هناك فارق كبير بين أن تحب شيئا و أن تعرف كيف تحبه فالحب ليس بالكلمات فقط و إلا كانت نانسى عجرم تحب مصر أكثر من عبد المنعم رياض. يولد الفلسطينى فى بلد لم يولد فيها آباؤه فى بلد هاجر إليها أهله بعدما أتموا تعليمهم فى بلد آخر لم يوفر لهم فرصة للعيش الكريم يصل إلى سن الجامعة فيهجر محل ميلاده إلى منفى جديد ليكمل دراسته ثم يتزوج و ينتقل بأسرته لبلد آخر لا يعرفه تستمر دورة حياة هذا الكائن الرحالة فى نظام عجيب لا مثيل له تستطيع التعرف عليه بسهوله سلسال فضى يزين رقبته يتدلى منه خارطة تعرفها جيدا فلسطين الكاملة من البحر إلى النهر ميدالية تزين يد حسناء فى مقتبل العمر تعانق كتبها الألوان تعبر عن حب شديد أحمر أخضر أبيض وأسود لكن أى نوع من الحب هذا إنه حب السراب حب الحلم البعيد المنال فالفلسطينىي ولد ليجد الخطاب العائلى الموجه إليه إنه ذات يوم تعود إليك أرضك تعود إليك كرامتك فلا طوابير إقامات فى بلدك، لا مخابرات فى بلدك، لا تصاريح عمل فى بلدك، زهرالحنون يزين التلال، الصغار يجمعون المريمية لعمل شاي المساء، إنها الحلم الموعود، الجنة فى الثولوجيا، أنهار العسل و الخمر، حلم بها البشر فأحبوها، نظموا فيها الشعر و خطوا فيها الكتب، يفطم حبا لأرض لا يعرفها لم يرها و فى معظم الأحيان لن يراها، يحفظ أناشيد الثورة و تدمع عيناه فى ذكرى صبرة و شاتيلا، يحب أبو عمار و أحمد ياسين و يعلم أن أمريكا بيت الداء، لكنه لا يعلم أى شئ فى الغالب عن أيهم، لكن سؤالا يواجهك كلما قابلت شخصا لا يشبهك يشاركك نفس الحلم المستحيل، فجأة تستيقظ لتجد شخصا لم يرضع حب الحلم فى حليب أمه، شخص مستعد للتضحية من أجل حلمك بلا مقابل، فتسأل نفسك هل أنا فعلا أحب هذا الوطن الحلم؟ هل أنا جدير بلقب"العاشق الذى يعيش في قلبه الوطن" الملازم لى منذ الصغر؟ هل أنا جدير بالأمانة التى ألقيت على عاتقى قصرا ميراثى الذى لا مفر منه؟ عزالدين القسام أحمد عبد العزيز (البطل أحمد عبد العزيز كما يعرفه المصريون) مصطفى حافظ رايتشل كورى، توم هيرندال، فيتوريو، هؤلاء سطروا بأحرف من نور، أسماؤهم فى قلب و عقل كل شريف فوق هذه الأرض عليك أن تعرف أولا أن كونك محبا لا يعنى أنك تعرف كيف تحب فالحب تضحية أولا أحدثكم اليوم عن شخص التقيته فى العام 2001 يلفت نظرك وقتما تقع عيناك علي بنيته الضعيفة و شعره الأشعث يتفاخر بكونه على قائمة الخائنون اليهود الكارهين لإسرائيل مجاورا مفكرين كبار كناعوم تشاومسكى لا يلقى بالا لتفاهات بعض العرب حديثى العهد بالعمل السياسى حين يتنطعون بقولهم إنه مدسوس على القضية سألته مرة كيف تغلبت على عاطفتك و قررت المضى عكس التيار؟ متى استطعت أن تصبح إنسانا مجردا كما أراد لك الرب أو الطبيعة (أيهما تشاء) أن تكون؟ قال لى عندما كنت طفلا فى المجر لم أختتن أنا و أخى الأكبر لأن والدتى خافت علينا من جنود النازى. قادتنا الهجرة إلى بريطانيا مات أخى صغيرا رفض الحاخام فى الكنيس المحلى أن يدفنه لأنه غير طاهر(الاختتان للذكور فريضة فى اليهودية) وقتها فقط شعرت أن العاطفة ليست مهمة إلا إذا رافقتها إنسانية طاهرة. بول كيليمان أستاذ العلوم السياسية بجامعة مانشستر شخص يعرف كيف يحب الإنسانية قرر أن يتقرب إلى إنسانيته بتبنى قضية شعب لا يشاركه شيئا سوى فى إنسانيته و تطلعه لحياة عادلة كريمة. قضى معظم سنين حياته باحثا فى الشأن الصهيونى و فى العلاقة ما بين الصهيونية و اليسار البريطانى عموما. صدر له عن مطبوعات جامعة مانشستر كتاب فى العام 2012 تحت نفس العنوان يرصد فى نهم الباحث العلاقة المثيرة للدهشة بين اليسار البريطانى عموما و حزب العمال خصوصا و بين المشروع الصهيونى. يرصد تحول اليسار البريطانى من دور المدافع و المروج للتجربة التى أسموها الديمقراطية الاجتماعية فى حينها و التى كانوا يتصورون أنها ستجلب التطور للشرق الأوسط، حتى صعود اليسارالجديد فى نهاية الستينيات. اليسار الجديد الذى استمع و تبني الصوت القادم من الشتات إن هناك شعبا يعانى أزمة بسبب سياسة بريطانيا الاستعمارية فى الشرق الأوسط ثم ينتقل فى حركة سريعة كعادته ليفند و يدافع عن تهمة تطالنا جميعا، أنتم تعادون إسرائيل لأنكم معادون للسامية. شخص كهذا قد يذهب بكل أبحاثه و نشاطه طى النسيان فقط لأنه ليس تحت عدسات الإعلام ليس براقا و لا يتكلم كلاما شعبويا يعجب العوام. كثيرون هم أمثال هذا الرجل المحب لإنسانيته لكن قلة منهم تحت الضوء. السؤال هو كم شخص مثله يعيش بيننا يؤدى واجبه نحو إنسانيته ثم يرحل فى هدوء؟ الوطن العربى يعج بالمحبين المخلصين لأوطانهم لكنهم كصديقى بول لا مكان لهم تحت الضوء. Comment *