حملت في طياتها الحروب والإحتلال كما حملت الأموال ، وميزانا لتقييم الأنظمة الحاكمة في قدرتها على الحفاظ على استقلال مصر وكرامتها، فمنهم من باعها لتسديد ديونه ومنهم من استردها لبناء النهضة، إنها قناة السويس التي جسدت منذ إنشاءها ملحمة درامية متكاملة، فيها الموت والحياة الفرح والحزن والمكسب والخسارة والحرب والسلام. بسببها استدانت مصر على يد الخديوي اسماعيل للإنفاق على حفل افتتاحها الأسطوري، واحتلت اقتصاديا بعد تعيين مندوبين من فرنساوانجلترا للإشراف على وزارة الخزانة لضمان وفاء مصر بسداد ديونها، حتى خلع إسماعيل وتولى توفيق الذي احتلت مصر في عهده من ناحية قناة السويس التي فكر أحمد عرابي في ردمها لمنع الأسطول الانجليزي من دخول مصر من خلالها...حتى جاء الزعيم جمال عبدالناصر وقرر تأميمها ليمول إنشاء السد العالي من دخلها، فكانت سببا في العدوان الثلاثي على مصر، والذي خرج مقهورا، وجسد شعب بورسعيد بالتعاون مع الفدائيين الذين وفدوا من كل ربوع مصر برعاية من الجيش، مثالا حقيقيا للصمود، وتحولت بريطانيا وفرنسا ، حكام العالم القديم إلى دول من الدرجة الثالثة على المستوى الدولي، كما قال ناصر وقتها. اليوم ونحن نحتفل بالذكرى 154 عاما على إنشاءها ومرور 57 عاما على عودتها للسيادة المصرية، يملأ النظام الحاكم الكون ضجيجا بمشروع تنمية محور قناة السويس، وسط هواجس من سيطرة دولة قطر على المحور بعد تصريح وزير ماليتها بأنها رصدت بشكل مبدئي 15 مليار دولار للإستثمار فيه، الأمر الذي هاجمه البعض باعتبار أن القناة ليست مشروعا اقتصاديا فحسب بل تمثل أمنا قوميا لمصر باعتبارها شريانا يوصل شرق العالم بغربه ولايجوز أن تضعف سيطرة الدولة عليه، متهمين جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي ببيع الأصول المصرية للأجانب. وقال أسامة غيث، الخبير الاقتصادي ، إن مصر كانت تتوسط الملاحة البحرية بين الشرق والغرب وهو ما أثار حفيظة الاستعمار في السيطرة عليها، باعتبارها الوسيط بين مستعمرات انجلتراوفرنسا في الهند والشرق الأوسط والأدنى ،مشيرا إلى أن ذلك الحلم بدأ بعد اقتراح فيردناند ديليسبس إنشاء القناة باعتبارها طريقا قصيرا بين الغرب والشرق ويعفي السفن الغربية من الدوران حول إفريقيا للوصول إلى آسيا عن طريق المحيط الأطلنطي والهندي. واعتبر غيث أن التاريخ يعيد نفسه من خلال حكومة جماعة الإخوان المسلمين التي تتبنى نفس نهج الخديوي اسماعيل الذي تسبب في احتلال مصر بسبب القروض التي تلقاها من انجلتراوفرنسا وكانت سببا في احتلال مصر والسيطرة على قناة السويس بعد تنازل الخديوي عن أسهم مصر في القناة لتسديدها، وهو ما تكرره الجماعة اليوم بالإسراف في القروض التي يمكن أن تصير وبالا على مصر فيما بعد. وأشار غيث إلى ضرورة دراسة التاريخ بكافة أبعاده إذا ما أردنا وضع صورة استراتيجية للقناة وتطوير محورها،لافتا إلى أن الحديث عن مشروعات غرب قناة السويس أو شرق التفريعة، ليس جديدا حيث أن النظام السابق كان يتبناها بهدف خصخصتها وإعطاءها لمجموعة المستثمرين المصريين والخليجين، دون أية تراخيص وبمساحة تبدأ من 20 إلي 22مليون متر مربع، واليوم ليس في تصور الإخوان أكثر من ذلك. ولفت غيث إلى أنه فور تأميم قناة السويس على يد الزعيم جمال عبد الناصر وإعادتها للسيادة المصرية، تم إنشاء شركات تابعة لها تتعلق بالشحن والتفريغ والملاحة وغيرها كانت تتبع القطاع العام، ولتعمد مقصود من نظام المخلوع حسني مبارك تم خصخصتها دون النظر إلى تحقيقها عائدا ماديا بلغ ملايين الدولارات لخزينة الدولة، الأمر الذي تكرره جماعة الإخوان المسلمين والمتمثلة في بيع ممتلكات الدولة بالجملة، من خلال قصر مشروعات القناة الجديدة على دولة قطر، طبقا لتصريحات وزير ماليتها حمد بن جاسم الذي أعلن عن فتح اعتماد مبدئي للمشروعات بقيمة15مليار دولار . وأشار إلى أن كل تلك الأمور أثارت حفيظة القوات المسلحة باعتبار أن تلك المشروعات تمثل مساسا بالأمن القومي المصري، وهو ما جعل الفريق اول عبد الفتاح السيسي يرفض إقامة مشروعات في عمق الحدود المصرية . واقترح غيث بالبدء في مشروع قناة "العريش- طابا"، لتكون موازية لقناة السويس، مشيرا إلى أن ذلك سيؤمن المجري الملاحي القديم بالاضافة إلى اعتباره مصدرا جديدا للدخل القومي كما انها ستشكل عمقا استراتيجيا للأمن القومي المصري . وطالب غيث بضرورة إنشاء شركة وطنية تناقش وتطبق المشروعات بمحور قناة السويس،لافتا إلى أنها في النهاية ستخدم الشأن المصري وحده ودون ان يكون هناك أية ملكية او سلطة للأجانب على الاقتصاد المصري. ولفت غيث إلى ضرورة إعداد دراسة للمشروعات المقدمة من القطاع الخاص لتطوير محور قناة السويس، وتحدد الدولة وفقا لتلك الدراسات التكلفة وإمكانية التطبيق، لافتا إلى أن ذلك سيوفر مزيد من الأيدي العاملة و فرص استثمارية كبرى مع ضرورة وجود مؤسسات لتمويل المشروعات على مستوي دولي متخصص. من جهته قال الدكتور حمدي عبد العظيم، عميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية الأسبق،إن قناة السويس تعتبر شريان الحياة لمصر خاصة وأنها توفر سنويا نحو 5مليار دولار، وهو ما يعد مصدرا للنقد الاجنبي، بالإضافة لقيمتها المعنوية باعتبارها رمزا للتضحية والإصرار بالنسبة للشعب المصري، خصوصا وأن أحفاد من بنوها ومن حاربوا واستشهدوا من أجلها مازالوا متوطنين حولها حتى الآن في المدن الثلاث التي أنشأت معها وهي بورسعيد ، الإسماعيليةوالسويس. وأشار عبد العظيم الي أن مسألة تطوير محور القناة للتنمية الاقتصادية أصبح ملحا للغاية، مشيرا إلى ضرورة تحويل مجرى القناة لأكثر من ممر مائي بحيث يصبح مركز لوجيستي لعمليات النقل والشحن والتفريغ بالإضافة لخدمة السفن العابرة وصيانتها والتزود بالوقود، إلى جانب الخدمات الفندقية والسياحية. ولفت إلى أن المشروعات السابقة تحتاج لسيولة مالية كبيرة لتطبيقها على أرض الواقع، في ظل عجز الموازنة العامة المقبلة الذي يتوقع أن يصل إلى 197مليار جنيه ، الأمر الذي يجعل من تمويل القطاع الخاص لتلك المشاريع أمرا ضروريا سواء كان وطنيا أو أجنبيا دون إغفال حق الدولة في الرقابة والإشراف حماية للأمن القومي . وطالب عبدالعظيم بطرح مناقصة عالمية بموجب القانون رقم 89لسنة1998، بحيث يتم تمثيل جميع الشركات العالمية بنظام الأظرف المغلقة، لافتا إلى أن ذلك سيغلق أبواب استئثار مجموعة من الدولة الخليجية على المشروع سواء قطر أو الإمارات. وشدد عبد العظيم على أن مصر من حقها حماية أمنها القومي متي رأت ذلك، مشيرا إلى أن القوات المسلحة سبق وحددت المساحات التي لا يجوز الاستثمار فيها وهي المناطق الحدودية فقط. خبراء: تدخل القطاع الخاص في تنمية محور القناة ضرورة تحتاج لضوابط ...وتصريحات وزير مالية قطر تثير المخاوف