بمرور الذكرى ال96 ل"وعد بلفور"، أغلق ناشطو «ائتلاف شباب الانتفاضة» مقار عدد من المؤسسات الدولية، ووضع النشطاء لافتة بعنوان «مغلق بأمر الشباب» باللغتين العربية والإنجليزية، كذلك قدم بعض رجال الصحافة عباراتهم المعتادة في مثل هذه المناسبات. حاورت «البديل» الناقد مدحت صفوت، الباحث في مجال تحليل الخطاب، والمتابع للشؤون العربية (بخاصة شؤون فلسطين)، أوضح خلاله تطورات وأشكال المقاومة خلال سنوات الاحتلال، مشيرًا إلى إمكانية انفجار الوضع على غرار الانتفاضة الثانية، مؤكدًا أن هناك انتفاضة جديدة تلوح بالأفق. وإليكم نص الحوار… - "المقاومة لا تزال مستمرة".. هل هي كذلك؟ وما التطورات التي لحقت بها منذ وعد «بلفور»، وعلى مدار 96 عامًا؟ المقاومة لا تزال مستمرة بالطبع، ولولا استمرارها لمُحيت فلسطين بالكامل، ولأصبح الفلسطينيون ذكرى تاريخية؛ كالهنود الحمر "السكان الأصليين للقارة الأمريكية"، لكن السؤال هنا، من يقوم بالمقاومة؟ وما هي أشكالها؟ فواقع المفاوضات التي تجريه سلطة عباس أبو مازن بالضفة، وسياسة التهدئة التي تلتزم بها "حماس" بقطاع غزة، يثبت أن السلطتين باعتا المقاومة ولأسباب متشابهة غالبًا، فالأولى تحافظ على بقائها على سدة حكم "كانتونات أوكميونات" الضفة، والثانية تلتزم بما تمليه عليها إحدى الدول الخليجية والنظام التركي، مقابل دفع رواتب أعضاء الحركة. كما قامت السلطة الفلسطينية ورجالها "مروجي السلام الاقتصادي"، مثل منيب المصري، بتجريف ثقافة المقاومة ونشر الثقافة الاستهلاكية بين سكان الضفة، وإغراق الشعب بديون القروض التي تمسك الناس من أعناقهم، وتجعلهم يتجرعون مرارة الحواجز وسوء معاملة الاحتلال، وإلا التعرض للسجن جراء تهديد السلطة بعدم دفع الرواتب، كلما ظهرت بوادر انتفاضة جديدة. - إذن ما هي أشكال المقاومة القائمة الآن؟ المقاومة فعل مستمر يوميًا، يبدو من أخبار الاشتباك مع سلطة الاحتلال كل "جمعة" مثلًا بمحيط المسجد الأقصى، ومحاولات الشباب لتجاوز الجدار العازل، والتظاهر ضده، وبناء الخيمات الرمزية داخل المستوطنات الصهيونية والأراضي المحتلة، والقاذفات التي تلقى داخل الكيان بين الحين والآخر، والحرب الدورية التي تنشب بين جيش الدفاع وفصائل المقاومة المختلفة كالجبهة الشعبية و"الجهاد الإسلامي"، وغيرها. كذلك حكاية شهيد مغارة "بلعين"، وقناص الخليل الذي قنص ضابطًا إسرائيليًا، فضلًا عن المظاهرات والاحتجاجات الأسبوعية التي يقوم بها فلسطينيو الداخل، ومقاومتهم المستمرة للتهويد والأسرلة، الأمر الذي يدفعون ثمنه بالاعتقال والحجز الإداري أو بالتهجير والطرد من بيوتهم ومنازلهم. - تتحدث عن أشكال أولية من المقاومة، هل هناك انتفاضة تلوح بالأفق؟ وهل إصابة أربعة جنود إسرائيليين منذ يومين عمل أولي؟ وهل إطلاق الصواريخ على جنوب الكيان عمل غير مجدٍ؟ كما أنه يتوجب علينا أن نعيد النظر لما يُسمى بأشكال المقاومة "السلبية" والناعمة، بجانب المقاومة التقليدية "المسلحة"، فمجرد وقفة صامتة أمام حاجز صهيوني لها تأثيرها إن استمرت وتراكمت مع خطوات ممنهجة ومنظمة، ومقاومة أشكال التمييز التي تمارس على عرب 48 من قبل حكومات الكيان أمر له جداوه. أما بالنسبة للانتفاضة الجديدة، فإن قراءة المشهد بتفريعاته الثلاث "الضفة والقطاع والداخل" يشير إلى إمكانية انفجار الوضع على غرار الانتفاضة الثانية وهو ما نوهته إليه بعض الصحف العبرية مؤخرًا، بيد أن المختلف هذه المرة أن ثورة الفلسطينيين ستكون ضد السلطة وقيادات حماس وسلطات الاحتلال جميعهم، فالناس "طفح الكيل بهم"، وحركات التمرد بغزة ومؤشرات رفض السلطة بالضفة دلالات قوية على قرب ثورة الشعب ضد السلطتين الفاسدتين، وقد يتم اقتلاعهما، كما هناك مؤشرات تؤكد تنامي سلسلة من رفض عرب 48 للممارسات العنصرية، بخاصة بعد تزايد معدلات التهجير التي تقوم بها حكومة نتنياهو، ما يعني إمكانية انفجار الداخل، وتصدير الثورة من قلب الأراضي المحتلة. - ما هي دلائل انفجار الوضع بأراضي الداخل؟ هناك حالة رفض عارمة تنمو يوميًا داخل الأراضي المحتلة، يمكن رصدها من خلال الوقفات والتظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها المدن المحتلة بصورة شبة أسبوعية، وإن ظلت جماعات الرفض في طور التكوين، لكنني أؤمن أن "خميرة العجين" "نتفة" لكنها سريعًا تصبح جبلاً. - ما مدى تأثير إغلاق ناشطو "ائتلاف شباب الانتفاضة" مقار عدد من المؤسسات الدولية ؟ وهل غاب المثقف الفلسطيني عن قضية الاحتلال في 2013؟ هذه الفعاليات تندرج ضمن المقاومة "الناعمة"، وهي في جدواها رسالة لحكومات دول هذه المنظمات فحواها "لا تعامل معكم طالما تؤيدون الاحتلال"، بجانب أن بعض هذه المراكز تقوم بأنشطة تطبيعية، وتروج لنسيان الجرائم الصهيونية باسم "التعايش"، عن أي تعايش يمكن أن نتناقش والكيان العنصري قائم، واللاجئون الفلسطينيون لم يتمكنوا من ممارسة حق العودة؟ أما عن المثقف الفلسطيني، فهو جزء من النخبة العربية، وما أصاب الأخيرة وصل حد النخبة الفلسطينية، لكن في النهاية هناك شريحة من المثقفين لا تزال تسير على درب المقاومة وتقاوم التطبيع بكافة صوره وأشكاله. - ما الآثار الثقافية السلبية التي خلفها وعد بلفور خلال 96 عامًا على فلسطين والوطن العربي؟ آثار وعد بلفور الثقافية لا تنفصل عن الجرائم الإنسانية التي خلفها وعد رئيس وزراء بريطانيا منذ 96 سنة، والإجابة عن هذا السؤال تتمثل في سرد تاريخ أكبر مأساة ومعاناة عرفها تاريخ البشرية، تاريخ من التهجير والقتل الوحشي وسرقة الأرض وهتك الأعراض. تاريخ من اليتم والفقد والاغتراب، بلفور منح "صالبي المسيح" أو "شبيهه"، لا فرق، حق تدنيس أرض الأنبياء، وكان يمكن أن تتغير المنطقة لولا الاحتلال الاستيطاني بأرض باتت "مجهولة" لكثير من العرب والعالم أيضًا. فجرائم الصهيونية العالمية ضد الفلسطينيين هي بالفعل "جريمة الإنسانية الكبرى". - مازال جيش الاحتلال يمارس أعماله بطمس الآثار الإسلامية في عكا الفلسطينية من خلال بيع "خان العمدان" وتحويله لفندق.. ما الدور الواجب للمثقف الفلسطيني والعربي، واتحاد الأثريين العرب تجاه هذه الكارثة؟ "خان العمدان" حالة معبرة عما تقوم به إسرائيل وبشكلٍ ممنهجٍ، بسرقة التراث الفلسطيني وطمس الذاكرة الوطنية، وهدم وتدمير وتخريب المواقع الأثرية، وعن الدور الواجب على المثقف هو التحرك السريع والفعال من أجل إنقاذ تراث فلسطين. أما عن اتحاد الأثريين العرب فآمل أن يقوم بتحريك قضية الآثار الفلسطينية في المحافل الدولية، مع تكليف الشركات الكبرى المتخصصة في ترميم الآثار بعمليات موسعة لكافة المواقع الأثرية بفلسطين التاريخية. - كتبت عن تهويد مدارس القدسالشرقية، وتهويد التراث وطمس الذاكرة الشفاهية والمادية.. السؤال: تهويد التراث الثقافي الفلسطيني إلى أين؟ إلى محو الذاكرة العربية،وآخرها مشروع قانون تقسيم الأقصى، عمليات تسير على قدم وساق، ولا تتوانى إسرائيل لحظة ولا تضييع فرصة إلا وتقوم بالأسرلة أو التهويد، لكن كارثة أسرلة المدارس تكمن خطورتها في إنتاج أجيال بلا ذاكرة، أو بالأحرى بذاكرة مشوهة، فلنا أن نتخيل تأثير المنهج الدراسي الصهيوني "البيجروت" على عقلية النشء الفلسطيني، وكم من الجرائم الصهيونية ستتحول لقصص بطولية في سبيل الدفاع عن أرض «الميعاد»، في ذاكرة أجيال فلسطين. - أخيرًا، هل وعد بلفور جريمة سقطت بالتقادم؟ وعد بلفور "عااااار" سيلاحق البريطانيين والشعوب الغربية بأكملها، عار لن ننساه حتى بعد انتهاء الاحتلال وإزالة الكيان العنصري، لكن ما يخفف من العار تغيير موقف الشعوب الغربية المؤيدة لسرقة الأرض ولمجازر الصهيونية، وتحولها لمساندة الشعب الذي دفع ولا يزال أبناءه ثمنًا لوعد رئيس وزراء بريطانيا. أخبار مصر- البديل