لطالما كان للناس فيما يَعشقُون مذاهبُ، فهناك من عشق المال وآخرون عشقوا السلطة، وهناك من تعبد في محراب الحٌسَنْ وغيرهم فاز بعشق ماضيه وحاضره وسافر عبر الزمان وعاد إلى سيرته الأولى، متخليًا عن براهج المدنية المزيفة ومستحدثات العصر، متتبعًا عشقه وشتات روحه المستقر لدى أجداده، وعاد ليروي ظمأ قلبه ويقتبس من عظمتهم شيئًا يذكره بأنه فرد ينتمي إلى أعظم شعوب العالم. رغم بساطته وكلماته الهينة إلإ أنك بمجرد الحديث معه، ترغب وبشدة في فتح نقاش تريده أن يدوم طويلًا، فالحديث معه له مذاق خاص وبكلماته العذبة يجعلك تقف احترامًا وتقديرًا وتذوب عشقًا في تاريخ الفراعنة. هذا هو الريس علي فاروق، رئيس فني حفائر مصر العليا، الذي يعيش برفقة العظماء الذين وضعوا بصماتهم على شخصيته، فمنذ الصغر شاهد جده وأبيه ينبشون الأرض لاسكتشاف عبق وأسرار الحضارة الفرعونية، فما كان إنه سار علي درب من سبقوه من أفراد عائلته، ليستلهم بعضًا من إرثهم التاريخي ونيل الشرف بالكشف عن حضارتهم في باطن الأقصر. التقت «البديل» بالريس «علي» ليروي أحداث 30 عامًا من العمل في الحفر والتنقيب عن الآثار مرافقًا أهم علماء الآثار بالعالم، ليروي تفاصيل رفقته لعظماء التاريخ قائلًا "امتهنت عمالة الحفر من دافع الحفاظ على إرث العائلة بالاشتغال في ذلك المجال، فوالدي أحد أهم رؤساء العمال في بعثات التنقيب التي نقت عن الآثار في مصر، ولذلك حرصت كل الحرص أنا وأشقائي الستْة في اقتحام عالم الحفر والتنقيب عن الآثار". وأكمل الريس «علي» تتبعت الحفر عن الآثار من مرسى مطروح حتى أبو سمبل مرافقًا عددًا كبيرًا من بعثات التنقيب عن الآثار، حتى تشكلت لدي خبرة واسعة في مجال الآثار، فبدون تعليم تمكنت من معرفة قدرًا من أساليب التنقيب وكأن الفراعنة أرسلوا تلك الموهبة لي من العالم الآخر". يروي الريس «علي» أنه في إحدى مشاركاته لبعثة إسبانية بهدف التنقيب عن الآثار واكتشاف الأثريات بمنطقة ذراع أبو النجا، والتي تقع بالبر الغربي لنهر النيل بمدينة طيبة القديمة بمصر، عند مدخل الخليج الجاف المؤدي للدير البحري شمال مقابر العساسيف، واستخدمت منطقة ذراع أبو النجا كمدينة الجنائزية خلال عهد الأسرة السابعة عشر، قام العالم رئيس البعثة "خوسيه جالان" بوقف العمل بتلك المنطقة، إلإ أني أصررت على استكمال العمل، ومع وجود الرفض الشديد من جانب مسئول البعثة أفصحت إن المقبرة التي تحتضنها تلك المنطقة لم يتم الكشف بعد عن كل أجزائها، واستطعت إقناع رئيس البعثة بالسماح لي باستكمال العمل في الفناء المكشوف للمقبرة، وبالفعل بدأت في عملي للكشف عن ما تخفيه المقبرة على مضض من رئيس البعثة. وعندما بدت الجزئية الأولى من المقبرة متهدمة بعض الشئ تحسست الأرض وطلبت من العمال المرافقين لي بالبدء في الحفر بتلك النقطة، وبالفعل تم العثور مجموعة كبيرة من الأواني الفخارية، إلى جانب مجموعة من تماثيل «الأوشابتي» المصنوعة من الخشب والملفوفة بلفائف من الكتان، إلإ أنني لم انته أقف عند ذلك الحد بل قمت بتعميق الحفر حتى استطعت العثور على حجرة داخل باطن الأرض تحتوي على تابوت الطفل الخشبي، وتجسد الكاهن «أحمسا» أحد أهم الكهنة في ذلك الوقت. إلإ أنني لم أقف عند ذلك بل قمت بتعميق الحفر حتى استطعت العثور على حجرة داخل باطن الأرض تحتوي على تابوت، كل هذا حدث وسط ذهول من رئيس البعثة عن إمكانية معرفتي لوجود ذلك الكشف الأثري. وأضاف الريس «علي» عملت مع أهم علماء الأقصر منهم الدكتور محمد الصغير والدكتور علي حسن، إلإ أنني لم أستمتع سوى بصحبة الدكتور زاهي حواس رئيس المجلس الأعلى للآثار، فالمتعة وعشق الفراعنة لدى هذا الرجل غريبة إلى حد يجعلك تنساق وراء جموحه في الكشف عن أسرار الفراعنة، كما أن «حواس» أعطى لعامل الحفر مكانته مقدرًا لدوره في عملية التنقيب والمخاطر التي يتعرض لها. وعن مخاطر العمل، يقول إن العمل في مجال الحفر يتسم بالخطورة التي تصل إلى تهديد حياة العامل، فأثناء العمل في مقبرة منطقة العساسيف بجوار معبد حتشبسوت انهارت كومة من الأتربة بلغ ارتفاعها 6 أمتار فوق سطح الأرض، احتجز خلفها عدد من العمال وبذلك أغلقت المقبرة والعمال بداخلها، فما كان مِنِيِ إلإ أن قمت باستخدام لوح خشبي وتمكنت بواسطته من إحراق الكومة الترابية، وبمعاونة العمال المحتجزين داخل المقبرة تمكنت من إزاحة الأتربة وسحب العمال واحد تلو الآخر، وهكذا مكنتني مهنتي من التعامل بسرعة وبأبسط الأدوات لمجابهة المخاطر. وأضاف أن خلال عمله في التنقيب عن الآثار أيقن أن لعنة الفراعنة موجودة، وأن ما يسمى "بالرصد"، وهو حارس المقبرة والكنز الفرعوني، حقيقة تمكن من إدراكها من خلال عمله بالمقابر، إلإ أنه استنكر إصّرار علماء الآثار على إنكار تلك الحقيقة، وطالب الريس «علي» أن يدخل في مناقشة مع أحد علماء الآثار ليثبت له حقيقة وجود الرصد ولعنة الفراعنة. شارك الريس «علي» في 12 كضيف في 12 فيلمًا تسجليًا عن آثار الأقصر، وسافر إلى عدد من الدول الأوروبية لحضور حفلات لتكريمه، كما سّعد بالظهور في أحداث فيلم البحث عن توت عنخ آمون سنة 1997، والذي يروي رحلة العالم الأثري هوارد كارتر في رحلة البحث عن مقبرة الملك الصغير توت عنخ آمون عام 1922.