إذا لم تتمكن من زيارة "إيطاليا" باعتبارها البلد التي تمثل متحفا مفتوحا لعرض كافة أنواع الفنون من نحت ورسم وتصوير، فيمكنك بسهولة وعلى بعد دقائق من ميدان رمسيس الاستمتاع بهذا الجمال في قصر السكاكيني بأعرق أحياء القاهرة "الظاهر"، لترى التصوير الزيتي بألوانه البديعة، وتستحضر تماثيل مايكل أنجلو التي اتخذت عنوانا لعصر الرنيسانس..ولكن احذر لأنك ستجد كل هذا الجمال مهملا ومحاطا بالقمامة المحاصرة للقصر من جميع الاتجاهات وجدران آيلة للسقوط، وأتربة أصبحت تغطي أرجاء القصر. ومن المؤكد أن قصر السكاكيني ليس المكان الأثري الوحيد المتروك للعبث والتلف، ومن ثم قررت "البديل" فتح ملف انتهاكات الآثار التي تفاقمت بعد الثورة في ظل الانفلات الأمني والإهمال الحكومي. قالت "سالي سليمان" مرشدة سياحية وعضو الحملة المجتمعية للحفاظ على الآثار، قصر السكاكيني أقدم قصور مصر تم بناؤه سنة 1897م على يد "حبيب باشا السكاكيني" كنسخة من أحد القصور التي شاهدها في إيطاليا, واختار له موقعا مركزيا في المنطقة، ويتميز القصر بقبابه المخروطية وتصميمه البيزنطي المنتمي للعصور الوسطى. أضافت أنه في عام 1923 توفى حبيب باشا وقسمت ثروته بين الورثة الذين أعطوا القصر للحكومة، حيث تبرع به أحد أحفاد السكاكيني وكان طبيبا لوزارة الصحة، وفي 1961 تم نقل متحف التثقيف الصحي من عابدين إلى قصر السكاكيني وذلك بأمر من محافظ القاهرة، بعد أن كان مقرا للاتحاد الاشتراكي، وفي سنة 1983 صدر قرارا وزاريا بنقل متحف التثقيف الصحي إلى المعهد الفني بإمبابة. وأشارت إلى أنه في عام 1986 تم ضم القصر إلى الآثار، التي كان مفترضا حفاظها عليه من الإهمال، إلا أن حالة القصر تدهورت برغم تصريحات زاهي حواس رئيس المجلس الأعلى للآثار عام 2003 بإعادة ترميمه وتحويله لمتخف لعلوم الطب ليكون الأول بالعالم، ولكن لم تنفذ هذه الوعود، ليصل القصر للحالة المزرية التي هو عليها الآن، خاصة بعد تحويله لمقر إدارة وسط للآثار، وبدلا من محافظة الهيئة عليه حدث العكس. وأكدت أن القصر بما يحتويه من روعة وبهاء في التصوير والمنحوتات، وكان يمثل قبلة لطلبة الفنون الجميلة، وأنها تقدمت بإنذار للوزير بضرورة إصلاح القصر وترميمه، مستنكرة رد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار "مصطفي أمين" بأن"لدينا ما يكفي من الآثار"! وأبدت اندهاشها من عدم وجود مسئول في الدولة يريد التدخل وإيقاف هذه المذبحة التراثية التي تواجه القصور الأثرية، خاصة انه منذ 2008 تم شطب عشرة قصور من تبعيتها للآثار، وهذا يؤكد عدم رغبة الدولة في إنقاذ القصور المتبقية، بعد أن ترك المسئولين قصر فؤاد سراج الدين الأثري يباع بملايين من الدولارات لصالح الشيخة "موزة" بقطر. وقالت "هبة القريبي" المسئول الإعلامي لحملة "أنا من الظاهر"، إننا كشباب من الحي ومنظمين للحملة نطالب بتحويل القصر لمكان ثقافي سياحي، والقضاء على الإهمال الجسيم الذي يعاني منه، والذي جعله آيل للسقوط بين اللحظة والأخرى، خاصة أن المسئولين بإدارة الآثار التي تتخذ من القصر مقرا إداريا لها حذروا الزائرين بالصعود للدور الثاني خوفا من سقوطه. وأضافت أن التدهور زاد بعد الثورة والانفلات الذي أصاب كل شيء، فتحول القصر من مكان أثري فني بديع إلى مقر لإلقاء القمامة والمخلفات أمامه أو بداخله، بالرغم من تنظيم الحملة أكثر من وقفة شاركت في إزالة القمامة والمطالبة بتحويله إلى مركز تنويري لأهالي الحي يمارسون فيه هواياتهم وأنشطتهم الفنية والثقافية المختلفة، إلا أن لا احد يستجيب. وأشارت إلى أن يد الإهمال العابثة ترتب عليها تكسير عدد من التماثيل الموجودة بالقصر والتي يبلغ عددها أكثر من 300 تمثال على الطراز الإيطالي، فضلا عن الكم الهائل من الأتربة التي طمست الألوان والزخارف والنقوش التي تزين جدرانه. وقالت إن الترميم لا يحتاج لدعم مادي كبير من الدولة، لأن القصر نظرا لبهائه المعماري يستخدم كمواقع للتصوير سواء للإعلانات والأفلام السينمائية، ومن ثم ما تنفقه الدولة الآن لحماية القصر وترميمه سوف تسترده أضعافا في الفترة المقبلة. بينما يرى الدكتور "طارق والي" مدير مركز والي للعمارة والحفاظ على التراث، أن قصر السكاكيني لم يكن الأول، فهناك كارثة تضرب الآثار بقوة، وظهرت مع قصور أخرى مثل قصر سعيد حليم ويوسف كمال ومحمد علي، إلى أن وصلنا لظاهرة ممنهجة للقضاء على التاريخ، والدولة هي الجهة المسئولة عما يحدث وهي المنوطة بحماية الآثار، فضلا عن غياب المسئولية الاجتماعية التي يجب أن تتحقق بمشاركة المجتمع المدني ورجال الأعمال. وأضاف أن القصر يعود لنهاية القرن 19، وتعود أهميته كقيمة معمارية مميزة، فضلا عن ارتباطه بأعرق أحياء القاهرة، ويجب توافر النوايا الطيبة من الدولة لحماية الآثار وتقدير قيمة التاريخ، والبدء في أولى الخطوات بضرورة الاستفادة من القصر كمبني معماري في أي نشاط فني أو ثقافي لأهل الحي. وطالب بضرورة احتواء الدستور على مادة تنص على "أن التراث والآثار جزءا من الأمن القومي"، ومن ثم تشرع القوانين الرادعة التي تعاقب من يعتدي أو يتاجر بالآثار، خاصة أن قانون 144 من العقوبات قديم وغير مفعل بدليل هذا العبث التي تعاني منه الأماكن الأثرية الآن.