لطالما خبأت أدراج الجهات الحكومية الكثير من ملفات فساد أتباع النظام السابق، وقليلون هم من ينبشون أوراق تلك الملفات، ويكشفون أحداث النهب والسرقة الغائبة عن الناس، ويتقدمون ببلاغات لجهات التحقيق؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أموال الشعب. فتح عاصم عبد المعطي سليمان، وكيل الوزارة السابق بالجهاز المركزي للمحاسبات، أحد أدراج الجهاز، وعثر على ملف مضى على حفظه تسعة أعوام، يثبت تورط المستشار فاروق العقدة، محافظ البنك المركزي السابق في واقعة نهب لشركة مصر العامرية للغزل والنسيج التي كانت مملوكة لبنك مصر، واشترتها شركة "أنكوليس" للتأجير التمويلي –التي مثلها العقدة وقت التعاقد- بقرض من البنك نفسه، ثم أُجرتها للبنك مرة أخرى بمبالغ مالية ضخمة. جمع "سليمان" أوراق الملف، وصاغها في تقرير، وتقدم ببلاغ لنيابة الأموال العامة؛ متهمًا المستشار جودت الملط، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، ومحمد بركات، رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي، ومحمد ونيس المستشار السابق للجهاز، ومحمود أسعد عبد اللطيف الوكيل السابق بالجهاز ورئيس الإدارة المركزية للرقابة على البنوك بالتستر على فساد "العقدة"، وإخفاء تقرير إدانته. كشف البلاغ –الذي حصلت البديل على نسخة منه- عن مجاملة "الملط" لمحافظ البنك المركزي السابق بإخفاء التقرير الصادر منذ عام 2003، وعدم اتخاذ ما يلزم قانونًا تجاهه، مما ترتب عليه تعريض أموال المودعين والمساهمين ببنك مصر للخطر، نتيجة بيع الشركة بعد تعرضها لخسائر مالية متتالية ناتجة عن سوء الإدارة. وأوضح التقرير –الذي تحقق فيه نيابة الأموال العامة حاليًا-، أن الجرائم تتمثل في الاستيلاء على قرض قيمته 337 مليون جنيه بدون ضمانات من بنك مصر لتمويل شراء 445 فدان مملوكة لشركة مصر العامرية للغزل والنسيج والمملوكتان للبنك ذاته في سبتمبر 2002 لصالح شركة أنكوليس. وأشار التقرير إلى إعادة تأجير الأرض مرة ثانية لبنك مصر لمدة 25 عاما بقيمة إيجاريه تزيد على قيمة شراء الأرض خلال التعاقد بمبلغ 28 مليون جنيه يتحملها بنك مصر دون وجه حق بالإضافة إلى تحمل البنك فروق فوائد سنوية قدرها 12 مليون جنيه، بعلم رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ومدير مكتبه الفني ورئيس الإدارة المركزية للرقابة على البنوك بالجهاز. وأوضح التقرير أن شركة مصر العامرية للغزل والنسيج مملوكة لبنك مصر بالكامل بنسبة 99.9%، وكانت مدينة للبنك في 3 يونيو عام 2003 بمبلغ 367 مليون جنيه، لافتًا إلى أن مجلس إدارة البنك وافق على تأجير أصول الشركة لمجموعة "شور الأمريكية" في 20 فبراير 2002 لمدة 20 سنة، مع حق الشراء خلال السنوات الخمس الأولى من العقد بمليار جنيه، ولكن حق شراء الأراضي تعذر؛ لمخالفته قانون التأجير التمويلي رقم 95 لسنة 1995، وكان البديل "أنكوليس". وأظهر تقرير الفحص أن شركة أنكوليس حققت من الصفقة بخلاف ملكيتها للأرض –التي تبلغ مساحتها 445 فدان- عائد سنوي قدره 1.128 مليون جنيه بإجمالي 28 .2 مليون جنيه خلال فترة التأجير التمويلي، وتحمّل بنك مصر عملية إقراض الشركة لمدة 25 سنة -وهي مدة غير مسبوقة في تاريخ إقراض البنوك- دون أية ضمانات، بالإضافة إلى مبلغ 12 مليون جنيه يدفعها البنك سنويًا لتسوية مديونيات الشركة خلال فترة القرض بإجمالي قدره 300 مليون جنيه، بخلاف خسائر الاضمحلال في قيمة استثمارات الشركة الناتج عن الضعف المستمر في مركزها المالي. وبيّن التقرير أن هناك طريقة وصفها ب"المشبوهة" لتصفية الشركة، إذ تبين وقوع خسائر في رأس مالها الكلي بخسائر بلغت نسبتها 100%، مشيرًا إلى عدم قدرة التدفقات النقدية لها على سداد القروض والعوائد وصعوبة ضمان تحصيلها بالنسبة للبنك. وأكد التقرير أن هناك المئات من الدعاوى المرفوعة على الشركة من العملاء؛ مما يكبدها مبالغ باهظة جراء تراكم منتجاتها المصنعة داخلها، بما يعادل 15 مليون جنيه دون تصريف. "الملط" تستر على فساده لتسع سنوات تقرير "الجهاز": مجلس إدارة البنك منح "المحافظ" قروضًا لشراء "العامرية للغزل" واستأجرها منه بمبالغ ضخمة