يعاني سكان "المناطق المحاصرة" من قبل المجموعات المسلحة في مدينة حلب (شمال سوريا) من سيطرة الهيئات الإسلامية الشرعية، التي باتت تصدر فتاوى دينية متشددة غريبة عن المجتمع الحلبي، الذي اعتاد الالتزام بالتعاليم الإسلامية بطريقة معتدلة ووسطية بعيدة عن الغلو والتطرف. فمع بداية شهر رمضان المبارك، أصدر مجلس "القضاء الموحد" قرارًا يقضي بسجن كل من "يجاهر بالإفطار" سنة كاملة، مشيرًا إلى أن قراره مستمد من "القانون الجزائي العربي الموحد". في غضون ذلك، نشرت الهيئة الشرعية في حلب، فتوى في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، قالت فيها إنه "يحرم خروج المرأة المسلمة متبرجة، بالألبسة الضيقة التي تظهر منها معالم البدن، أو مزينة بالأصباغ على وجهها"، متمنيا على "جميع الأخوات الالتزام بطاعة الله والتمسك بآداب الإسلام". وتتكون الهيئة من مكتب رئاسة ينبثق عنه عدة مكاتب، من بينها مكتب التربية والتعليم، ومكتب الإفتاء وشئون المساجد، والمكتب الخدمي، والمكتب الطبي، والمكتب القضائي، ومكتب الحبوب وإدارة المطاحن، ولكل مكتب مهام محددة، وتشرف الهيئة على سجنين يتم نقل مخالفي أحكامها إليهما. وقد كان لافتا القرار الذي أعلنته الهيئة أخيرا في تعميم حمل الرقم "8" وتضمن فتوى بتحريم تناول "الكرواسان"، وهو نوع من المخبوزات المعجونة بالزبدة، باعتباره يحمل دلالة "استعمارية". ونشرت مواقع التواصل الاجتماعي نسخة عن الفتوى ممهورة بختم الشيخ أبو محمد، من رئاسة "الهيئة الشرعية"، وتقول إن "الكرواسان"، ويعني الهلال بالفرنسية، صنعت على شكل "هلال" ليأكله الأوروبيون في أعيادهم ويحتفلوا بالنصر على المسلمين، إذ إن الهلال كان شعار الدولة الإسلامية. وكانت الهيئة الشرعية تشكلت باتفاق بين أكبر أربعة ألوية بحلب، هي: لواء التوحيد وأحرار الشام وجبهة النصرة وصقور الشام، ثم ما لبثت أن انضم إليها غالبية الألوية والفصائل مثل الفتح، وتجمع "فاستقم كما أمرت"، ولواء أحرار سوريا، ولواء النص، ودولة العراق والشام الإسلامية وغيرها من الألوية لتكون الجهة القضائية الأولى في مدينة حلب. لكن سرعان ما انشق عن الهيئة "النصرة" لتشكل هيئة شرعية خاصة بها، ثم تبعتها تنظيم "الدولة الإسلامية" التي أقدمت على الخطوة ذاتها وأسست هيئة شرعية خاصة بها؛ ليصبح نتيجة ذلك، سكان الأحياء "المحررة" في حلب، تحت رحمة فوضى الفتاوى الدينية المتضاربة من جهات ومرجعيات مختلفة.