«البندك».. نشيدًا واحدًا له لا يقل أهمية عن دور أي رئيس دولة «عبد الحق».. اتجاهه للتمثيل أغفل أهميته كملحن «نهاوند».. بائع فلافل كتب أشهر أغانيها «يا فجر لما تطل» صدر حديثًا عن دار ميريت للنشر، كتاب «المنسي في الغناء العربي»، للكاتب زياد عساف، الباحث المتخصص في الموسيقى والغناء العربي وأدب الطفل، وهو العمل الذي قال صاحبه عنه: «أغاني تحاصرنا في كل مكان تخلو من الحس والمضمون، ولطالما كان إفساد ذوق الإنسان هو إفساد لروحه وعقله وأخلاقة، وبالتالي يتجسد دور الفن البناء في المجتمع، فكان البديل لذلك محاولة العودة إلى الفن الجميل». والكتاب عبارة عن سلسلة مقالات نشرها «عساف» في وقت سابق منفرده على حلقات، ثم جمعها في هذا الكتاب، وشملت عدد كبير من الملحنين والمطربين العرب والمصريين، وكان على رأسهم الفنان الفلسطيني ابن بيت لحم «رياض البندك»، والملحن «عبد الفتاح سكر» أبو الأغنية الشعبية، والمطربة اللبنانية «نهاوند»، والملحن والممثل «عبد العظيم عبد الحق». وفي الحلقة الخاصة بالفنان الفلسطيني رياض البندك، كتب: «كانت مؤشرات طفولته تدل على أنه سيصبح فنانًا ذو شأن، وهذا كان رأي أساتذته في المرحلة الابتدائية والثانوية. واجه "البندك" معارضة شديدة من والده لكي يثنيه عن طريق الفن ولكن دون فائدة، وفي طفولته كان يجمع أولاد الحارة ويجوبون البيوت، حيث كان يعزف ويغني ويساعده الأطفال في العزف والغناء مقابل قروش قليلة، في المرحلة الابتدائية كان يؤدي أناشيد الصباح قبل دخول الطلاب إلى الصفوف. في المرحلة الثانوية، وفي كلية "تراسانطة" تتلمذ على يد الموسيقار الفلسطيني "يوسف بتروني"، والذي يعتبر من أهم الموسيقيين في الوطن العربي». انتقل «البندك» إلى القاهرة، وكان من مؤيدي ثورة يوليو، وتم تكليفه للمساهمة بتأسيس إذاعة "صوت العرب"، فكان له العديد من المساهمات الفنية والموسيقية لهذه الإذاعة، وقدم أول نشيدين وطنيين لها مع الفرقة السيمفونية، وهما "هلموا يا شباب العرب" و"السهول والربا"، وكان قبل ذلك وأثناء زيارته للقاهرة عام 46 لحن أغنية وسجلها في إذاعة القاهرة، وهي "تحية عرب فلسطين إلى أرض الكنانة"، وطلب الرئيس جمال عبد الناصر مقابلته. وأخبره "عبد الناصر"، في اللقاء الذي جمع بينهما، أن نشيدًا واحدًا من أناشيده لا يقل أهمية عن دور أي رئيس دولة، وأنه متابع لكل أعماله وألحانه في صوت العرب، وأشاد بإنجازاته الفنية. وكانت وفاة "عبد الناصر" عام 70 سببًا بضياع فرصه مهمة للملحن، لأنه كان يعد لحناً لأم كلثوم، إلا أن هذا الحدث حال دون إتمام حلمه الفني وقتها. وخصص للفنان الراحل «عبد العظيم عبد الحق» حلقة في كتابه بعنوان «اتجاهه للتمثيل أغفل أهميته كملحن»، بدأها قائلًا: «لا استطيع الحديث عن هذا الفنان الملحن بدون أن يسبق اسمه لقب موسيقار، هذا اللقب الذي لم يمنح له، إلا أن أعماله تدل على ذلك، حيث أنه واجه الإهمال والتهميش من قبل المؤسسات العامة والخاصة، ولم يكرم في حياته أو بعد مماته، ويضاف إلى ذلك أن اتجاهه للتمثيل في السينما والتلفزيون، وفي أدوار بارزة». وقدم في بداية حياته العديد من الألحان لنجوم الغناء في ذلك الوقت، أمثال «كارم محمود، إسماعيل شبانة، عائشة حسن، محمد قنديل، محمد عبد المطلب، سيد إسماعيل، فايزة أحمد، شريفه فاضل». وحكى الفنان الراحل في مذكراته كيف أن أغنية الشاعر عبد الرحمن الأبنودي «تحت الشجر يا وهيبة.. ياما كلنا برتقال»، عرضت على الكثير من الملحنين حينها، وقوبلت بالرفض لغرابة الفكرة، وبعدها سمحت الظروف أن يلتقي "الأبنودي" بالمطرب محمد رشدي، ولم يقتنع صاحب أغنية عدوية الشهيرة، بفكرة الأغنية الجديدة في بداية الأمر، وبعد أن استمع لكلمات الأغنية تحمس لها، وتم اختيار عبد العظيم عبد الحق لتلحينها، حينها احدثت صدى في مصر والوطن العربي، وساهمت أيضًا في شهرة "الأبنودي" كشاعر، وكانت نقطة تحول للمطرب محمد رشدي في مشواره الغنائي. ومن المحطات المهمة في حياة "عبد الحق"، أنه أول من لحن أغنية للراحل "سيد مكاوي"، وهي من الأغاني النادرة التي غناها من ألحان غيره، وهي الأغنية الدينية «محمد»، كما أنه وضع الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام. أما المطربة اللبنانية «نهاوند» كما عرفها الجمهور، في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، واسمها الحقيقي "لارا كيروز"، التي تنقلت في عدة محطات من حياتها، حيث سافرت للعراق وقدمت أغاني لبنانية تميزت بلون "العتابا والميجانا والموال"، بالإضافة لألحان عراقية بالتعاون مع أشهر الملحنين هناك وقتها. وارتبط اسمها بأشهر أغانيها «يا فجر لما تطل»، التي لاقت رواجًا منقطع النظير حينها، وذلك لعذوبة صوتها وحالة الشجن التي تولدها هذه الأغنية لدى سماعها بالإضافة لكلمات الأغنية التي تنم عن إحساس صادق. والتي حكى عنها مؤلف الكتاب قصة طريفة أدت لميلاد هذه الأغنية، وهي: عندما كان الملحن "مصطفى كريديه" يتناول سانديتش فلافل من أحد المحلات، قدم بائع الفلافل واسمه "أحمد البدوي" كلمات أغنيته للملحن الذي كان يعرفه شخصيًا، أملًا أن يلحنها له، فشاءت الأقدار أن تظهر للنور وتصبح من أجمل الأغاني في المكتبة الموسيقية العربية.