تحدثنا في المقال السابق عن الوسطية فى الصلاة والوسطية فى الإنفاق، ومازالنا مع الوسطية لكن في الصوت. تقول الآية الكريمة التى نحن بصددها على لسان لقمان الحكيم لأبنه وهو يعظه "واقصد فى مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير" - القصد هنا من الإقتصاد أى عدم الإسراف أو الإتزان بين الإسراف والتقتير ومدلولها هنا التوسط فى المشى بين البطء والإسراع فى شئ من السكينة والوقار الذى يشوبه التبختر والإختيال والعجب بالذات . والآية الكريمة فيها نهى واضح عن رفع الصوت دون ضرورة والدراسات الحديثة تؤكد أن الضوضاء صورة من صور تلوث البيئة وأن هناك علاقة وثيقة بين الإستقرار البدنى والنفسى للكائن الحى بل وللجمادات . فالضوضاء الصاخبة تؤدى إلى خلل واضح فى أنشطة ووظائف الأجهزة المختلفة فى جسم الإنسان مثل زيادة إفراز مادة الأدرينالين مما يؤدى إلى توتره العصبى ويقظته الزائدة وشدة إنتباهه فوق الطاقة مما يزيد من إرهاقه وشعوره بالإعياء . - فجسم الإنسان كأى كائن حى يستقبل الموجات الصوتية كما يستقبل غيرها من صور الطاقة وينتج عن ذلك قدر من ردود الأفعال المتباينة فى مختلف اجهزته خاصةً فى كلاً من :- * جهازه العصبى المركزى وجهازه الدورى وجهازه السمعى وكذلك فى أنظمة غدده وإفرازاتها الداخلية وذلك لأن الأصوات تحدث تغيرات فى ضغط الهواء بالزيادة"التضاغط" والنقصان"التخلخل" وتندفع هذه التغيرات على هيئة موجات منالذبذبات المنتشرة . * وتعتمد طبقة الصوت على عدد الذبذبات فى الثانية التى تؤثر فى طبقة الهواء دون أن تتأثر سرعة الصوت فقوة الصوت تعتمد على سعة الذبذبة وأقل تردد للموجات الصوتية تسمعه اُذن الإنسان هو 20 هيرتز أى عشرون ذبذبة فى الثانية واعلاه هو 15.000 إلى 20.000 هيرتز أى 15.000 إلى 20.000 ذبذبة فى الثانية والموجات الصوتية تنقل الطاقة من المصدر إلى اُذن المستمع وعند ارتطامها بأسطح صلده ملساء كبيرة فإن جزءاً من هذه الموجات الصوتية يرتد محدثاً الصدى . * وللمقارنة بين شدة موجتين صوتيين تُستخدم وحدة خاصة تسمى البل "Bell" نسبة إلى "جراهام بل" مخترع التليفون هذه الوحدة تستخدم كذلك كوحدة لقياس كل من شدة الصوت والقدرة على السمع وأقل تردد يمكن لأذن الإنسان أن تسمعه هو 20 هيرتز تكون حركة طبلة الأذن كبيرة ولكن إذا زادت الضغوط الصوتية إلى أعلى من 160 ديسيبل يمكن أن تتمزق طبلة الأذن بالكامل ومن الأمراض التى تنشأ عن الضوضاء الصاخبة حدوث إضطرابات فى وظائف الأذن والأنف والحنجرة وإمكان فقد حاستى السمع والشم جزئياً أو كلياً والإصابة بالعديد من أمراض كل من القلب والأوعية الدموية مثل زيادة نسبة الكوليسترول فى الدم وحدوث الجلطات وتصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم واضطراب إفرازات الغدد الصماء . * وقد ينعكس ذلك على كل من الجهاز العصبى المركزى والجهاز الهضمى فيؤدى إلى عسر الهضم وحدوث القرح . * ولذلك وضعت العديد من دول العالم قوانين صارمة لمكافحة الضوضاء الناتجة عن ضجيج محركات الطائرات خاصة تلك التى تفوق حاجز سرعة الصوت والضجيج الناتج عن كثافة مختلف وسائل المواصلات وعن حركة آلآت المصانع وآلآت الحفى واصوات الحيوانات المستأنسة وغير المستأنسة ولذلك وُضعت جداول لتحديد أقصى مدة يمكن أن يتعرض لها الإنسان تحت شدة معينة من الضوضاء فتحت شدة فى حدود 45 ديسيبل لا يستطيع الفرد العادى أن ينام فى هدوء واسترخاء وعند 85 ديسيبل تبدأ آلآم الأذن فإذا وصلت إلى 90 ديسيبل لا يجوز أن يبقى الإنسان لأكثر من ثمانى ساعات وإذا زادت الضوضاء إلى 100 ديسيبل لا يجوز أن يبقى الإنسان لأكثر من ساعتين . * وتحدث شدة للصوت تصل إلى 110 دسيبلات لا يمكن التعرض لها بامان لمدة تزيد عن نصف ساعة. * فإذا وصلت شدة الصوت إلى 160 ديسيبل حدث للإنسان صمم تام . * ومن الحيوانت المستأنسة ذات النبرة العالية فى الصوت أيضاً "الكلاب والأغنام" ولذلك يجب أن يخصص لها أماكن بعيدة عن سكنى كل من الإنسان وقد ثُبت بالقياس أن شدة صوت نهيق الحمار يتجاوز المائة ديسيبل وان كثرة التعرض لهذا الصوت قد يُصيب الإنسان بالعديد من الأمراض . * والإشارة القرآنية تقول إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ففى هذه الآية من السبق العلمى ما لم يكن معروفاً فى زمن الوحى بالقرآن الكريم . * فى المقال القادم إن شاء الله سنتكلم عن الوسطية فى المشى وهل وضع الإسلام للمشى ضوابط أم لا فما هى هذه الضوابط ؟