"هذا هو تمثال الرئيس المصري جمال عبدالناصر ، ثاني رؤساء جمهورية مصر العربية ومؤسس الفكر الناصري، رمز الكرامة والحرية ومحاربة الهيمنة والتبعية".. حروف هذه العبارة ما زالت أنفاس من حفرها عالقة تفوح بالحب على اللوحة المعدنية الحاملة لتمثال عبد الناصر في حديقة الثوار بكاراكاس بفنزويلا، وقد حفرت هذه الكلمات أيضًا في أعماق الرئيس الفنزويلي الراحل تشافيز الذي عشق عبد الناصر مفجر ثورة يوليو، واتخذه أبًا روحيًّا له، حتى انتشر شدى عبارته الحماسية الشهيرة "أنا لست شيوعيًّا ولكني ناصري أومن أن لكل وطن اشتراكيته الخاصة به". ولتمثال عبد الناصر الواقف بشموخ في حديقة الثوار قصة يحكيها لنا مصممه ومنفذه النحات الدكتور فيصل سيد أحمد رئيس قسم النحت والتشكيل المعمارى والترميم بكلية الفنون التطبيقية بجامعة دمياط. يخرج صوت الفنان فيصل دافئًا وهو يقول "بدأت قصة التمثال بطلب من الرئيس الفنزويلي الراحل تشافيز من السفير المصري علي مراد تصميم تمثال للرئيس الراحل جمال عبد الناصر ليوضع في حديقة الثوار، فكان تشافيز يقول إنه لا يستطيع أن ينظر إلى حديقة الثوار من دون وجود تمثال لملهمه عبد الناصر. وفي تلك الفترة كان لي زميل يقيم معرضًا عن التراث الفرعوني بفنزويلا، عندما التقاه السفير المصري طلب منه أن يرشح له نحاتًا يصمم تمثالاً نصفيًّا لعبد الناصر، فقام بترشيحى، وكان ذلك في شهر يونيو سنة 2012، وكنت في إسبانيا مشاركًا في أحد المعارض، وعندما انتهيت من المعرض، بدأت التفرغ للتمثال، فأنجزته في أواخر شهر سبتمبر، وسافر التمثال في شهر نوفمبر، فى الوقت الذى كان تشافيز يعاني من ظروف مرضية صعبة، ولكنه كان متابعًا من خلال السفير المصري كل مراحل التمثال". ويواصل "تعاقدت مع فرع شركة هندسية شهيرة فى فنزويلا تحملت تكاليف تصميم التمثال، واتفقت معها على مبلغ شبه رمزي؛ لأنه شرف لي أن أصمم تمثالاً لعبد الناصر ليوضع في حديقة الثوار، وقد تحملت الخارجية المصرية تكاليف شحن التمثال إلى العاصمة كاراكاس". يرتفع صوته مفعمًا بالشجون وأنفاسه تتسارع وهو يقول "تصميم تمثال لعبد الناصر لم يكن عملاً عاديًّا بالنسبة لى، وليست هذه هي المرة الأولى التي أنحت فيها ملامح الزعيم، فقد صممت تمثالين سابقين، فأنا ناصري عاشق لعبد الناصر؛ لأنه هو الوحيد الذي حمل لواء المقاومة ضد التبعية والهيمنة الأمريكية سبب نكستنا، وعندما أنحت تمثالاً لناصر أنفعل مع كل جزء، ودائمًا ما أستدعي خطاباته التي تبرز أهم صفاته: الوضوح والصراحة، وأحاول إبرازهما في الشكل النهائي للتمثال، كما أنني أهتم بتحقيق شخصية الزعيم التي تتسم بالتوازن النفسي مع التركيز علي وضع العين التى ألهمت الملايين وما زالت". رغم احتفاء الفنزويليين بوضع تمثال لعبد الناصر في حديقة الثوار، إلا أن المصريين لا يعرفون عنه شيئًا، ولم يهتموا بمصممه، وقد وضح ذلك في الخبر الذي نشر في إحدي الصحف والذي أشار إلى وضع تمثال لناصر في فنزويلا دون الإشارة إلى النحات الذي قام بتنفيذه، ويعلق د. فيصل قائلاً "أسرتي قرأت الخبر ولم تقرأ اسمي، فقال لي ابني: فين اسمك يا بابا؟ قلت له: مش مشكلة، ليست هذه هي المرة الأولى التي أهمش فيها". بالفعل ليست هذه هي المره الأولى التي يهمش فيها د. فيصل، فقد حصل منذ ثماني سنوات على جائزة عالمية عن نحته لتمثال عبارة عن خمسة من متسابقي الدراجات على شكل الألعاب الأوليمبية، ولكن لم يهتم به أحد. ونحت التماثيل الخاصة بالرموز الوطنية يستهوي د. فيصل الذي صمم تماثيل لكثير من الرموز، منهم أحمد عرابي- سعد زغلول- عبد المنعم رياض (موجود في بورسعيد) – السادات، حيث يقول إنه يشعر بالسعادة حين يقوم بتنفيذ مثل هذه الأعمال التي تعبر عن جزء أصيل من تاريخنا المصري.