ربما كان هو المشروع الأطول عمرًا في تاريخ الجمهورية، فمنذ عام 2000 والصرف الصحي بقرية دجوي في محافظة القليوبية لم يُنته بعد، وحتى اللحظة لم يستطع مصطفى بيومي، رئيس مجلس مدينة بنها نفسه أن يحدد زمن انتهائه، معللًا ذلك بضعف الميزانيات والمخصصات. "مرحبًا بكم في دجوي"، لافتة غارقة في مياه الصرف الصحي تستقبلك على مدخل القرية التي يعاني سكانها وزراعتها الأمراض؛ بسبب مستنقعات المياه الملوثة المنتشرة في كافة أرجائها. "دجوي" تشتهر بزراعة وتصدير البطاطس، تضم أكثر من 6 آلاف فدان مخصصين لزراعة تلك المحاصيل، لكن الفلاحون اعتمدوا في الري على المياه الجوفية بدلا من الترع والمصارف "التي لا تأتي مياهها في مواعيدها"، وإن أتت يلوثها الصرف الصحي الذي يلقيه الأهالي فيها؛ مما يرفع من تكلفة إنتاجية المحصول، ويدفع الفلاحين لهجران أراضيهم. المياه الملوثة كانت كعملاق متعطش للدمار، لدرجة أنها خرّبت منازل القرية وجوامعها ومدارسها ومراكز اتصالاتها الذي غاصت كابلاته في برك المياه واحترقت، فأصبحت الهواتف الأرضية مجرد ديكورات تزين المنازل. وبعد أن سأم الأهالي من شكبة الصرف الصحي التي لم ولن تنته، عادوا مرة أخرى إلى خزانات الصرف البدائية "البكبورتات"، فانفجرت هي الأخرى متأثرة بتهالك التربة وعدم تماسكها. تجولت "البديل" في القرية العائمة على بحر من مياه الصرف، والتقت "مصطفى محمود"، كان مصورًا فوتوغرافيًا، والآن "عاطل"، ويعول من الأبناء أربعة، قال: "انهار منزلي من طفح المياه، وأصبح عبارة عن بركة تعلوها بعض الحوائط المتهدمة، واتخذت الفئران والثعابين جحرًا خاصًا بهم". ويقول بحري إبراهيم، الذي يبلغ من العمر 60 عامًا، أن دار مناسبات "دجوي" التي أنشئت من قديم الأزل تعوم في مياه الصرف التي تسبح فيها القمامة، وتلهو فيها القوارض. ويضيف عصام عبد السلام، أحد الأهالي، لقد انتشرت الامراض بسبب تلوث مياه الشرب وأصيب بها أبناء القرية ، مثل الفشل الكلوي –وهو الأكثر انتشارًا- والتهاب الكبد الوبائي، بالإضافة إلى السرطان بمختلف أنواعه. أهالي القرية يهربون من منازلهم الآيلة للسقوط .. الفلاحون يشكون انخفاض إنتاجية "البطاطس" بسبب ندرة المياه وتلوثها