشمل أعراضه الموصوفة هلاوس سمعية وحالات من الشك المرضي ونوبات من الغضب والعنف، إضافة لهذيانات العظمة وسلوك جنسي استعراضي وإثارة جنسية ذاتية غريبة، وضحكات غير مناسبة مع تعليقات جارحة غير مناسبة، وصعوبات في التعاطف مع الآخر مع سلوك احتيالي وسادية. وتابعت: إذا وضعنا ماسبق ضمن الإطار التشخيصي للدليل التشخيصي الأمريكي الثالث يمكن إعطاء تشخيص ذهان غير نموذجي، وفيه مزيج من أعراض الفصام والاكتئاب، مع عدة أنواع من اضطرابات الشخصية وهي الشخصية الزورية والفصامية والمضادة للمجتمع والهيستيريائية والنرجسية. لكن جميع من كتب "دالي" أكد أنه فنان ثوري مبدع وأصيل، له ذهن خصب يعجّ بالإشراقات والابتكارات. ومن المؤكّد أن هواة الأدب والفن والمثقفين على اختلاف أنواعهم والعلماء النفسيين الذين لايعرفونه جيداً، سيعجبون بفنه وإبداعاته المتنوعة، والتي تعكس نبوغ ذلك العملاق وعبقريته، قال "دالي" يوماً: الفرق الوحيد بيني وبين المجنون هو أني لستُ مجنوناً.