* نصيب الفرد من الناتج المحلي في السعودية 16641 دولارا في 2010 ومعظم الثروة في يد النخبة المحيطة بآل سعود * أبو بكر: تحتاج 500 ألف ريال على الأقل لامتلاك منزل صغير و300 ألف لامتلاك شقة * أحمد: يخيل إلي أحيانا أنني لن استطيع الزواج لأنني مجرد حارس أمن، فالزواج مكلف جدا ولا أملك منزلا البديل- وكالات: في أحلامه فقط يستطيع السعودي سعد الدوسري أن يملك منزلا براتبه الذي لا يتجاوز خمسة آلاف ريال شهريا من وظيفة المدرس التي يشغلها نهارا. ورغم أن الدوسري مواطن لأحد أغنى البلدان وأكبر مصدر للنفط في العالم إلا أنه يعمل في الليل سائقا لسيارة أجرة كي يغطي نفقات المعيشة. وقال الدوسري (28 عاما) متنهدا وهو يقود سيارته في شوارع الرياض المكتظة في المساء “أعمل في وظيفتين لانني أريد كسب مزيد من المال.” وتابع الدوسري وهو أب لطفل “أنا أكثر اهتماما بأوضاعي المالية من الحياة السياسية.” الدوسري كغيره من الشبان السعوديين لا يهتم كثيرا برياح التغيير السياسي التي تهب على معظم أنحاء العالم العربي وقابل بالرضا حزمة زيادة الأجور والرعاية الصحية وغيرها من المزايا المالية التي أعلنها العاهل السعودي. ويقول اقتصاديون وخبراء ان ما بين 30 و50٪ من السعوديين يمتلكون منازل لكن غالبية الشبان لا يمتلكونها لأن الحد الأدنى للراتب اللازم للحصول على رهن عقاري في المملكة ليس في متناول غالبيتهم. وفي الوقت نفسه ترتفع أسعار العقارات وهو ما يجعل امتلاك السعوديين منزلا خاصا أكثر صعوبة. والسعودية أغنى بست مرات من مصر وتشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في السعودية بلغ 16641 دولارا في 2010 لكن معظم هذه الثروة في يد النخبة المحيطة بأسرة آل سعود الحاكمة الكبيرة التي أسست الدولة السعودية. ولا تنال الطبقات الدنيا شيئا من هذه الثروة الضخمة المتوفرة لدى الطبقة العليا. ويقارن عامة السعوديين أحوالهم بالنزعة الاستهلاكية للأثرياء الذين لديهم أكثر من خادمة ويمتلكون أكثر من سيارة ويقضون عطلاتهم في الخارج. وخاب أمل نشطاء سياسيين وإصلاحيين لأن حزمة المنح السخية التي أعلنها الملك عبد الله الشهر الماضي لم تتضمن أي تنازلات فيما يتعلق بالحقوق السياسية ناهيك عن تغيير وزاري كان مأمولا. ويكسب أبو بكر (32 عاما) الموظف في قطاع الخدمات الاستثمارية بأحد البنوك السعودية في العاصمة الرياض سبعة آلاف ريال شهريا لكنه يشكو من أنه لم يحصل إلا على زيادتين في الراتب خلال خمس سنوات. ولأنه يعمل في شركة خاصة فإن كثيرا من المنح التي أخرجها الملك من جعبته الشهر الماضي لا تنطبق عليه. وقال وهو يضرب بأصابعه على أزرار الكمبيوتر ان المعيشة في الرياض باهظة جدا وأن المرء يحتاج 500 ألف ريال على الأقل لامتلاك منزل صغير و300 ألف ريال لامتلاك شقة. ولم تشهد السعودية حليفة الولاياتالمتحدة احتجاجات شعبية كتلك التي أطاحت برئيسي مصر وتونس خلال العام الحالي والتي تهدد الآن الرئيس علي عبد الله صالح في اليمن المجاورة. وفي ظل تواجد أمني هائل في أنحاء البلاد لم يستجب أي مواطن تقريبا في المدن الكبرى لدعوة على موقع فيسبوك للتظاهر في 11 مارس. وقال المعلق السعودي جمال خاشقجي “أعتقد أنه لم تكن هناك خطة لمظاهرة.. لا حركة ولا تنظيم.” وأضاف “الوضع في السعودية ليس بهذا السوء مقارنة ببلدان أخرى في المنطقة. مطلب التغيير السياسي ينادي به المفكرون والنخبة وليس غالبية السكان.” وتهيمن الأسرة الحاكمة على الحياة العامة في السعودية. والأحزاب السياسية والمظاهرات ممنوعة وليس هناك برلمان منتخب. ويشغل كبار الأمراء المناصب الرئيسية في الحكومة وبعضهم لا يزال في منصبه منذ أكثر من أربعة عقود. وانحصرت غالبية المظاهرات في المنطقة الشرقية المنتجة للنفط في المملكة حيث نظم محتجون من الأقلية الشيعية سلسلة من المظاهرات معظمها سلمية للتضامن مع شيعة البحرين والمطالبة بحريات سياسية في الداخل. وتجمع سعوديون أيضا أمام مبنى وزارة الداخلية في الرياض للمطالبة بالافراج عن أقاربهم المسجونين. وأقر حكام السعودية بمشكلة الفقر في المملكة منذ أن زار الملك عبد الله حين كان وليا للعهد حيا فقيرا في الرياض عام 2002. ويمكن القول بأن هذه المنح التي جلبتها الانتفاضات العربية هي آخر الجهود الرامية لإعادة توزيع الثروة إلى حد ما في المملكة الشاسعة التي تضم مناطق جبلية وصحراوية فقيرة إلى جانب مدينة مترامية مثل الرياض التي تكثر ضواحيها. وكانت الحكومة تأمل أن يوفر تشجيع السعوديين على تقاسم ملكية الشركات الحكومية والخاصة المدرجة في سوق الأسهم دعما للمواطن العادي لكن انهيار السوق في 2006 و2007 بدد مدخرات الكثيرين. وقال جون سفاكياناكيس كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي “بغض النظر عن الموقف السياسي في المنطقة فإن الاقتصاد أهم بكثير وهو صلب المشكلة.” وأضاف “لا تمتلك السعودية خيار عدم القيام بإصلاح اقتصادي وليس السؤال هو متى لكن بأي سرعة.” وتعاني السعودية رغم ثرائها من ارتفاع معدل البطالة إذ أن نظام التعليم المتقادم الذي يركز على الدين واللغة العربية يفرز خريجين يواجهون صعوبة في الحصول على وظائف في الشركات الخاصة. ويضطر كثير من السعوديين إلى العمل كسائقي سيارات أجرة أو حرس خاص أو في وظائف أخرى بأجور زهيدة لتغطية تكاليف المعيشة. وتقدم المملكة لمواطنيها البالغ عددهم 18 مليونا مزايا اجتماعية لكنها تعتبر أقل سخاء من تلك التي تقدمها دول خليجية أخرى منتجة للنفط مثل الكويت وقطر حيث عدد المواطنين أقل. وجلس حارس في أحد مراكز التسوق في العاصمة عرف نفسه باسم أحمد على كرسيه وهو يفكر في المستقبل. ويعول أحمد -وهو من جازان في جنوب المملكة- أمه وأشقاءه العاطلين في مسكن مستأجر براتب قدره 2250 ريالا في الشهر ويحلم بالزواج. وقال “يخيل إلي أحيانا أنني لن استطيع الزواج لأنني مجرد حارس أمن. الزواج مكلف جدا ولا أملك منزلا... السياسة ليست أولويتي.”