لا يمكن لطرف الاستسلام برضاه، فإما أن تُقتل أو تَقتل، رأت "نون" الكون ينفرط من بين يديها، وشعرت أنه في طريقه ل"ألف"، و"ألف" يرى العارض يجنح للأصل، ويرى الضلوع تشتهي الاستواء.. هنا يناقش الروائي أسامة حبشي، في روايته «حجر الخلفة» -الصادرة حديثًا عن سلسلة إبداعات الثورة، التابعة لهيئة قصور الثقافة، بغلاف عماد عبد الغني- تيمة الموت ويقظة الحياة عبر "نون" و"ألف"، في أمكنة وأزمنة جديدة يتكئ فيها على الأسطورة المصرية فيما قبل آدم، مرورًا بعهد الفراعنة. حتى أنه تخطى الزمن الراهن إلى ما هو أبعد من خلال طرح الأسئلة العميقة، وافتراض المعطيات التي يستطيع من خلال تناوله السردي أن يبرهن عنها في أحداث الرواية التصاعدية، ليجد القارئ نفسه في هذه الرواية أمام عمق إنساني كوني بديع، ولعل ما يميز كاتبها تلك الحكايات المتعاقدة مع التشويق في مزيج متفرد وخيال متقد. الرواية عجائبية غريبة الأطوار، مختلفة البني السردي، يأخذنا مؤلفها بتمكن حكائي مدهش إلى متخيل فلسفي في قالب واقعي، رواية شبيهة بالمتاهة حيث كل الطرق تؤدي إلى الحكايات والحكايات تتسع لتلقي بك في متاهة الدهشة. و«حجر الخلفة» هو حجر كبير له شكل عمود، وهو الشئ الوحيد الذي يميز التل، والتل محاط بالنجيلة والحلفة الصحراوية وبعض من العشب الجاف، وقيل أن في بطنه يوجد كنز مفقود، له باب صغير ينفتح وحده بعدما يشرب من دماء العذارى. حافظ "حبشي" في روايته الجديدة على اللغة الشعرية التي كتب بها روايته «سرير الرمان»، الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة، وبنفس الأسلوب تكاد «حجر الخلفة» تخلو من الحوار، وتتناول عذاب القرية والتل الذي ارتبط بالدم، و"نبوية" ذات الشعر الأفحم الطويل، المعروفة ب"العصا التي تلد قططًا وسحالٍ"، فهي لمد تلد روح نبوية قبلها روحًا إلا وماتت في لحظتها. وقدم حبشي روايته بإهداء إلى "خوان رولفو" و"إيتالو كالفينو" و"لسيدة البحر التونسي" و"ابنتها و"مازن" و"أحمد أبو خنيجر". ومن أجواء الرواية: «إذا كانت للأديان ميزة فميزتها الوحيدة هذه الروحانية في النظر إلى الأشياء البسيطة، وقد نشاهد تلك الأشياء –مثلًا- في عيني الكلب الدهشتين إذ يرقب ورقة حملتها الريح أمامه، فربما ظن الكلب إزاءها أن لها روحًا تحركها من باطنها». أسامة حبشي، هو سيناريست وروائي ومخرج مستقل، أخرج فيلمين قصيرين "حمام شعبى، يوم عادى"، وشارك بالأخير في مهرجان تورينو السينمائي بإيطاليا عام 2006، كما صدر له 4 روايات أخرى، منها "خفة العمى" إصدار الدار 2009. بالإضافة إلى "موسم الفراشات الحزين" من إصدار صفصافة للنشر والتوزيع 2010، وهي عمل سردي يسعى لاستعادة روح مقاومة الاحتلال ليس عبر العنف ولكن عبر الحلم بالحرية، وعبر حياة بطل الرواية الذي يحلم في بلده المحتل بأن يكون حامل الورد. ويروي العمل مأساة أسرة شردها الاحتلال، ولا يذكر المؤلف اسم الوطن المحتل الذي يصلح أن يكون مكانًا واقعيًا محددًا أو رمزًا لكل وطن تحت الاحتلال، ويقترب المؤلف في عمله من أسلوب الواقعية السحرية مازجا الحقائق التاريخية بأحلام أبطاله. كما صدر له "مسيح بلا توراة: محمد البوعزيزي"، التي تحكى عن محمد البوعزيزي التونسى الذى فجّر ثورات الربيع العربى بعدما أحرق نفسه، إلى جانب روايته "سرير الرمان"، التي تناول فيها مأزق البحث عن الذات من خلال التوحد مع الآخر، عبر قرار بطلها بالسفر للصحراء عند بلوغه سن الأربعين، وترك كل شىء وراءه، من أجل التأمل في ماضيه لكنه يفاجأ عند وصوله للصحراء بنسيان كل شئ، وتتوالى الأحداث في رحلة استرجاع الماضي.