وقفت اليوم أمام شباك تذاكر مترو الأنفاق، بمحطة جامعة القاهرة، واحدة من ضمن عشرات اصطفوا فى طابور طويل انتظارا لدورهم، تأملت الطابور وتأملت نفسى وتأملت من حولى، إن حياتنا كمصريين عبارة عن عدد من الطوابير. هناك من يتعبون ولا يصلون، ومن يصلون ولا يتعبون، هناك من يدفعون ثمن أحلامهم من أعمارهم غاليا وبرغم ذلك لا يصلون، وهناك من تتحقق أحلامهم فى غمضة عين مجانا و " for free"، وهناك من يعرضون أحلامهم للبيع، ويجدون من يشترون وهناك من يعرضون أنفسهم للبيع ولا يجدون، وهناك حلم ثمين ولا سعر له، وهناك حلم رخيص يتم شراؤه بأغلى الأسعار، وهناك من لا يحلمون ولا يصلون، وهناك من لا يحلمون بشىء ولكن يصلون، وتقدم إليهم أحلام غيرهم على أطباق من ذهب، وهناك أيضاً متمردون ومستسلمون، ومتسلقون، ومتملقون، والقاسم المشترك بين كل هؤلاء هو الطابور. كلنا نقف فى طابور فوضوى طويل للانتظار، نقف أمام شباك تذاكر المترو كل صباح ومساء فى طابور، نركب المترو ذاته بطابور، نشترى الخبز فى طابور، نركب الأتوبيس فى طابور، نذهب لأعمالنا فى طابور، نحضر محاضراتنا فى طابور، نأكل بطابور، ونشرب بطابور، ونتنفس بطابور ونحيا فى طابور طويل لا نهاية له. إنه الانتظار فى حياتنا نحن المصريين، دوما واقفين، لا نجلس أبدا، ولا نمل من الوقوف، ونعزى أنفسنا بعبارات من قبيل " بكرة تفرج"، ولكن هناك من لا يجيدون الانتظار أو من لا يرتضون الإنتظار، منهم المتمردين الذين يرفضون الوقوف فيسعون للوصول، ومنهم المتسلقين والقافزين على رؤوس ورقاب من أمامهم، منهم من يستخدم " الكوسة" ليصل إلى مقدمة الطابور، ومن يجيد القفز فوق الأدوار ليصل إلى المقدمة، ومن يجيد التحايل، ومن ينتظر سهو من أمامه كى يتعدى دوره، والآتى من الخارج ليصنع بنفسه لنفسه طابوره الخاص، وفى النهاية تجد أناس يظلون طوال عمرهم فى مؤخرة طابور الحياة ولا يصلون أبدا، وأناس لا يقفون ولكن يصلون، وخارج الطابور هناك السادة "المسهلاتية" الذين يسهلون على عاشقى القفز الوصول. ولكن إلى متى سوف نظل ننتظر تحقيق الأحلام المؤجله ؟ إلى متى سنقف فى ذيل طابور طويل لا ينتهى، دورنا فيه لا يأتى أبدا ؟!! إلى متى سوف نظل واقفين مثل تماثيل حجرية اصطفت وراء بعضها البعض، لا تفعل شيئا سوى أن تتأفف من بعضها البعض، وتكره بعضها البعض، ولا يفكرون لحظة النظر إلى من تعدوهم وانتهكوا حقوقهم ليصلوا لمقدمة الطابور؟!! Comment *