رجل أعمال قصير غير مؤهل تحول إلى وحش كاسر وسيطر على مقدرات الأمور في الحزب الحاكم ورمى كل منافسيه "الأقوياء" في الشارع واحتكر الصناعة الثقيلة في البلاد، لم يكن ليقوم بكل ذلك لولا قربه من النظام السابق بدرجة تجعله الآمر الناهي في السوق المصرية، إنه "أحمد عز" المتحول من تاجر لأدوات السباكة إلى "والي مصر" وإمبراطور الحديد "المحتكر الأعظم" ومحرك البرلمان بطرف إصبعه. حياته عبارة عن قصة صعود من الهاوية إلى القمة دون أي مؤهلات، فلا هو يمتلك الخبرة ولا الحنكة ولا الفكر المستنير، لكن يكفيه امتلاك الملايين التي لا يعلم أحد مصدرها، والتي أصبحت وقود الحياة في مصر "الجديدة"، حيث لا مكان فيها للفقراء، فالأغنياء فقط هم من يمتلكون القدرة على الدفع من أجل التحدث، ومع ذلك ظل "عز" يمارس مهنته المحببة إلى قلبه، فقد عشق "التطبيل" منذ نعومة أظافره، والفرق أنه انتقل من عازف درامز إلى اكبر "مطبلاتي" لمبارك وأولاده، شهدت المؤتمرات على تصفيق عز الهستيري بمجرد ذكر اسم "جمال مبارك" مفجر ثورة التغيير!! أحمد عز هو ابن اللواء عبد العزيز عز، الرجل الفاسد الذي تزوج من يهودية إسرائيلية في 1956، وخرج بفضيحة بعد نكسة يونيو 67 في حملة التطهير التي قضت على رجال المشير، وتاريخ والد عز مليء بقضايا الفساد فهو رجل "مشبوه" اتهم عام 1983 في قضية الحديد المغشوش الشهيرة والذي تم استيراده من رومانيا، بعد أن رتب أخوال أحمد عز اليهود صفقة شركة "إنيلي" التي كان الرئيس الروماني قد اشترى أسهمها. كما أن عبد العزيز عز كان "تاجر عملة"؛ وهي التجارة التي جعلت وزير الداخلية يصدر قرارا باعتقاله ثم خرج من المعتقل ليهرب بأسرته إلى سويسرا، للإقامة عند أصهاره اليهود قبل أن يعود بعد ذلك أحمد ومعه الأموال التي ساعدته على بناء مصنع حديد عز، ثم حصل بعد ذلك على قرض قيمته مليار و600 ألف جنيه ساهمت في شراء شركة "الدخيلة" من خلال صفقة مريبة لا يعرف أحد فحواها حتى الآن. وما يفضح عائلة عز الذي يتباهى بأن أهله كانوا من الأعيان وأنه ورث ثروته عن أبيه هو الإعلان الذي نشر بجريدة الأهرام بتاريخ 28 نوفمبر 1974 عن "شركة عز للتجارة الدولية" التي تقع في القللي بالسبتية فوق نفق شبرا والتي تدعو أصحاب المصانع والعمارات والتجار لانتهاز الفرصة لشراء احتياجاتهم من مواسير الصلب ولوازمها وهي ما يحتاجه "السباكون" وهو الدليل الدامغ على البداية المتواضعة للغاية لعائلة عز قبل أن يدعمه أخواله اليهود، لأن خريج كلية الهندسة جامعة القاهرة الذي بدأ حياته كعازف درامز في فرقة موسيقية بأحد فنادق القاهرة عام 1987 -حسب دراسة لمعهد كارنيجي الأمريكي- لا يمكن أن يتحول إلى إمبراطور بدون تحول درامي خطير. في بداية التسعينات حصل عز على قطعة أرض في مدينة السادات، أقام عليها مصنعا لدرفلة الحديد بقيمة 200 ألف جنيه فقط وحتى عام 1995 كان مستثمرا عاديا جدا، ثم بدأ يصعد بعد الظهور الأول مع جمال مبارك في مؤتمر الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 1996، وبعدها كان أقوى المساهمين في جمعية جيل المستقبل التي بدأ بها جمال عام 1998 وخلال عامين قفزت استثمارات عز بشكل هائل، فأصبح وكيلا لاتحاد الصناعات، و استغل زواجه من السيدة خديجة ابنة السيد أحمد كامل ياسين نقيب الأشراف وقام بشراء 44 ألف فدان من أراضي الأشراف التي تديرها النقابة بثمن بخس، ثم باعها بملايين الجنيهات وكانت هذه الأموال هي رأسمال شركة الجوهرة للسيراميك. كانت الخدعة الكبرى عام 1999 عندما استغل عز أزمة السيولة التي تعرضت لها شركة الإسكندرية الوطنية للحديد والصلب "الدخيلة "، بسبب سياسات الإغراق التي سمحت بها الحكومة للحديد القادم من أوكرانيا ودول الكتلة الشرقية، فتقدم بعرض للمساهمة في رأس المال وبالفعل تم نقل 543.500 سهم من اتحاد العاملين المساهمين بشركة الدخيلة لصالح شركة عز لصناعة حديد التسليح، وبعد شهر واحد تم إصدار ثلاثة ملايين سهم أخرى لصالح عز ليسيطر على الشركة، وفي أخر عام 1999 أصبح رئيسا لمجلس إدارة الشركة؛ والحجة أنه يمتلك 27% من أسهمها رغم أنه لم يقم بسداد ثمن الأسهم التي اشتراها. كما تلاعب بالبورصة ليربح ملياري جنية في 5 ثواني بعد هبوط سعر حديد الدخيلة فجأة بدون مبرر من 1300 جنيه إلى 1030، وهي اللحظة التي اشترى فيها عز 4 ملايين سهم ولم يستطع أحد محاسبته بسبب مناصبه المتعددة. احتلال الحزب الحاكم بدأ الصعود السياسي عام 2002 عندما تم تعيينه عضوا في الأمانة العامة للحزب الوطني، بعد أن نجح في انتخابات مجلس الشعب "المزورة" عام 2000، حيث تم تفصيل دائرة منوف له كون مصانعه موجودة بمدينة السادات وبذلك يضمن أصوات العمال، وفجأة أصبح أحمد عز وبدون أي مقدمات رئيسا للجنة التخطيط والموازنة في مجلس الشعب، وهو أمر غريب، فما هي خبرات عز ليصبح رئيسا للخطة والموازنة! ثم جاء عام 2004 والذي استولى فيه على منصب أمين العضوية، وفي عام الانتخابات 2005 قام بتمويل حملة الرئيس الانتخابية فحصد منصب أمين التنظيم والذي أزاح من خلاله أقوى رجل في مصر وهو كمال الشاذلي. إمبراطورية الفساد تضم إمبراطورية عز شركة العز لصناعة حديد التسليح التي تأسست عام 1994 بالمنوفية برأس مال مدفوع قدره 911.9 مليون جنيه، مستفيدا من مزايا قانون الاستثمار رقم 43 لسنة 1974 وتعديلاته المثيرة للجدل، وكذلك قانون تنمية المجتمعات العمرانية الجديدة رقم 159 لسنة 1979، وبحسب مواد القانونين أعفي عز من الضرائب 10 سنوات كاملة. وبعد تأسيس هذه الشركة تأسست 3 شركات تابعة لها، وهي مصانع عز للدرفلة "مصانع العز للصلب سابقا" التي تأسست عام 1986، ويملك أحمد عز 90.73% من أسهمها، والثانية شركة العز لصناعة الصلب المسطح "العز للصناعات الثقيلة سابقا" التي تأسست عام 1998 بنظام المناطق الحرة، ويمتلك فيها أحمد عز 75.15% من أسهمها، والثالثة هي شركة عز الدخيلة للصلب "الإسكندرية" التي كانت من سنوات قليلة من ممتلكات قطاع الأعمال العام، وكانت قد تأسست عام 1982 وعبر عمليات غامضة استحوذ السيد أحمد عز عليها عام 1998 وامتلك 50.28% من أسهمها. والغريب أنه في مصر كانت هناك 19 شركة تعمل في صناعة الحديد والصلب منها واحدة فقط مملوكة للقطاع العام، هي شركة الحديد والصلب المصرية التي بدأت منذ عام 1955، وبقية الشركات مملوكة للقطاع الخاص، والغريب والعجيب أن شركتي القطاع العام اللتين كانتا تعملان في هذا المجال تعثرت إحداهما في ظروف غامضة حتى استحوذ عليها عز في منتصف التسعينيات وهي شركة الدخيلة، والثانية تواجه ظروفاً مشابهة ومازالت التساؤلات مطروحة عن ظروف استحواذ عز على شركة الدخيلة؛ فهذه الشركة أحد رموز عصر النهضة الصناعية الجديدة في الخمسينيات والستينيات حيث بدأت عام 1955 إنتاجها بحوالي 250 ألف طن سنويا ثم تطورت خطوط إنتاجها في مطلع الستينيات بعد إدخال خط درفلة وخط حديد مسطح فزاد إنتاجها عاما بعد آخر حتى قارب حاليا مليون طن سنويا. قال الدكتور محمد النجار، أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها وعضو لجنة الاقتصاد بالمجلس الأعلى للثقافة، أن أحمد عز هو أحد الكيانات الاحتكارية التي دمرت الاقتصاد المصري، وساهم بشكل كبير في صنع مشكلة التضخم، وكان ضمن خمس مجموعات تهيمن على السوق المصري، وتتحكم في كل شيء سواء مواد البناء أو الغذاء أو الأسمدة، ولم يكتفوا بذلك بل لعبوا سياسة واقتربوا من الوزراء، وتعينوا وزراء في المجالات التي يستثمروا بها، وكانت هذه الخطوة مأساة في حد ذاتها؛ فكانت القرارات كلها تصدر لخدمة مصالحهم فقط ، كما أنهم أعطوا لأنفسهم الامتيازات والتسهيلات دون أن يراجعهم أحد. وأضاف النجار أن عودة عز والتصالح معه يجعل ثورة 25 يناير كأن لم تكن، وكل من ينادي بضرورة عودة النظام السابق ورجاله يعطي إيحاء بأن المرحلة الانتقالية مقدمة لإعادة إنتاج النظام الأسبق، بصرف النظر عن رموزه وشخوصه؛ أي أن تعود سياستهم من جديد حتى لو اختفوا هم من الساحة، فيكفيهم التحكم في مجريات الأمور، متجاهلين رفض الشعب لمبارك ورجاله واحتجاجهم على فساده وديكتاتوريته، وأنهم لن يغفروا الفوارق الطبقية الكبيرة التي خلقها النظام بين فئات الشعب المصري. وتابع، أنه لا جدوى للتصالح مع رجال أعمال مبارك؛ لأننا الآن نعاني من إفراط تدفق القروض وهي تصنع مديونية خارجية، وستصبح مشكلة بعد ذلك عند تسديد القروض القادمة من السعودية والإمارات والكويت، وكل ما نحتاجه الآن هو تشجيع المستثمرين على الاقتراض من البنوك المصرية، للنهوض بالاقتصاد مرة أخرى، ولا داعي لإعطاء أهمية ل"الملهوفون" على التصالح؛ لأنهم لا يريدون سوى العودة إلى ما قبل 25 يناير، ويرون في سقوط الإخوان بيئة مناسبة لهم.