تختلف الكتابات الإبداعية المرتبطة بمكان ما، في التفاصيل الخاصة به وبطبيعة أهله، وتحمل مقدارًا كبيرًا من صدق المشهد والوصف بخاصة إذا جاءت على لسان أحد سكانها المبدعين، حتى لو كانت التفاصيل من ذكريات طفولته التي يرويها عن المكان. تميزت مجموعة قصص «حياتنا الصغيرة»، للكاتبة الفلسطينية فدى جريس، بالقدرة على الغوص في التفاصيل اليومية للفلسطيني في قرى الجليل، متناولة جملة أفعاله العادية وهمومه وطقوس المعتادة، لتنفذ من خلال ذلك إلى جوانبه وانشغالاته الوجودية. وبالتزامن مع إحياء العالم للذكرى ال66 لقرار تقسيم فلسطين، وذكرى اليوم العالمي للتضامن مع شعب فلسطين، الذي دعت له الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1977، نتغلغل معكم في الحياة اليومية في قرى الجليل، من خلال قصص «حياتنا الصغيرة»، كأحد الأعمال التي عكستها «فدى جريس» بامتياز في نص صريح، غير متعال، ومعبر عن النبض الفعلي لما يعيشه الناس. ضمت المجموعة ثلاثة عشرة قصة، استوحتها المؤلفة من قريتها في الجليل، شمال فلسطين، وهي: «طوشة وقايمة، وبعدين مع عيشتنا، شبكة المعلومات، اللعبة، كيد النساء، الحلقة المفرغة، ترقية، البصلة وقشرتها، طرف ثالث، الطريق، مشروع مضمون، هي بشر أيضًا، على الإنترنت». بدأ الكتاب بقصة «طوشة وقايمة»، التي صورت فيه بأسلوب مرح النزاع بين جارين بسبب صراعات زوجتيهما، لتعدد المشاكل التي نشبت بينهما على مدار 15 عامًا هي عمر الفترة التي سكنا جنبا إلى جنب فيها. لتبدأ المشاكل من "الانتخابات المحلية (قلما صوّتا لنفس المرشح)، ومشاكل النسوة (وهذا بند هام يستحق الوقوف عنده مطوّلا)، والخلاف الدائم على حدود الأرض بينهما"، ولكن تدخل أهل الخير للمصالحة بينهما، وقبل أن يجف حبر الاتفاق كانت إحداهما تخرب على الأخرى "غير عابئة باتفاقيات السلام الطازجة التي لم يطلع عليها النهار"، بهذه العبارة انتهت القصة وكأنها تذكرة بالواقع الفلسطيني وما يشوبه من صراع داخلي. وفي قصص أخرى تواصل الكاتبة رصد الحياة اليومية في القرية، فالقرية البسيطة التي يسودها الفراغ لا يتبقى للنسوة فيها إلا التنقل من بيت لبيت لتداول الأخبار بخصوص أهل البلدة، وفي كل القصص تلجأ الكاتبة لأسلوب مرح يشد القارئ، وتبسط المسائل بشكل جميل مع إشارات تدخلها في القصص، مضافًا لذلك بعض العبارات باللهجة المحكية، وتضعها بين أقواس كي تميزها عن السرد القصصي، وبذلك تمنع التداخل بين اللهجة المحكية التي لا بد من استخدام بعض منها حتى تجعل القارئ يعيش جو الحدث، دون أن يكون هناك تخريب لمجمل النص السردي والقصة. رصدت الكاتبة الكثير من الحياة اليومية في قريتها، من مشاكل اجتماعية ومشاكل أسرية ومشاكل العمل والانتخابات البلدية، ففي كل قصة من قصصها تناولت مشكلة معينة، كمشاكل تدخل الحموات، والغيرة والخيانة ومعاناة الفتاة بعد التخرج، والعمل بعيدا عن المنزل وتدخل الإخوة والأهل المستمر، ومحاولة فرض اختيار العريس رغمًا عن الفتاة، وقضايا النصب والاحتيال، وتربية الأولاد وتغير ظروف الحياة وازدياد الضغط المادي. وكأن الحياة تتحول إلى سباق مسافات طويلة وراء تأمين الاحتياجات، ولكن ذلك يكون على حساب تربية الأولاد والحياة الزوجية، إضافة لتناولها في القصة الأخيرة دخول الحاسوب والشبكة العنكبوتية للبيوت لأول مرة، وما يخلقه ذلك من مشكلات بين جيل الأبناء وجيل الآباء الذين لم يعرفوه من قبل. كما نجحت "فدى" خلال عملها الإبداعي الأول، نقل صور عن المجتمع بشكل شبه كامل، بحيث نرى أن مجتمعها الصغير يمثل نموذجًا من المجتمع الكبير، ومعظم هذه المشكلات متشابهة في العالم العربي، فالبيئات بينها عوامل مشتركة، والثقافة الاجتماعية شبه واحدة. ومن قصتها الحلقة المفرغة: «فتحت الراديو على محطة عربية. نفسيتها لا تتقبّل المحطات العبرية، وهي تقذف بأخبارها وتحليلاتها الاستفزازية. هناك محطة عربية تبث أغاني لفيروز يوميًا لمدة نصف ساعة في الصباح، و"سهام" تعشق تلك المحطة فهذه النصف ساعة هي واحتها التي تجد فيها السكينة والراحة، الوقت الوحيد في اليوم بأكمله الذي تستطيع فيه أن تسترخي قليلًا وتدع أفكارها تهيم كيفما اتفق». أخبار مصر- البديل