نشرت جريدة المصري اليوم في عددها رقم 2566 الصادر يوم 23/6/2011 أن السيد وزير العدل أصر على اعتذار القاضي أمير عوض رئيس المحكمة بمحكمة الجيزة الابتدائية مقابل سحب ملف إحالته للصلاحية، ومعنى ذلك أن السيد وزير العدل علق صلاحية القاضي على اعتذاره لسيادته ، ورغم خطورة ما نشرته الجريدة في معناه ومغزاه ، فلم نقرأ تكذيبا أو تعليقا عليه من السيد الوزير، فهل صلاحية القاضي تتوقف على اعتذاره للسيد الوزير، فإن هو أتاه صاغرا ذليلا يطلب العفو والرحمة والصفح، صلح لتولى القضاء، مع أن السيد الوزير لا يملك لا هذا ولا ذاك فالعفو والرحمة بيده سبحانه وتعالى وحده، وإن رفض لإيمانه بأنه لم يرتكب ما يستوجب الاعتذار، واحتراما لنفسه واعتزازا بكرامته، فقد صلاحيته .. ؟ ما أصعب خيبة ظننا في وزير العدل، وما أقسى من وقعها على قلوبنا، إنها خيبة أمل أدمت قلوبنا، وأذهلت عقولنا، إنا نراها مصيبة وقد حلت بنا، إن صلاحية القاضي لها أسباب ومعايير أخرى غير اعتذاره للسيد الوزير، ومنها بلوغ السن وتجاوزه، فهل وصل صلف وزير العدل وبطشه وتجبره إلى هذا الحد. وهل يمكن أن تكون عزة القاضي وحرصه على كرامته، واعتزازه بنفسه مصدر شقائه، وسبب محنته، وفقدانه لصلاحيته ...؟ إن عزة النفوس تقابل جاه الملوك، وأن رفض القاضي أمير عوض الاعتذار للسيد الوزير يكشف عن ثقته في نفسه، وأنها نفس خالية مما يعيبها أو يشينها، نفس خالية من الشوائب ، نقية صافية طاهرة، مستقيمة في القصد والمسلك، ويبرز صفة القاضي السامية الجليلة فيه، وهى صفات لازمة في القاضي، ويكشف عن الصورة الثانية الزائفة لو صحت ، يكشف عن نفس ضعيفة، تتفاخر بالقدرة على الشر والأذى، وسوء في النية، وخبث في الطوية . لقد أكد لي الزملاء الأعزاء الذين حضروا طلب وزير العدل من القاضي الاعتذار، مقابل سحب ملف الإحالة إلى الصلاحية حدوث الواقعة، وهو ما يستوجب نقل تبعية التفتيش القضائي فورا إلى مجلس القضاء الأعلى، ويستوجب مساءلة الوزير نفسه، ومعه كل من شارك في إحالة القاضي المحترم أمير عوض إلى الصلاحية ، والبدء في معركة إصلاح العدالة، باستئصال الأورام الخبيثة التي نخرت جسمها ومازالت، مهما كان نوع وحجم الألم الذي قد تتسبب فيه، والتخلص من تلك الأسماء الكريهة التي ارتبطت بتلك الحقبة الكئيبة التي تولى فيها ممدوح مرعى وزارة العدل، وتطهير التفتيش القضائي من أعوانه، من ذوى النفوس المريضة التي تحاول دائما أن تهبط بالشرفاء الأطهار إلى مستواهم، وجعلهم مثلهم، فالنيل من الشرفاء يرضيهم عن أنفسهم، ويقلل من انزعاجهم لتفوق الغير عليهم، ويهدئ من ثورة أحقادهم، ويطفئ من حمم حسدهم ، ويستخفهم الطرب كلما وجدوا ما يشفى غليلهم، ويطلق ألسنتهم بالذم والتشهير، لا حرصا على القضاء، وإنما رغبة في التشفي والانتقام من الأفضل والأنجح، إنهم يتصيدون الأحاديث في المجالس والأسمار، وهؤلاء هم من فقدوا صلاحيتهم للقضاء، وليس من رفض الاعتذار . وأي نوع من القضاة يريد السيد وزير العدل ...؟ هل يريد القاضي الذي يفتقد عزة النفس وإبائها، والأنفة والكرامة والترفع، هل يريد القاضي الذي تهون عليه نفسه فتهون على غيره، هل يريد من القاضي الخضوع والخنوع ... لا يا سيادة وزير العدل.... يا سيادة النائب العام الأسبق.... ليس بيننا ذلك القاضي الذي تريد، ولن يكون، فإن أردت، وأنت حر فيما تريد، فأرض الله واسعة... أما أنت يا أمير فأشرف لك وأكرم أن تفقد صلاحيتك بسبب كبريائك، وعزة نفسك، وحرصك على كرامتك، من أن ترضخ لضغوط من غاب عنهم ضرورات استقلال القضاء وهيبته.