رفع الحد الأقصى لسن المتقدم بمسابقة «معلم مساعد» حتى 45 عامًا    حكم قضائي جديد يخص طلاب الثانوية العامة| بماذا حكمت المحكمة؟    وزير الصحة يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الدولي ال13 لجامعة عين شمس    ميناء الإسكندرية يستقبل أول قطار مترو مكيف من صفقة ألستوم الفرنسية    جهاز المشروعات يوقع عقد تمويل مع البنك العربي الأفريقي الدولي ب150 مليون جنيه    الحكومة تبحث وضع آلية محددة لتحصيل الرسوم من المنشآت الفندقية والسياحية    ضبط 45.5 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    أولى جلسات محاكمة نجل الفنان محمد رمضان.. بعد قليل    تعرف علي الحالة المرورية بالقاهرة والجيزة    دينزل واشنطن يجتمع مع روبرت باتنسون في فيلم جديد    عائلات الأسرى لنتنياهو: كيف يتم إطلاق سراح أسرى من غزة دون مقابل؟    كما كشف في الجول - ريفيرو: غادرت رفقة المعد البدني فقط.. ورحلت مبكرا بسبب فرصة رائعة    طقس الساعات المقبلة.. الأرصاد: أجواء حارة وأتربة على هذه المناطق    ضبط شخصين بالقاهرة لقيامهما بأعمال الحفر والتنقيب غير المشروع عن الآثار    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بأسيوط    الناتو: الكرة في الملعب الروسي بشأن مفاوضات وقف النار بأوكرانيا    أزمة مباراة الأهلي والزمالك.. القرار النهائي بعد استماع التظلمات لأقوال رئيس لجنة المسابقات    بعد جولة الخليج.. ترامب: حصلنا على استثمارات تفوق 10 تريليونات دولار في 3 شهور    ترامب: بايدن أسوأ رئيس للولايات المتحدة.. ولدينا أقوى جيش في العالم    وفاة شخص على قضبان قطار في قنا    مشتريات العرب تصعد بالبورصة في مستهل نهاية جلسات الأسبوع    تعرف على مدة إجازة رعاية الطفل وفقا للقانون    منافس الأهلي.. إنتر ميامي يتعادل مع إيرثكويكس بالدوري قبل 30 يومًا من مونديال الأندية    سالي عبد السلام ترد على انتقادات أدائها الصلاة بال "ميك أب" وطلاء الأظافر    الصحة تطلق حملة توعية حول مرض أنيميا البحر المتوسط    الصحة تنظم مؤتمرا طبيا وتوعويا لأهمية الاكتشاف المبكر لمرض الثلاسميا    وزير الخارجية يشارك في اجتماع آلية التعاون الثلاثي مع وزيري خارجية الأردن والعراق    أمين عام الناتو: لدينا تفاؤل حذر بشأن تحقيق تقدم فى مفاوضات السلام بأوكرانيا    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 15 مايو 2025    هانئ مباشر يكتب: بعد عسر يسر    كيف تتخلص من ارتفاع ضغط الدم؟ 3 طرق فعالة دون أدوية    لأول مرة، جيتور تستعد لإطلاق X70 Plus المجمعة محليا بالسوق المصري    قناة مفتوحة نتقل مباراة مصر والمغرب في نصف نهائي كأس أمم إفريقيا للشباب اليوم    تباين آراء الملاك والمستأجرين حول تعديل قانون الإيجار القديم    نماذج امتحانات الصف الخامس الابتدائي pdf الترم الثاني جميع المواد التعليمية (صور)    مصر تتصدر منافسات ثالث أيام بطولة إفريقيا للمضمار.. برصيد 30 ميداليات    لطلبة الشهادة الاعدادية 2025.. موعد امتحانات النقل والشهادة بمحافظة الوادى الجديد    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    احتجاجات وإطلاق رصاص على المحتجون.. ماذا يحدث في طرابلس؟    إعلام فلسطيني: شهداء ومصابون جراء قصف الاحتلال مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة    جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي الترم الثاني 2025 في جميع المحافظات    من بينهما برج مليار% كتوم وغامض وحويط.. اعرف نسبة الكتمان في برجك (فيديو)    ريهام عبد الحكيم تُحيي تراث كوكب الشرق على المسرح الكبير بدار الأوبرا    موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    «5 استراحة».. اعثر على القلب في 5 ثوانٍ    تراجع أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 15 مايو 2025    الخارجية الأمريكية: ترامب يرى أن السعودية شريكًا له ثقله في تشكيل مستقبل العالم    سالي عبد السلام ترد على منتقديها: «خلينا نشد بعض على الطاعة والناس غاوية جلد الذات»    رابطة الأندية تدعو فرق الدوري الممتاز لعقد اجتماع لهذا السبب    تحركات برلمانية لفك حصار الأزمات عن أسوان ومستشفيات الجامعة    ريال مدريد يعطل تتويج برشلونة ويهزم مايوركا في الوقت القاتل    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    "أول واحدة آمنت بيا".. محمد رمضان يكشف أهم مكالمة هاتفية في حياته    وفاة الفنان السوري أديب قدورة بطل فيلم "الفهد"    خالد بيبو: حمزة علاء تهرب من تجديد عقده مع الأهلي    الكويت: سرطان القولون يحتل المركز الأول بين الرجال والثاني بين الإناث    الرئيس يتابع تنفيذ المشروع القومي لبناء الإنسان    ب«3 دعامات».. إنقاذ مريض مصاب بجلطة متكاملة بالشريان التاجى في مستشفى شرق المدينة بالإسكندرية (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد العدوي يكتب عن : الخوارج .. دعاة المساواة .. عندما يهزم التكفير الثورة
نشر في البديل يوم 20 - 03 - 2011

أفكر ماذا كان حال هذه الأمة لو نجحت ثورة الخوارج في مراحلها المبكرة جدا، يوم لم تكن دعوتهم إلا طلبا للمساواة بين جميع المسلمين في كل شيء. في العطايا وأحقية إدارة الدولة واختيار الحاكم.
ولنعد قليلا إلى حادث التحكيم الشهير، الذي أعقبه خروج اثني عشر ألفا من
جيش سيدنا علي رضي الله عنه، وإقامتهم في معسكر قريب من النهراوان في العراق ثم اختيارهم أميرا لهم، مقاتلا اسمه عبد الله بن وهب، ثم انضم إليهم فلاحوا العراق الذين لم يكن يعنيهم أن يحاربوا الأمويين انتصارا لسيدنا علي، بقدر ما كان يعنيهم أن يصل إليهم عدل الإسلام الذي آمنوا به ولم يجدوه.
ولم تكن الثورة التي بدأت قبل هذا التاريخ بسنين في المدينة، إلا شيئا يشبه
ذلك؛ المساواة بين جميع المسلمين في العطية والولاية والحقوق. وهي الثورة التي انتهت باستشهاد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه.
أقول لو استمرت ثورة الخوارج شعبية، حقوقية، كما بدأت لكان قد تغير الكثير مما سارت به كتب التاريخ. ذلك أن الخوارج الذين بدؤوا حزبا سياسيا واضح المطالب، قد وضعوا شروطا بالغة القسوة في تصنيف علاقتهم بالناس من حولهم، فجعلوا الانضمام لأي المعسكرات غير معسكرهم كبيرة من الكبائر، ثم زاد الأمر فكانت الكبيرة أمرا
مخرجا عن الملة في اعتقادهم. وبهذا يخرج كل من عادا الخوارج من الإسلام ويكون قتالهم وقتلهم حلالا بل جهاد وقربة.
وهذا المبدأ ذاته، هو ما جعل الخوارج ينقسمون بين أنفسهم انقسامات حادة
واسعة، عجلت بفنائهم جميعا إلا فرقة من أعدلهم فكرا وهم الإباضية التي ساعدها حرية تفكيرها على البقاء إلى الآن.
كان الأساس الذي قامت عليه دعوة الخوارج إذاً هو الاعتراف بالمساواة بين جميع المسلمين، بل المساواة بين جميع من هم داخل المجتمع الإسلامي، و أن يكون حق اختيار الخليفة أو الإمام للجميع دون طائفة أو طبقة. وألا تقتصر الإمامة على عائلة بعينها. ولم يخالفوا في أول عهدهم ما كان عليه المسلمون في أمور العقيدة حتى ظهرت فكرة كفر مرتكب الكبيرة التي جرت عليهم وعلينا كل ما في كتب التاريخ من بلايا.
ومع ذلك تحفظ لنا كتب التراجم عن عباد وزهاد من الخوارج، بل عن نساء خضن حروبا كثيرة في صفوفهم بكل بسالة وإيمان ورغبة في الشهادة.
لم يشفع للخوارج عند معاصريهم ولا عند المؤرخين ولا عندنا نحن الذين نقرأ تاريخهم بعد هذه السنين، متخففين من خلافاتهم مع الأمويين والشيعة، لم يشفع لهم زهدهم وبسالتهم وشرف مطالبهم التي أصدقها الآن تماما ولا يمكنني أن أدعي أنها كانت لأغراض خاصة ليست شريفة أبدا.
لقد بدد التعصب الديني المبني على ضيق التفكير كل ذلك، حين ناصبوا العداء لعامة المسلمين الذين لم يشاركوهم معتقدهم، فضلا عن عدائهم للخلفاء الغاصبين.
عند بعض المؤرخين محاولات تدليل لبيان أثر اليهود أو الفرس في استغلال هذه الأحداث لإضعاف الدولة الوليدة. ولعل في ذلك بعض الوجاهة، فبديهي أن تستغل دولة كالساسانيين الفرس حدثا كهذا في محاولة رد شيء مما أخذ منها في غمرة الفتوحات الإسلامية الخاطفة.
وسواء كان استغلال الفرس لذلك حقيقة أم وهما، وسواء كان ذلك خطة سياسية أم حركة شعبية من بعض الزاردشت (المجوس) الذين لم يرحبوا بالإسلام دينا بينهم وظلوا يشعرون بالخوف على تاريخهم منه، فإن العرب المسلمين منحوا الفرصة أولا لذلك، ثم لم يستطيعوا أن يطمئنوا هؤلاء الخائفين، أو يمنحوهم المساواة التي يحملها الإسلام في أصوله الثابتة.
لقد كان غياب بناء فكري قوي للإسلام في العراق وإيران في ذلك الوقت أحد أهم الروافد التي ساهمت في اتساع هذه الفتن، ولأن الإسلام دين لصيق بتفاصيل حياة أفراده، كان انسحابه عليها واستغلاله في الدعوة لها هو مجرى هذا الرافد، وكل الروافد الأخرى أيضا بعد ذلك.
وكان أعظم ما قام به علماء المسلمين في القرن الثاني والثالث الهجري هو
بناء القاعدة الفكرية القوية للإسلام، فظهرت مذاهب الأئمة الكبار في الفقه
الإسلامي، الذين بنو مع أصول التشريع عقل الأمة، وعلاقتها بنصوص ديننا الحنيف.
ويأبى الزمان إلا أن تدخل الأمة عصرها الحجري، بعد ذلك بقرون. وينتهي العلم إلا كتبا مكررة، وينتهي العقل إلى مركزي السمع والكلام، وتستأثر بالناس دولٌ وولاةٌ لا يعرفون من الإسلام إلا حق ولي الأمر.
قرون كلها مآسي، لولم يكن بناء الإسلام فيها قويا لانهار من يومه، ولو
عددناها الآن لعجزنا، منذ أن دخل المغول بغداد، ودخل القشتاليون غرناطة، ثم تتابع الحروب الصليبية، وأخيرا سنين الاستعمار الحديث.
لولا تلك الأعمدة القوية التي بناها لنا فقهاء قروننا الأولى، وغذاها
بامتداد السنين علماء، كلما اهتزت الحياة رصدوا مركز اهتزازها وقيموه وعللوه وتركوا لنا الأسباب والعلل والعلاج. منذ أن كتب المارودي “الأحكام السلطانية” وكتب الغزالي “إحياء علوم الدين” إلى أن أنشأ محمد رشيد رضا المنار والأفغاني ” العروة الوثقى” وقام الإمام محمد عبده يكشف القواعد ويبني فوقها بناؤه العصري البديع.
ولو أن مصر ترك للتطور الطبيعي للحياة، لانتهت إلى غير ما انتهت إليه الآن. علما وفقها ونهضة وسلامة. لكنها دائرة الظلم التي تفسد النفوس، وتترك فيها ندوبا لا يسلم منها أصفى الناس نفوسا.
ألم يكن الإمام أحمد بن حنبل شخصا رقيقا، سهلا، هيّناً ليّناً، مشاركا في
الحياة قبل محنته، ثم أمسى زاهدا، يصوم أكثر أيامه غير مهتم بشيء من الدنيا، عازفا عن مشاركة الحياة، والناس تحتاج لعالم يحيون به بينهم، ثم يسير بهم إلى الجنة، لا عالم يسير بهم إلى الموت، ولو كان في الموت
الجنة.
لكن مصر لم تترك لدورة الحياة الطبيعية، وقسرت على مسالك، أفسدت حياتها. عرضت الأبنية الفكرية الناشئة في ذلك الوقت إلى اهتزازات أخرجتها من طورها الطبيعي، إلى طور غريب غير سوي في بعض أجزائه. ومثلما حدث مع خوارج القرن الأول حدث مع خوارج القرن الماضي، ثم أفضت بهم انقساماتهم إلى التلاشي، وإن بقيت منهم آثار يعلوا صوت الخوف منها ، أو الخوف من تكرارها هذه الأيام.
والآن وهي تنفض عنها ركامها، تمد يدا واهنة لنا. فلنحذر نفوسنا المكلومة أن تجرحها، ولنحذر التاريخ أن نَقْسِره على شيء، فإنه ما قُسِرت الطبيعة إلا ثارت، وثوراتها هدامة.
التاريخ لا يعيد نفسه بنفسه، بل يعيده الأغبياء ضيقوا الفكر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.