في كلمة ألقاها الرئيس "مرسي" في حفل "يوم اليتيم" أعادت إلينا ذكريات حفلات "مبارك"، التي تبدأ بالقرآن الكريم، مرورا بكلمات الشكر والعرفان وقصائد المديح، انتهاءً بكلمة عصماء من سيادته موجهًا إياها إلى جموع الشعب، الذي قلما يعيرها انتباهًا؛ ربما كان من أحلامنا ألا نرى هذه المشاهد في بلادنا بعد ثورة عظيمة أريقت فيها دماء المصريين لإسقاط الديكتاتورية والاستبداد، ولكن "مرسي" وجماعته يصرون على أداء نفس المسرحية على نفس المسرح بنفس النص مع ثبات المخرج والكومبارس، وتغيير الأبطال. تحدث مرسي عن دور الجمعيات الأهلية في رعاية الأيتام، سواء كانت جمعيات إسلامية أو مسيحية، ثم كعادته انطلق يصدح بالترابط بين مسيحيي مصر ومسلميها، ثم استطرد حاكيًا لذكريات طفولته مع "فيليب أرمانيوس" صديق الطفولة، الذي مازال يتذكر اسمه بالكامل و "الواد فادي" اللي كان قاعد في ثاني "تختة " وكيف كان يتبادل سيادته معهم السندوتشات. لا أعلم حتى الآن السبب الذي روى من أجله هذه الرواية، هل رواها حتى ينفي عن نفسه انتمائه لتيار يستخدم خطاب طائفي، وعنصري ضد الأقباط؟ أم رواها لتحسين صورته أمام المجتمع الدولي الذي يتهمه بالاعتداء على الحريات؟ أم أن أصل الموضوع هو "حدوتة" يحكيها الرئيس من قبيل السمر الليلي والتسلية كما اعتدنا منه؟. كانت المشكلة الأكبر ليست في حكاية الرئيس، ولكن في رؤية الرئيس لمشاكل الأقباط في مصر والحلول الجذرية التي من المفترض أن يطرحها بدلا من حكايات الطفولة، وكانت الأزمة الأكبر في توقيت الكلمة، حيث تصادف تزامن كلمة مرسي حول التسامح والإخاء، مع الأحداث الطائفية في الخصوص والتي راح ضحيتها 5 أشخاص مصريين كانوا ضحية لمجتمع زرعت بذور الطائفية في جيناته، وسقيت بخطاب ديني عنصري حتى أينعت ثمارها على يد جماعة إسلامية تحكم مرتكزة على الاستقطاب العلماني الديني، تجد فيه سبيلها الوحيد لحصد الأصوات الانتخابية ولدعم رئيسها وحكومتها وحشد الجماهير للتظاهر تأييدا لها أو للاعتداء على معارضيها. لم يكن غريبًا ألا يظهر أي رد فعل من الحكومة، أو الرئاسة أو حتى "فيليب أرمانيوس" صديق الرئيس على أحداث الخصوص، وإغفال أي دور من الممكن أن تقوم به الدولة لاستيعاب الموقف ومنع انفجاره مرة أخرى، ولكن كعادة الرئيس الذي لا ينتفض إلا لجماعته، ولا يغضب إلا لعشيرته، وكانت النتيجة الحتمية هي المشهد المأساوي في جنازة ضحايا الخصوص، عندما اعتدى عليها "مجهولون" وقامت الداخلية بالرد بقنابل الغاز والخرطوش، وتحولت الجنازة إلى مواجهة أدت إلى احتراق أجزاء من "الكاتدرائية". دائما ستكون العاقبة على دماء الشعب المصري وقوته وأمنه، سلطة سياسية هشة تلعب بنار الطائفية لتحقيق مصالح آنية في انتخابات أو لتمرير قرارات، لا ترى أبعد مما تقف بيوم واحد لا تدرك عاقبة زرع الاستقطاب الديني في المجتمع، أو ربما تدرك وترغب في ذلك. كانت ال 18 يوم الأولى للثورة هي الأفضل في تاريخ بلادنا، وخمدت تماما نيران الطائفية من النفوس حتى استفتاء 19 مارس، والذي قررت الجماعة استخدام الخطاب الديني واستمالة المتطرفين من شيوخ الوهابية لتمرير التعديلات الدستورية، الأمر الذي تطور إلي أحداث "كاميليا" وأخواتها وإخوانها وكانت المرة الأولى التي هدد فيها الوهابيون بتنظيم مسيرة من مسجد النور إلى الكاتدرائية لاقتحامها. إذا كانت جماعة "الإخوان المسلمون" هي أول من استخدم الخطاب الطائفي بعد الثورة، وأول من استخدم دور العبادة في الدعاية الانتخابية، كما أنهم تحالفوا مع دعاة الوهابية واحتضنوهم واستخدموا الأدوات الإعلامية للجماعة في تأكيد التوجه الفاشي لهم، ورغبتهم الأكيدة في تجذير الاستقطاب الديني في المجتمع المصري، الجماعة هي أول من أعاد الاستقطاب الديني إلى السياسة واستخدمه وغذاه ودعم دعاته وأفرد لهم المساحات الإعلامية ومول تحركاتهم، ففي الوقت الذي يدعوا فيه مشايخ الوهابية إلى حرق الكنائس وقتل الأقباط يحاكم "باسم يوسف" بتهمة ازدراء الإسلام. إن الحديث حول تدخل الدولة لحل الأزمة، سيؤدي إلى مزيد من الانفجار ومزيد من الاستقطاب، فإذا كان النظام يزرع الإرهاب ويموله ويدعمه ويروج له، فبالتأكيد سيكون رد الفعل الرسمي على الصورة التي رأيناها، مجرد مكالمة تليفونية لبابا الكنيسة لتعزيته، بينما يقوم إعلام الجماعة بسكب المزيد من الزيت على النار واستخدام نظرية المؤامرة وإلصاق التهم بالمعارضين. عادة يختلق الحكام معارك وهمية لتبرير استبدادهم وفشلهم وإظهار شماعة يعلق عليها أخطاءهم، هكذا تدير الجماعة المجتمع المصري "على طريقة مبارك"، أعداء وهميين للأسف من نفس النسيج المجتمعي تارة يوصفون بالمسيحية وتارة بالعلمانية، أو فلول أو شيعة أو عملاء للصهاينة، هكذا يصورون المختلفين معهم هذا سبيلهم الوحيد هكذا مشروعهم تمزيق المجتمع وتقطيع أوصاله وهدم مؤسساته لتبقى الجماعة هي الكيان الوحيد المتماسك القادر على الفعل وينشغل الجميع بمعارك جانبية ويبقى المرشد هو القادر على مسك زمام الأمور، وليعيد التيار الإسلامي بعضًا من أصواته التي فقدها خلال الفترة الماضية، بعد أن أثبت فشله التام على المستوى السياسي والاقتصادي. هكذا حالنا، حكومة عاجزة وجماعة تضطهد المختلفين معها وتنكل بهم ولا تتوانى عن استخدام العنف اللفظي والبدني لتأديبهم ورئيس يعيش ذكريات طفولته مع أصدقاء مسيحيين، بينما تشتعل نيران الطائفية في المجتمع تغذيها الظروف الاقتصادية الصعبة، والخطاب الديني الإرهابي وغياب الأمن وانتشار البلطجة، وبوادر الحرب الأهلية تلوح في الأفق، نستطيع أن نسمع طبولها ونشم رائحة الموت المنبعث منها ونعجز عن وقفها أو تعطيلها، فلا نجد أنفسنا لا في مقعد المتفرج أوالمتابع الحذر. أتمنى أن يخرج علينا الأخ العزيز "فيليب أرمانيوس" صديق رئيس جمهوريتنا ليعلن عن رأيه الحقيقي في زميل الطفولة "مرسي"، وفترة حكمه باعتباره مواطن مصري مسيحيي مضطهد.