من أنتم ؟ من فوضكم ؟ عن أي شعب تتكلمون ؟ لستم إلا أقلية والأغلبية الصامتة غاضبة وستنقلب عليكم ! ألا ترون أنكم تهدمون الاقتصاد وتعطلون عجلة الإنتاج ؟ ما فاتهم من كذب قول : “انظروا في القرى لقد هجر كل الفلاحين الحقول والزرع يموت عطشا ولن يحصدوا هذا العام إلا الحسك !” خبز.. حرية.. عدالة اجتماعية.. معاقبة المجرمين والمفسدين والقتلة.. قيم رفعتها الثورة. هل تلك المطالب تعبر عن مصالح فردية أو فئوية ؟ هل هي مطالب تحرض عليها بعض الأيادي المندسة تحركها جهات أجنبية ؟ غريب أمر المتشدقين في الإعلام الذين يستميتون في مناهضة الثورة بالادعاء بأنهم يريدون حمايتها من قلة مندفعة ومتهورة وشيطانية. شيطانية الكلمات ليست بخطأ مطبعي فاختيار الكلمات له دلالات بعينها في الخطاب السياسي. يقول الحديث “من رأى منكم منكرا.. فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”.. فكيف يستقيم قول من يعادي الثورة بأن الثائرين على غير حق لمجرد أنهم ينتمون لفكر اشتراكي أو ليبرالي أو حتى لا ينتمون لفكر ما ويناضلون من أجل تحقق كرامتهم كبشر ؟ وفي ماذا تختلف شعاراتهم أليس هو “المنكر” ذاته الذي يحاربونه ؟ هو منكر الفقر وسوء التغذية وانحطاط التعليم وعدم القدرة على تلقي العلاج والتفاوت الهائل بين الفقراء والأثرياء. كيف يستقيم أن يقول البعض : من فوضكم ؟ وباسم من تتكلمون ؟ ألا يتكلم الثوار باسمهم فهم ضحية لهذا “المنكر” مباشرة بالتعذيب والقتل هم وأصدقاء لهم وجيران؟ ألا يحق لهم المطالبة بالعدالة ممن عذبوهم وقتلوا أحبة لهم أو حتى أشخاص أبرياء لا يعرفونهم لم يرفعوا سلاحا ضد أحد ؟ ألا يتكلمون باسم إبائهم وجيرانهم وهم الذين يتعرضون للبطالة وعدم القدرة على الإنفاق على ذويهم والتمتع بعلاج ومعاش لأيام شيخوختهم بعد أن افنوا حياتهم في خدمة الوطن وضمنوا بقائه بعملهم وتجديد قواه العاملة بإنجابهم ؟ أيها المضللون، كل هذه المعاناة هو ما يمنح الشرعية الثورية “لقلة من ملايين” تناضل باسم “الغالبية الصامتة”. أما من فوض تلك “الأقلية” ؟ فوضهم وعيهم بأن عليهم تغيير “المنكر” بأيديهم في الوقت الذي تغيره الغالبية الصامتة أما بلسانها في نكاتها وأحاديثها داخل غرف مغلقة أو تغيره في قلوبها رعبا من بطش نظام بوليسي سامهم سوء العذاب عشرات السنين. فمن هم هؤلاء الذين يشكلون الغالبية الصامتة ؟ أليست هي الأغلبية التي مازالت فريسة الأمية والأمية السياسية تقع في فخ العبودية المختارة؟ فالشرعية الثورية “للأقلية المليونية” هي النفي الكامل واللا محدود للشرعية المزورة ودورها هو هدمها حتى آخر حجر في مؤسساتها. فهذه “اللاشرعية” التي جسمت على الشعب عشرات السنين فرضت الحرمان عليه.. حرمان من حرياته وحقوقه ومارست ضده كل ألوان الاستغلال والقهر. ولكن الشرعية الثورية تختلف عن “اللاشرعية” التي تجبرت فهي شرعية تحكمها القيم الإنسانية والأخلاق الثورية العادلة البديلة لوحشية النظام السابق. فالالتزام بالأخلاق الثورية هو تعليم الجماهير تأسيس مجتمع جديد بأخلاق تحترم المواطن سواء كان حليفا أو مناهضا كإنسان ففي ذلك أيضا محاولة تغيير لوعيه وليدرك أن إنجاز الثورة هو الأمل لحياة مختلفة كريمة له أيضا. ويسألونك هل انحرفت الثورة عن أهدافها ؟ قل يا أيها المواطنون، هل رأيتم ثوريا يقتل أو يسرق ؟ إن الثوريين في مصر لم يقوموا بنهب ثروات رجال الأعمال الذين ارتبطوا بالنظام المباركي.. لم يستولوا على منازل الأثرياء وقصورهم.. لم ينهبوا محلاتهم وشركاتهم.. لم يقوموا بالقصاص من الذين ارتبطوا بهذا النظام لا في القطاع العام ولا في القطاع الخاص ولا في مؤسسات الدولة. لم نشهد على يد الثوريين عمليات اغتيال لأي من رموز الدولة.. لم تحدث تصفية جسدية لكل من تعرض للشعب بالنهب أو التعذيب أو القتل.. طالب الشعب بتطبيق العدالة بمحاكم مدنية ولم يكن من بين مطالبهم محاكمتهم بمحاكم عسكرية أو استثنائية وربما كانت تلك خطيئة وقعوا فيها لقناعتهم النقية بأن العدالة سوف تأخذ مجراها وبسرعة. لقد قامت الثورة لنفي استغلال وظلم واقع على العباد. وبرغم أن الثوار بالآلاف بمقدرهم اقتحام المحالات واحتلال المصانع والشركات فهم لم يفعلوها وظلت أجسادهم وأصواتهم هي أسلحتهم الوحيدة بالمشاركة السلمية للمطالبة بالتغيير. أي أن الثوريين تركوا مهام انجاز مطالبهم في يد الدولة التي ستتكون ولم يقوموا بانتزاع مطالبهم بيدهم ولا ثأروا لضحاياهم وتركوا للقانون وظيفته وما على الدولة والقانون إلا تنفيذ الشرعية الثورية ليبدأ المجتمع مرحلته الجديدة. إن التمرد ضد نظام بثورة لا يلزم بالحفاظ عليه وإنما واجبه أن يهدم كل ما هو عفن فيه وتشييد دولة جديدة. وبرغم أن الدولة القديمة مازالت قائمة فإن الثوار لم يمسوها بسوء بل حموا مؤسساتها من أي أيد عابثة وقاوموا كل دعوى مغرضة للتعرض لها في ظل غياب مريب للشرطة. وهنا يلزم التشديد على أن دعوات الاعتصام هي حق مشروع دوليا للمطالبة بحقوق وتحسين شروط عمل وحياة. وأن العصيان المدني هو وسيلة من وسائل الثورة ولكنه يظل سلاح احتياطي لا يستخدم إلا في حالة الضرورة القصوى مثله مثل الإضراب عن الطعام أي عندما يستنفذ الثوار الوسائل الأقل حدة. ثورة تلك سماتها لا نجد مثيلا لها في التاريخ القديم ولا المعاصر. فالشرعية الثورية هي الدرع الوحيد الضامن لاستمرار الثورة في مواجهة كل أعدائها في الداخل والخارج ومن يشكك فيها لا يريد إلا وأد الثورة في مهدها ومعاودة فرض نظام لن يتميز إلا بجبروت النظام المباركي بل واشد بتصفية الثوار.. ولكن بعيد عن “شنبهم” فقد فات زمن الخنوع وإذا كان خبراء النظام الراهن لم يدركوا التحول الكيفي للإنسان المصري الذي أنجزته ثورة يناير فعليهم أن يعودوا لمقاعد الدرس ليتعلموا من تاريخ الشعوب!