لا يخفي على أحد تقدم المشروع الحضاري الغربي في كل شئ بإيجابياته وسلبياته، وأثر ذلك على أنماط الحياة التي يعيشها الانسان العربي والمسلم خصوصاً حتى في البادية والقرى والكفور والنجوع والعزب أو الغابات. فهناك المحمول والآيباد، فضلاً عن الكمبيوتر واللاب توب، وفيهم كثير من الألعاب والأفلام، وهناك الوجبات السريعة أو الفاست فود والهامبورجر، مما يوحي إليّ بأننا قد تأثرنا بالغرب كثيراً حتى في كتابة الأسماء على المحلات التجارية والمستشفيات والصيدليات، وحتى عربات الفول والطعمية في شوارع الأزهر والحسين والسيدة زينب، فضلاً عن منطقة الرحاب والتجمع الخامس وهليوبوليس. أتساءل كثيراً هل هذا التأثير الغربي نتيجة إنهزام حضاري أمام حضارة الغرب كما ذهب إلى ذلك إبن خلدون، بأن المهزوم مولع دائما بثقافة المنتصر، أو أن المغلوب يجد مخرجاً وملجأً في محاكاة وتقليد الغالب. نحن مغرمون بالشكل، ونميل إلى استكمال المظهر كاملاً حتى في الدين، إلى أن يتحكم فينا المظهر والشكل، فنبتعد أكثر في حياتنا عن الجوهر والموضوعية. قال لي صديقي الإسلامي في حوار: كيف تقول ذلك؟ قلت له انظر إلى المساجد في صلاة التراويح وأنظر إليها في صلاة الفجر وبقية الفروض تدرك مغزى ما أقول. أنا هنا لا أقلل من أهمية صلاة سنة التراويح التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد أحياناً وفي البيت أحياناً أخرى، حتى لا يراها أحد بعده صلى الله عليه وسلم فريضة. وصلاة القيام سنة في رمضان وغير رمضان. قد يبحث بعضنا بذلك عن ليلة القدر، وهو حقه بل واجبه، ولكن الخلل في الأولويات لا يأتي بخير، وما أجمل أن نستكمل الجوهر أساساً مع الشكل. سألت نفسي مجموعة من الأسئلة التي طرأت في حوار بيني وبين آخرين، وأردت أن تكون المشاركة أوسع، وأن نجد لها أجوبة أو إجابات عند أنفسنا. لماذا نجتذب إلى نمط حياتنا ما كان استهلاكياً وننزع إلى الكماليات؟ هل نستطيع الانفتاح على الغرب-كما يقول بعضهم- لنعيش روح العصر، ونكيف أنفسنا مع واقعنا ومقتضيات حياتنا؟ ومع قيمنا وتعالم ديننا؟ هل نمط الحياة الغربي في الترفيه والترويح والمأكل والمشرب والملبس والتسوق والسلوك لا يؤثر في تلك القيم؟ وكيف يمكن أن نجمع بين الأمرين؟ كيف لا ننسى نصيبنا من الدنيا كما قال القرآن الكريم وما هو ذلك النصيب؟، أو كيف نجمع بين حسنة الدنيا وحسنة الآخرة؟ تزيد بعض الأبحاث في الغرب من التأثير علينا مغناطيسياً، ونشر ثقافة الاستهلاك والتسوق، والاستزادة في كماليات الحياة وكماليات الزواج، حتى إني رأيت كما يرى الآخرون، بعض المتسولين أو السائلين ومعه أكثر من هاتف محمول، فكيف نوقف هذا الغزو الثقافي المدمر؟ من أين نبدأ التصحيح وكيف؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنى أن يكون له ثالث، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب؟ كيف نعيد ثقافة الاخشوشان والتعفف عند الأغنياء والأثرياء والقادرين؟ ونحمل بما يتوفر لدينا من تلك الثقافة الضعفاء والفقراء. لقد علمنا القرآن أجمل المبادئ بعد التوحيد في قوله تعالى"ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" بعد أن كان شاعر العرب في الجاهلية يقول: ونشرب إن وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا إذا بلغ الفطام لنا رضيع تخر له الجبابر ساجدينا وأخيراً كيف نجمع في مجتمعاتنا بين امرأة عاملة جادة وبيئة مناسبة في ظل حضارة جميلة متقدمة وملتزمة دون أن تتفكك الأسرة؟ ونتفادى بذلك الصراع الأسري المرير؟ والله الموفق