لا يستطيع أحد أن يستهين بما يجري في مصر من أحداث مؤلمة بدأت منذ 30 حزيران الماضي واستمرت في خط تصاعدي ينذر بمخاطر كبيرة تتهدد امن البلاد ووحدتها فضلا عن اقتصادها وموقعها الجبوسياسي في منطقة تلتهمها نيران الحريق العربي المستمر (الذي أسمي زورا بأنه ربيع). ولا يمكن حصر الموضوع المصري في الداخل المصري و اعتباره شأنا داخليا لا ينعكس بآثاره على ما عداه من الاطراف و الكيانات في المنطقة والعالم، ورغم أن المصريين – خاصة من هم في قيادة المرحلة الانتقالية الآن- يصرون وباحساس وطني خالص، يصرون على الصفة الداخلية للاحداث وعلى كونها شأناً مصريا بحت ويصرون علىالاخرين الامتناع عن التدخل فيها احتراما لسيادة مصر وكرامتها وقرارها المستقل. فاننا ومع تأكيدنا على حق الشعب المصري بكل ذلك اسوة بغيره من الشعوب والدول ذات السيادة، فاننا لا يمكن ان نفصل ما يجري في مصر عما يضرب المنطقة العربية من اعصار مركب الاسباب والعناصر من داخلي وخارجي، محلي وإقليمي ودولي. فهناك ترابط بنوي ووظيفي بين اجزاء المسرح المشرقي العام تجعل للصوت في مكان صدى متصل به وثوقا في مكان آخر. ما يعني ان النار المشتعلة في سورية تؤثر و تتأثر بنار اضرمت في مصر والحال نفسه يصح بادخال ما يجري في العراق وليبيا وتونس فضلا عن اليمن والبحرين. لأن الصراع في المنطقة و بغير حاجة الى علماء وفلاسفة واستراتجيين كبار لتوصيفه، هو الان بكل بساطة صراع بين مشروعين قد يقوم اختلاف حول تسميتهما على اساس سياسي أو ديني او فكري او اقتصادي، لكنهما في النهاية مشروعين: غربي تسلطي، وإقليمي مشرقي استقلالي وأن انتصار مشروع هنا قد يقود الى احتمال انتصاره هناك ليراكم الانتصار، أو تطويقه هنالك ليحجم النفوذ و التوسع و انطلاقا من هذا القناعة نجد ان "الاخوان المسلمين" الذين احتلوا مقعدا مميزا في قطار المشروع الغربي وظيفيا مع انهم يعلنون صباح مساء انهم جزء لا يتجزأ من المشروع التحرري الاستقلالي، نجد ان هذا التنظيم الذي فشل في إدارة الحكم في مصر فشلا ادى الى ثورة شعبية عارمة اخرجته من السلطة اخراجا تسبب له بمصاعب في اقاليم أخرى، ترجمت تراجعا له في تونس الى الحد الذي بات مؤكدا استحالة استمراره الحاكم الفعلي الوحيد استحالة شبه مطلقة وأن أفضل الاوضاع الممكنة له هو أن يستمر شريكا في الحكم معآخرين، و الامر نفسه سيجد صداه في ليبيا رغم العقبات، أما في سورية ومع سقوط امال الجهات الخارجية التي قادت العدوان عليها وفشل المحاولات باسقاط سورية المقاومة، فان آمال "الاخوان" في الوصول الى السلطة منفردين تبخرت كليا، كما سقطت احتمالات وصولهم الى السلطة مع اخرين بشكل فاعل بعد تراجع الاطراف الدوليين الراعين لمشروع"الاخوان" عن التزاماتهم حيالهم. فشل مشروع "الاخوان" إذن، و كان سقوطهم المدوي في مصر العنوان الابرز لهذا الفشل و الذي سيكون له أو اضحى له فعلا من التداعيات ما وضع "الاخوان" في مصر أمامأحد خيارين: أما التسليم بالهزيمة واعتماد استراتيجية تحديد الخسائر عبر الدخول في حوار وطني مع الآخرين من مكونات الشعب المصري وصلا الى اعتماد صيغة حكم لا تقصي أحدا ولا تجمع السلطة بيد فريق واحد ليستأثر بها ويلغي الاخرين، و هو الحل المنطقي الذي يستجيب للعقل و المصلحة الوطنية كما والذاتية، أو ان يسلكوا الطريق الاخرويحجموا عن الاعتراف بالواقع ويتمسكوا بمقولة "شرعية الرئيس الذي يجب أن يعود"، فان لم يعد سلما فلا بأس من اللجوء الى القوة والعنف مهما كانت النتائج و حجم الخسائر والمخاطر والتهديدات. ويبدو أن "الاخوان" اختاروا الطريق الثاني واتجهوا الى العنف آملين بأن يمكنهم ذلك من افساد المرحلة الانتقالية ومنع وصولها إلى الأهداف التي رسمت في خريطة الطريق السلمي للحل وإعادة تكوين السلطة في مصر في مرحلة أولى، ثم اسقاط هيئات الحكم الانتقالي وإعادة الرئيس مرسي الى الرئاسة. و مع هذا الخيار تكون مصر قد وضعت على عتبة مرحلة تثير القلق الشديد بشكل يذكر بما حل بسورية ولا يزال، او قد يتجاوزها خاصة وأن ظروف مصر تختلف عن ظروف سورية في اكثر من ناحية نذكر منها على سبيل المثال المعادلة الدفاعية (الجيش السوري 540 الف لشعب عديده 23 مليون، بينما في مصر لا يتعدى عديد الجيش الى 430 الف لشعب عديده 92 مليون) أو التركيبة الديمغرافية، فضلا عن التحالفات الاستراتيجية ودول الجوار. هذا المشهد يدفع للقلق على مستقبل مصر ومسار أمنها ويزداد القلق ايضا مع استعادتنا للذاكرة للخطط الصهيونية لتدمير الجيوش العربية التي قاتلت اسرائيل او التي تشكل تهديدا جديا لاسرائيل وجيش مصر منها، كما ويتفاقم هذا الخطر مع المحاولات الخليجية لمصادرة القرار المصري أو وضع اليد عليه بحفنة من البترودولار نقول قلق رغم الممانعة والرفض المصري الذي يبديه بوضوح كلي المسؤولون عن المرحلة الانتقالية الحالية كما تجلى في الموقف المصري من طلبات السعودية ضد سورية في الجامعة العربية ولكن يبقى الحذر والاحتياط واجبا مع معرفتنا بمطامع السعودية ورغبتها في تعويض خسائرها في العراق وسورية ولبنان الذي قد يدرج في قائمة ميادين الخسائر السعودية كذلك. في مقابل هذا ورغم قناعتنا بان الحل الافضل لمصر يكمن في التفاهم واللقاء و الحوار الوطني، لكننا وبتحليل موضوعي للمواقف و السلوكيات للاطراف ومع رفض "الاخوان" لهذا السبيل، نجد ان هناك تحدي كبير أمام السلطة الانتقالية المصرية وأمام الشعب والجيش المصري، تحدي يكمن في البحث عن السبيل الاكثر نجاعة في منع الانزلاق الى ما هو أسوأ، حل يحفظ لمصر جيشها و وحدتها وأمنها مع الحد الادنى من الخسائر والتضحيات، و هنا نرى ان مصر ستكون أمام قرارات تستلزم الجرأة و الشجاعة خاصة لجهة: - إعداد البيئة المنيعة والقوة الامنية القادرة على منع استشراء الاعمال العسكرية والارهابية وذلك عبر تشكيل خلايا المجتمع الوطني الحارس للأمن، ولا يعني ذلك تشجيعنا لما يسمى حل عسكري أو أمني بل انه يتركز على تكوين البيئة التي تحول دون تفلت الأمن. - تشكيل المظلة الدولية التي تكسب الدولة مناعة امنية مضافة، دون أن يعني ذلك دعوة للانخراط الكلي في سياسة المحاور واستعداء محور لاسترضاء محور آخر. - الإسراع في انجاز متطلبات خريطة الطريق لإعادة تكوين السلطة دون إقصاء أحد بقرار من هيئة أو سلطة رسمية، و ترك القرار للشعب الذي له وحده ان يقرر و يختار شرط ان يؤمن له ظرف ممارسة حرية الاختيار. إننا نرى أن مصر لا زالت في بدايات المواجهة، وهو أمر قابل للاحتواء و الاستيعاب و المعالجة الآن، لكن التأخير في اتخاذ المواقف او الاحجام عن اعتماد التدبير المناسب في وقته، قد يضيع فرص العلاج ويفاقم الأمر، و يضيف الى الخسائر العربية كارثة جديدة لم يعد الجسم العربي قادرا على تحمل المزيد منها.