افترشنا أرض الميدان .. ترابطنا وتوحدنا .. كنا جسداً واحداً يقتسم الساندوتشات والجبنة والبيض .. يجرى فى دمنا نفس الكشرى الذى كنا نتعاطاه فى نفس العلبة البلاستيكية من عند توم اند بصل. ثم إنتهت أيام الإتحاد الحلوة وعاد الانقسام مرة أخرى بعد حالة الترابط التى دامت أكثر من شهر كانت كفيلة بهدم نظام مبارك الفاشى ورميه إلى مزبلة التاريخ والدخول إلى صناديق الاستفتاء الشفافة ذات المنظر البهيج. عاد الإنقسام.. على كل لون يا انقسام.. مسلمين ومسيحيين.. موظفين شركات وسماسرة بورصة.. بتوع نعم وبتوع لأ.. سلفيين واخوان.. ليبراليين وناصريين.. إنقسام على كل المستويات والجماعات والافراد والديانات والمواقع.. انقسام يذكرنى بمنظر الفاترينة الزجاج الكبيرة فى محلات حسونة بتاع الملابس حينما تخيّش فيها الكرة الكفر التى كنا نلعب بها فتتحول الفاترينة إلى ما يشبه اللب الزجاجى، هكذا تحوّلت مصر الآن إلى فاترينة زجاجية منقسمة إلى حبيبات فى حجم اللب، وعلى الأعداء أن يجهزوا أنفسهم للقزقزة. أى والنعمة.. كان قلبى منشرحاً وصدرى منشحكاً من حالة الإتحاد والترابط التى جمعت إلى الطوائف والأشكال والأطياف من فئات الشعب المصرى المختلفة فى ميدان التحرير وما بعد ميدان التحرير أيضاً الأمر الذى أشعل فى نفسى أملاً بأن هذا الإتحاد قد أوشك على الطرطشة على المنطقة من الخليج إلى المحيط وألهب خيالى لرسم صورة الوطن الأكبر الذى لا يقف مانعاً أمام تكوينة سوى الأنظمة بنت الكلب التى تحكمنا من عشرات السنين والتى على وشك أن تذهب جميعها فى داهية. لكن (ترجع ريمة لعادتها القديمة) ونعود لهوايتنا المفضلة فى الانقسام والتشتت ونتصارع من أجل توزيع الغنائم (معلش لسة غزوة الصناديق مأثرة على ألفاظى) تلك الغنائم التى لم تصبح غنائم بعد... الحريّة التى نحلم بها ونكاد نمسكها بإيدينا قد تصبح سراباً بقيعة يحسبه الشعب المصرى ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا وحينئذ فلسوف يكون الخازوق التى نأخذه مغريّاً. الشعب المصرى يجلس الآن فى كفه وأعداءه يجلسون فى الكفة الأخرى يخططون ويدبرون ويشاهدون ويستمتعون .. الأعداء أيضاً كثيرون وعلى كل لون يا باطستة: أولاً : أعداء فى الداخل – فلول الحزب الوطنى ورجاله وإعلامه وقياداته ومحليّاته – رجال أمن الدولة المفتت – قادمون من الخلف لم يمارسوا العمل العام من قبل مثل السلفيون – صامتون لا يحبون وجع القلب وليس لهم فى المظاهرات وينظرون إلى الثوار على إنهم فئة متفذلكة عايزة الحرق. ثانياً : اعداء فى الخارج – وعلى رأسها الإدارة الأمريكية والإسرائيلية وأتباعهم من حكومات أوروبية ومريديهم من فلول الأنظمة العربية الذين لا يرضون أن تقوم لشعوبهم قومة. والجميع منهم يقف فى إنتظار الإنقسام والتفرق، وهو أملهم الوحيد فى إطفاء شعلة الثورة، والقضاء على مكاسبها، ونحن نعشق الإنقسام الميتوزى وننساق إلى دعاوى الإنقسام.. حتى شيوخنا الذين نحمل فيهم أخر أمل.. ونلجأ لهم فيما يختلط علينا.. منهم من صمت وسكت.. ومنهم من تكلم فهتفنا .. ليته صمت. الفترة القادمة تحتاج لكسر حالة تنشيف الدماغ التى أصابت أغلبنا خلال فترة ما بعد الاستفتاء.. وتأكد عزيزى القارئ أن فى نفس ذات اللحظة التى تقوم فيها بتنشيف دماغك أو تصدير الطرشة لما يطرأ من أحداث خلال تلك الأيام هى نفس اللحظة التى يجلس فيها المتربصون بمصر ليستمتعوا بأحلى لحظات الإنقسام الميتوزى. [email protected]