نيابة أمن الدولة سلطة استثنائية ابتدعها الحكام لمواجهة الحركة السياسية بكل فصائلها... هي ليست سلطة تحقيق مستقلة (كما يدعون)... فهي تابعة دائمًا للقرارات العلوية سواء من الجهات العليا للنظام الحاكم أو من مباحث أمن الدولة... رغم كل القوانين (المفبركة) والتي تنص على أنها القاضي الطبيعي للمتهم، وتدعي بأنها درجة أولى من القضاء على اعتبار أن هيئة محكمة أمن الدولة العليا أو العليا طوارئ هي الدرجة الثانية التي تفصل في القضايا... إلا أن هذه الهيئة غير محايدة.. فهي تترجم دائمًا تحريات مباحث أمن الدولة إلى قرار اتهام، وهي التي تحدد المواد العقابية التي ينبغي أن يعاقب بها المتهم... وإن لم تصدر قرار اتهام في القضية فهي وسيلة يستخدمها النظام للحبس الاحتياطي للسياسيين – فبعد 15 يوم أو 45 يوم لدى هذه النيابة سلطة إصدار القرار بتمديد الحبس الاحتياطي أو الإفراج وفقًا للظروف السياسية للقضية المنظورة، وقبل كل شيء وفقًا للتعليمات والتوجيهات الصادرة من مباحث أمن الدولة. أنت يا صديقي في حالة المثول أمام نيابة أمن الدولة العليا لست إزاء سلطة محايدة... ولذلك فإن أبسط وسيلة للدفاع عن نفسك في هذا التحقيق تأتي من قاعدة: "خير الكلام ما قل ولا يدل"... التحقيق ما هو إلا مراوغة بينك وبين وكيل النيابة... هو يريدك أن تتحدث أطول وقت ممكن لينسج خيوط الاتهام حول رقبتك... فالإطالة في الحديث وفي سرد الوقائع يؤدي إلى الضرر بك وبزملائك... كل إجابة مطولة تفتح للنيابة العديد من الأسئلة... أجعل إجابتك على كل سؤال في أضيق الحدود مثل: لم يحدث... لا أعرف.. لم أرى.. لم أسمع... لا أتكلم... لإنك إذا قلت أعرف فلان.. فإن ذلك يعتبر بمثابة منح المحقق العديد من الأسئلة الإضافية مثل: متى عرفته؟ وكيف؟ وما رأيه؟ وما رأيك، أما الإجابة: بلا... فإنك بها تسد الطريق أمام المحقق. سألني المحقق ذات مرة: "هل تعرف محمد خليل؟ قلت له: لا أعرفه.. قال: كيف لا تعرفه وهو أخيك؟ قلت: والله بقالنا كتير ما شوفناش بعض!!". هي مراوغة... وكله كدب في كدب... هي معركة من نوع خاص... ينبغي أن يكون الإنسان صادقًا أمام الجماهير.. أما أمام النيابة الاستثنائية التي تود إلحاق الضرر بك وبزملائك فأنت غير صادق ومراوغ من الدرجة الأولى... والصادق أحمق في هذا المجال... إنها لعبة حبكة الكذب... لا تدين المبادئ التي تناضل من أجلها أثناء التحقيق... ولا تدين أية حركات جماهيرية على صفحات التحقيق بحجة أن ذلك سوف يجعلك تحصل على الإفراج. وإذا تم سؤالك عن رأيك في نظام الحكم (وهو سؤال تقليدي لوكلاء النيابة)..... فإن كنت مخضرمًا ورد سجون (زي حالاتي) قل رأيك بكل صراحة ووضوح... وإن كنت أول مرة أو ثان مرة تخوض التجربة فأجب إجابات مثل: "أحتفظ برأيي لنفسي.. أو أرفض الإجابة لأن هذا السؤال يدخل في دائرة الرأي... والتحقيق مفروض أن ينصب على الوقائع..". لا تدخل التحقيق إن لم يكن هناك محاميًا للدفاع عنك، لكي تضمن أبسط الضمانات لسير التحقيق بشكل معتدل، وإن لم يكن هناك محاميًا فاطلب تأجيل التحقيق لحين حضور محاميك الخاص أو إيفاد محامي من قبل لجنة الحريات بنقابة المحامين. ولا تسمح بحضور التحقيق إلا (لوكيل النيابة وكاتب التحقيق والمحامين من هيئة الدفاع)... أي شخص خارج هؤلاء لا تسمح بحضوره للتحقيق... وخاصة إذا كان ضابطًا من ضباط مباحث أمن الدولة، فليس له الحق في حضور التحقيق، أطلب خروجه من القاعة بشكل مباشر من وكيل النيابة، وإذا رفض امتنع عن التحقيق. وإذا تم تعذيبك في مباحث أمن الدولة وتعرضت لضغوط نفسية وإكراه بدني يجب أن تذكر ذلك في بداية التحقيق، لا تخجل من ذكر أية إهانات تعرضت لها فأنت بذلك تدافع عن نفسك وتبطل أية اعترافات تكون قد انتزعت منك في مقر مباحث أمن الدولة. أبدأ التحقيق مع وكيل النيابة بطلب الإطلاع على مذكرة التحريات التي صاغتها جهة مباحث أمن الدولة، ذلك من حقك القانوني، تمسك بهذا الحق، وإذا رفض وكيل النيابة إطلاعك على مذكرة التحريات بحجة أنها تحتوي على معلومات تخص آخرين بالتحقيق أطلب منه أن يقرأ عليك شفاهة ما يخصك من مذكرة التحريات، لإنك حينما تعرف التحريات عنك فإن ذلك سوف يعطيك فكرة مسبقة عن طبيعة الأسئلة التي سيقوم المحقق بتوجيهها. الهدوء وثبات الأعصاب هي السمة الأساسية التي يجب أن يتسم بها أي مناضل أمام المحقق، ولا تنزعج كثيرًا من دباجات معدة سلفًا وتلقى على كل معتقل تقريبًا مثل: "أنت متهم بتكوين منظمة سرية هدفها قلب نظام الحكم...تحض على كراهية السلطاء وازدراء نظام الحكم... وكان العنف ملحوظًا في توجهات تلك المنظمة.." أجب بهدوء وسخرية على كلام المحقق: "كيف يمكن لشاب مثلي أن يقلب نظام حكم لديه مليون جندي من عساكر الأمن المركزي وفرق الكاراتيه؟!!! كيف يمكن لمثلي أن يقلب نظام حكم مدجج بالسلاح والعتاد ومئات الآلاف من المخبرين؟!!! والله نظام الحكم هوه اللي مقلوب لوحده وإحنا عايزين نعدله... أنا صاحب رأي وفكر.. ولا أملك في هذا البلد سوى كلمة شريفة تبحث عن طريق العدل والحرية... أي عنف في هذا؟!! وما هي الوسائل العنيفة التي انتهجتها.. أنا لست عضوًا في أية منظمة سرية... وجميع الاتهامات باطلة...". لا تدع وكيل النيابة يملي على كاتب الجلسة الأسئلة ويصيغ هو إجابتها دون تدخل منك، وأتبع تعليمات المحامي الخاص بك (طالما هو غير مفروض عليك). وفي التحقيق لا تعترف بأية مضبوطات كانت ضبطت في منزلك أو دست عليك، لأنهم عادة يصورون فوتوغرافيا أية أوراق وبيانات قديمة ويدسونها كمضبوطات، لا تعترف إلا بالمضبوطات والأشياء التي تود استردادها مستقبلاً مثل جهاز كمبيوتر أو شرائط خاصة سطوًا عليها أثناء التفتيش. بعض وكلاء النيابة يخدعون المتهم بلعبة: "من الممكن أن نحولك في هذه القضية إلى شاهد ملك على زملائك وبذلك نضمن لك الإفراج"... أحترس من هذه اللعبة والخديعة لأنك في النهاية باعترافاتك الملفقة سوف تضر بالآخرين وبالأبرياء، وسوف تكون بهذا الفعل متلاعبًا مع النيابة والمباحث... لا تلهث وراء الإفراج... دع الإفراج يأتي إليك وأنت صامت... وإن لم يأت فملعون أبوه... حينما يتم سؤالك في نهاية التحقيق عن: - هل لديك أقوال أخرى... أجب بما يلي: "أطلب الإفراج الفوري عني حيث أن جميع الاتهامات ضدي باطلة، وأحمل النيابة مسئولية أي إكراه بدني أتعرض له مستقبلاً في السجن.. وأطلب إبلاغ أسرتي بمكان محبسي"... وقع على كل صفحة من صفحات التحقيق، ولا توقع في نهاية التحقيق فقط ،لأنه في القضايا المهمة من الممكن إذا كان التحقيق عشر صفحات وأنت وقعت على الصفحة الأخيرة فقط فإنه يمكن استبدال التسعة صفحات الأولى بأسئلة وأجوبة غير الأجوبة التي جرت، ولا تدع مكانًا خاليًا بالصفحات.. أطلب من وكيل النيابة الشطب عليه حتى لا يملأ هذا الجزء الخالي بأقوال غير أقوالك. من المفضل للحركة السياسية بشكل عام أن يرفض جميع المناضلين التحقيق أمام نيابة أمن الدولة ويمتنعوا عن ذلك لترسيخ: أن هذه النيابة سلطة استثنائية غير شرعية تخضع للأوامر والتعليمات العليا. والنيابة على الغلابة طبقت بند اللجام